شهيدات الفقر... من أطفيح إلى المنوفية: القهر لا يزال مستمرًا!



حسن مدبولى
2025 / 6 / 28

في أبريل عام 2007، كتبتُ هنا على الحوار المتمدن مقالا عن مأساة شهدتها قرية أطفيح بمحافظة الجيزة، حيث إستشهدت أكثر من ست عشرة طالبة من مدرسة أطفيح الثانوية التجارية، دهسًا تحت عجلات شاحنة نقل، اصطدمت بالسيارة( ربع نقل) التى كن يستقلنها والتى كانت تُستَخدم أيضا فى نقل المواشي فى أحيان كثيرة !
يومها، لم يكن الحادث مجرد رقم جديد في قائمة طويلة من حوادث الطرق؛ كان صرخة مدوية لواقع مرير تعيشه بنات مصر من الطبقات الفقيرة، ونداءًا لإنقاذ ما تبقى من كرامةٍ في وطنٍ يطحن أبناءه وبناته تحت رحى الفقر والإهمال.
واليوم، وبعد أكثر من ثمانية عشر عامًا، يتكرر المشهد — بنفس التفاصيل، بنفس الألم، بنفس الصمت الرسمي — ولكن في محافظة المنوفية، حيث لقيت عدد من الفتيات العاملات باليومية مصرعهن في حادث سير مأساوي، أثناء عودتهن من العمل بأجر يومي لا يتجاوز مائة وثلاثون جنيهًا، في سيارة نقل محمّلة بالبشر كأنهم بضاعة.

ومن أطفيح إلى البرانية، لا شيء تغير. نفس الشوارع، نفس المركبات البدائية، نفس استهتار الدولة بحياة الفقراء، ونفس التواطؤ الصامت من "نشطاء" حقوق المرأة الذين لا يظهرون إلا في حفلات الندوات الفاخرة، ولا يتحرك لهم ساكن حين تسقط بنات الفقراء دهسًا في تراب الوطن.
إن ما حدث ليس قضاءً وقدرًا، بل نتيجة طبيعيةلمدارس بعيدة من دون مواصلات آدمية، ولورشٍ ومصانع تستغل الفتيات القاصرات بأجور مهينة( الحادث تكرر فى الاعوام الماضية ) فالحكومة عاجزة عن تنظيم النقل الريفي بشكل آدمى يتناسب مع شعارات ( حياة كريمة ومطرب كاريوكى الثورجى )

في حادث أطفيح، علمنا أن السيارة التي كانت تنقل الطالبات صباحًا إلى المدرسة، كانت تنقل الماشية مساءً، دون حتى غسلها! وفي حادث المنوفية، لا فرق كبير: شاحنة ربع نقل، تكدّست فيها الأجساد الطاهرة، وغابت عنها أبسط معايير السلامة. ثم نتلقى النبأ في سطرٍ باهت: "مصرع 8 عاملات في حادث سير"... وتمضي الحياة!
إن الطريق من أطفيح إلى البرانية، ومن 2007 إلى 2025، محفوف بالدم، والدروس المهدورة، والمستقبل المقتول. سنوات مرّت، ومئات الفتيات رحلن، ولا أحد يحاسب أحدًا، ولا أحد يجرؤ على وضع سؤال واضح: من يتبنّى الدفاع عن شهيدات الفقر في مصر؟

هل تذكرون حملات تحرير المرأة التي تتغنى بمناهضة ختان الإناث وحق المرأة في خلع الحجاب؟ أين أنتنّ من بنات يُدهسن تحت عجلات الجوع؟ أين أصواتكنّ حين تكون الضحية فتاة لم تعرف من "التمكين" إلا كلمة على بوستر مشروع ممول أجنبيًا؟

إن المرأة المصرية التي تستحق الدفاع عنها ليست صورة في مؤتمر، بل تلك التي تستيقظ مع الفجر لتطعم إخوتها، وتعود مع الغروب جثة هامدة في سيارة لا تليق إلا بالحيوانات.
إن شهيدات الـمائة وثلاثون جنيهًا، وشهيدات أطفيح قبلهن ، وما بينهما من حوادث مأساوية طالت فقيرات مسحوقات، لاتعتبر مجرد حوادث طرق. لكن الامر يتعلق بنظام اجتماعي واقتصادي فاسد، يُدجّن الفقر، ويُطبع مع الإهمال، ويُفجّعنا ثم يُطالبنا بالصمت!