![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
إياد هديش
!--a>
2025 / 6 / 11
الحرية الحقيقية ليست شعارًا يُرفع، ولا صوتًا يُصرخ به، بل هي هدوء داخلي ينبع من وعي ناضج بالذات، وانسجامها مع الآخرين. المرأة الحرة لا تحتاج إلى أن تثبت شيئًا لأحد، ولا تعيش حالة صراع دائم مع المجتمع، بل تمارس حريتها بهدوء، عبر سلوكيات نابعة من قناعتها، واستقلاليتها، ومسؤوليتها عن خياراتها. إنها تدرك أن الحرية لا تعني الانفلات، ولا تعني العدوان، بل تعني النضج والاحترام والتوازن.
في المقابل، تبرز نماذج من النساء اللواتي يدّعين التحرر، بينما يحملن داخليًا تناقضات حادة بين ما يرفعن من شعارات وما يمارسن من سلوك. قد يبدو مظهرهن متحديًا، وخطابهن صاخبًا، لكن الجوهر يبقى مشوشًا، والقرار الداخلي مرهونًا بنظرة الآخر أو بردّة فعل المجتمع.
من هذه التناقضات يظهر ما يُعرف في علم النفس بـ"الاستقلال الزائف"؛ حيث تتبنى المرأة خطابًا تحرريًا، لكنها في الحقيقة تعيش رهينة لصور ذهنية قديمة، وتستبدل قيدًا بآخر. فلا هي متصالحة مع الموروث، ولا هي مفككة له على مستوى عميق، بل تقف عند حدود رفضه اللفظي، بينما ترتد إليه لا شعوريًا عند أول اختبار حقيقي.
تتجلى هذه المعضلة في مواقف متعددة، من أبرزها ازدراء مشاعر الآخرين وعدم القدرة على خوض علاقة حب بريئة ناضجة مع الرجل. كم من امرأة تدّعي الاستقلال العاطفي، ثم تدخل علاقة بوعي مرتَبك، تارة تُظهر الحماسة، وتارة تنسحب بلا تفسير، تارة ترفع شعارات "الحرية"، ثم تستخدمها كذريعة لتبرير قسوة أو تنكّر لمشاعر الطرف الآخر. وفي العمق، تعاني من عدم قدرتها على تجاوز الخوف المتأصل من فقدان السيطرة، أو من نظرة المجتمع، أو من أحكام نساء أخريات يحملن ذات القوالب الذهنية التي هربت منها يومًا.
علم النفس التحليلي يفسر هذه التذبذبات كسلوك دفاعي ناتج عن صراع داخلي بين "الهو" (الرغبات الطبيعية) و"الأنا الأعلى" (الضوابط المجتمعية المترسبة)، فتبدو المرأة في صراع دائم مع ذاتها: تحب وتخاف، تنجذب وتبتعد، تعطي وتتراجع. تعيش ما يُعرف بـ"التنافر المعرفي"، حيث تنقسم بين قناعاتها النظرية وسلوكها الواقعي.
بل إن بعض هؤلاء النساء، رغم رفضهن المعلن للصور التقليدية، يُظهرن في لحظات الشك أو المواجهة انحيازًا مفاجئًا إلى أعراف المجتمع. فحين تُعرض عليهن علاقة عاطفية نزيهة، متوازنة، يُخضِعنها لمنظار الشك، وينسحبن منها بحجة الحفاظ على استقلاليتهن، رغم أنهن لم يُدركن بعد أن الحرية لا تتناقض مع الحب، بل تُزهر فيه إذا كان حبًا يقوم على الاحترام والاختيار الناضج.
في كثير من هذه الحالات، يتحول الرجل إلى ضحية لحرب لم يخُضها، حيث يُساء فهم مبادرته، وتُفسر ملامح حنانه كتهديد، ومشاعره الصادقة كقيود. ويُقابل حبه بالاستخفاف أو الإهمال العاطفي، ليس لأنه لا يستحق، بل لأن الطرف الآخر لم يتحرر بعد من صورة الرجل في وعيها الجمعي، تلك الصورة التي صاغها الخوف، والقهر، والخطاب المعبّأ، لا تجربة الفرد الحقيقية.
وهنا يكون العلاج الحقيقي نفسيًا ومعرفيًا، ويقوم على:
1. الاعتراف بالصراع الداخلي بين الرغبة في الحب والخوف من نتائجه، بين الحاجة للتقارب والرغبة في الهروب.
2. إعادة تعريف العلاقة العاطفية بوصفها شراكة، لا تهديدًا. إنها مساحة للنمو المشترك، لا ميدانًا لفقدان الذات.
3. التحرر من الذنب المرتبط بالحب، ذلك الذنب الذي زرعه المجتمع في اللاوعي الأنثوي.
4. تصحيح صورة الرجل، بعيدًا عن التعميم أو التحصن خلف تجارب مؤذية أو سرديات جماعية مشوهة.
5. بناء ثقة داخلية لا تُستمد من المواجهة أو التحدي، بل من القبول الحقيقي للذات والآخر.
إن المرأة الحرة ليست تلك التي ترفض العلاقات، بل التي تدخلها حين تختار، وتخرج منها حين تستوجب، دون أن تُنكر أو تُهين أو تُسقِط صراعاتها على غيرها. هي التي تحترم مشاعر الآخر، كما تحترم ذاتها، وتدرك أن العلاقة لا تسلب الحرية، بل تختبر نضجها.
وهكذا، فإن التحرر الحقيقي لا يكون برفع الشعارات، بل بإعادة بناء الداخل. فالمرأة التي لم تتصالح مع ماضيها، ولم تحسم صراعها الداخلي، ستبقى تكرر ذات الأخطاء، حتى وهي تلبس ثوبًا جديدًا. ستصرخ بالحرية، ثم تهرول عند أول منعطف إلى نفس السجون التي خرجت منها، ولكن هذه المرة بصوت أعلى وثقة أقل.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|