المرأة ... المأزق



طارق فتحي
2025 / 5 / 22

حول تعليقات مقتدى الصدر عن امامة المرأة للصلاة

تكاد تكون قضية المرأة هي الفخ الذي تقع فيه كل الحركات السياسية والفكرية، وثلما يقال فأن "الطريقة المثلى لتقييم أي مجتمع هي طريقة تعامل هذا المجتمع مع المرأة"، عليه فأن رئيس أو قائد حركة سياسية أو فكرية أو اجتماعية ملزم بإعطاء رأيه عن قضية المرأة ومكانتها في برنامجه السياسي والاجتماعي والفكري.

جون لوك، الفيلسوف الإنكليزي الأشهر أراد ان يعطي مكانة رفيعة للمرأة في برنامجه الليبرالي، وقد رد على أحد الباحثين الذين بنوا في قضية "حق ادم بالسيادة وخضوع حواء له"، وهذا الباحث كان قد استشهد بالآية من العهد القديم تقول "تكثيرا أكثر اتعاب حملك. بالوجع تلدين اولادك والى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك"، وارد لوك بكل الوسائل المنطقية واللغوية تخطئة كاتب المقال، الا انه لم يفلح، لهذا استسلم بالقول "هي آية غامضة لم يتفق المفسرون على معناها بعد فكيف يسوغ لنا ان نبني عليها النتائج بمثل هذه الثقة"؛ أي ان النص الديني أوقف مشروعه الفلسفي في هذه النقطة على الاقل، او حجمه وحدده.

كنا يوم جمعة جالسين في منتدى المدى الثقافي في شارع المتنبي، ننتظر حفلة موسيقية استذكارية لأحد المطربين القدامى، كعادة المدى فإنها تسمح في بعض الأحيان لعدد من الكتاب تقديم مؤلفاتهم وتوزيعها وتوقيعا وتقديم نبذة عنها، هذه المرة كان لنا الشرف بلقاء القاضي "هادي عزيز علي"، وقد اهدانا كتابه "قراءة وجيزة في القراءات الحديثة لفقه المرأة.. مساهمة في التعرض لموروث الافعى"، وفي هذا الكتاب فان القاضي هادي أراد ابعاد شبهة دونية المرأة في النص القرآني، ملقيا على الفقه اللوم من انه هو الذي انزلها الى الدرجة الدونية؛ في تعريفه بالكتاب تعرض لنقطة نظر اليها على انها مهمة جدا وهي "ضرب الزوجة"، فلجأ الى تفسير النص القرآني لغويا، بسبب وضوحه الشديد، وكالعادة لم يفلح القاضي المحترم هادي بتوصيل قناعاته، فأغلب هذه المحاولات تمنى بالفشل، بسبب وضوح النصوص الدينية وتاريخها في التعامل مع المرأة.

مقتدى الصدر، كقائد أكبر ميليشيا وأكبر تيار جماهيري، هو أيضا أراد ان يدلي برأيه حول قضية المرأة "مع الاحتفاظ بمكانة الأشخاص التاريخية والعلمية وعدم المقارنة"، لهذا ادلى برأيه المكون من خمسة تعليقات، حول قضية "امامة المرأة للصلاة".

مقتدى الصدر كان أسرع وأسهل في القهم، بل وقد أوجز المسألة "امامة المرأة"، والتي رغم عدم أهميتها للمرأة في قضية المساواة والتحرر، الا انه كان سريعا جدا بالقول "إن بيت المرأة مسجدها وهذا لا يعني عدم جواز دخولها المساجد بل إن كان للرجل مسجد واحد فإن للمرأة مسجدين بيت الله وبيتها"؛ ما يعني "عدم جواز امامة المرأة.

رغم سرعته في الإجابة - اما بقية النقاط فليست بذات أهمية - الا ان الشيء الذي يحسب له انه لا يريد الخروج عن النص الديني في قضية المرأة، ولا يريد ان يتفلسف فيها، وهو بهذا كان صادقا مع نفسه ومع تاريخه، فكلنا رأينا ما فعلته "القبعات الزرق" أيام تشرين من ضرب للطالبات، وفي تعليماته بفصل الرجال عن النساء في تظاهرات تشرين، كل ذلك يؤكد على دونية المرأة في الفقه الديني.

امامة المرأة في الصلاة قضية لا تعني شيئا في مسيرة تقدم المرأة او تحررها او مساواتها، فماذا يعني ان نشاهد امرأة وهي تتقدم صفوف مصلين؟ وتقرأ " وَإِنْ كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا ا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا"؛ انها قضية معقدة جدا لا يمكن الخوض بها أكثر، رغم ذلك وكما قلنا فأن مقتدى الصدر انسجم جدا مع موروثه الديني ولم يخرج منه. ولهذا أيضا فلا يمكننا ان نقيم هذا المجتمع تقييم إيجابي بواقع المرأة هذا.