![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
ندى مصطفى رستم
!--a>
2025 / 5 / 16
في زاويةٍ منسية من هذا الوطن المكسور، ارتُكبت جريمة لا يبرّرها عقلٌ ولا ضمير.
ثماني طعناتٍ اخترقت جسد شابةٍ لم تطلب سوى أن تعيش بكرامة، ثم نُزعت حنجرتها في مشهدٍ يندى له جبين الإنسانية.
جريمتها الوحيدة أنها طلبت الطلاق... أرادت أن تفكّ قيدها من حياةٍ كانت تسحق روحها تحت وطأة القهر.
القاتل لم يكن غريبًا... بل كان أخاها.
شبّيحٌ سابق، تلطّخت يداه بالسرقة والقتل تحت مظلّة النظام المنهار، ثم بقي حرًّا طليقًا في ظلّ الفوضى التي تَلت سقوطه.
في وطنٍ سقطت فيه هيبة القانون، وحكمته الميليشيات والمصالح السوداء، أصبح القاتل محميًّا، وأصبحت الضحيّة منسيّة.
الحكومة الجديدة، التي وعدت بالعدل، وقفت عاجزة أمام نفوذ المجرمين القدامى.
لا مذكّرات توقيف، لا محاسبة، وكأن الجريمة لم تُرتكب، وكأنّ الصمت يلفّها كي لا يُعترف بها، وكأنّها لم تقع في وضح النهار.
ففي بلدٍ تهدّمت فيه القيم، وغابت فيه العدالة، تصبح الجرائم العائلية شأنًا خاصًّا لا يستحقّ أكثر من خبرٍ عابر.
ربما أصبحت القسوة من أساسيات المجتمع، لذا لا يلتفت إليها أحد. ولهذا تُرتكب الجريمة وكأنها تقع مرّتين:
مرّةً بسكّين الخيانة، ومرّة عبر عاداتٍ وتقاليد تجيزها، أو عبر تربةٍ خصبة لممارستها.
في أعينهم، كانت هي الجانية دائمًا — مجرّد امرأة خرجت عن "طاعة الرجل"، امرأة "جلبت العار"، وكأنّ المطالبة بالحياة جريمة.
مجتمعٌ يرى المرأة ملكًا لا حقّ لها بالاختيار، ويفرض عليها الصمت طاعةً وخوفًا، ثم يرجمها إن رفعت رأسها.
لم تكن تلك الفتاة أولى الضحايا، ولن تكون الأخيرة، ما دام السلاح أعلى صوتًا في مجتمعٍ بدائيٍّ كمجتمعنا،
وما دام يُغضّ الطرف عن جرائم تُرتكب باسم الشرف الزائف والتقاليد العمياء.
الوجوه السياسية، وكأن لا علاقة لها بما جرى ويجري، بل وكأنّ لها مصلحة في السيطرة على المجتمع عبر هذه الجرائم باسم الشرف الكاذب.
صرختها الأخيرة لم تصل إلى أحد:
"أنقذونا من هذا العالم الجائر."
واليوم، وسط صمتٍ ثقيل وألمٍ لا يهدأ، أعلنت السلطات عن تمكنها من إلقاء القبض على القاتل.
ورغم أن العدالة لا تعيد الحياة لمن غُدر بها، يبقى هذا القبض خطوةً صغيرة في طريقٍ طويل يجب أن يُستكمل؛
طريق تُعاد فيه الكرامة إلى الضحايا، وتُحاسب فيه الأيادي الملطخة بالدماء، مهما طال الزمان أو تغيّرت الوجوه.
فالقصاص العادل ليس فقط بحق القاتل، بل بحق مجتمعٍ مريضٍ صمت كثيرًا، وبرّر كثيرًا، وخذل كثيرًا.
كفى!
كفى أن تُقتل المرأة مرّتين في مجتمعنا! مرّةً بالسكّين، ومرّةً بالنظرة الدونية التي تسلب منها إنسانيتها وحقها في الحياة.
كفى أن تُختزل المرأة في كونها مجرّد أداةٍ لخدمة المجتمع، وتُحكم عليها بالسكوت والصمت الأبدي.
كفى أن يُتاجَر بالمرأة، وتُبنى الثروات على آلامها، وتُسحق تحت عجلة الخوف والتقاليد البالية.
متى سيكون لنا شرف احترام المرأة؟
متى نكفّ عن تربية أطفالنا على صورة أمٍ ضعيفة، مسلوبة الإرادة، تتحمّل فوق طاقتها بلا صوتٍ مسموع؟
كيف نبني جيلاً حرًّا، ونحن نزرع في قلبه رذيلة الظلم، ونتمنى له حياةً أفضل تحت ظلال أمّهاتٍ لا حق لهنّ في الاختيار؟
أيّ تناقضٍ هذا؟ الكلّ يريد الحرية، لكنها لا تأتي على طبقٍ من ذهب.
علينا أن نزيل الألم والتناقض من تقاليد المجتمع، لأجل بناء جيلٍ جديد.
نحن بحاجة إلى ثورةٍ في العقل.
نحتاج أن نُربّي في أطفالنا الاحترام أولًا، وأن نُعلّمهم أنّ المرأة ليست ملكًا، بل إنسانٌ له صوتٌ وحقّ في الحياة.
لن يُحترم مجتمعٌ لا يُحترم فيه نصفه الآخر.
لن نبني وطنًا حقيقيًا إن استمررنا في سحق المرأة على مذبح التقاليد البالية والقيم الملوّثة.
لا يمكن أن نواصل التقدّم في عالمٍ يسلب المرأة حقوقها الأساسية، ويجعل منها كائنًا ضعيفًا لا قيمة له سوى خدمته وتضحياته!
من أجل أبنائنا، من أجل وطننا،
لتنطلق ثورة... من أجل النساء، من أجل العدالة، ومن أجل حياةٍ لا تُقتل فيها الأحلام.
المرأة ليست مجرّد ضحية، بل هي ركيزة المجتمع، التي تساهم في بناء الأجيال وتعلّمهم كيف يحبّون، كيف يحترمون، وكيف يثورون ضدّ الظلم.
كفى إهانة. كفى سكوتًا.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|