![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
أسمهان عبد القدوس القره غولي
!--a>
2025 / 7 / 11
لطالما شكل خطاب المرأة أحد أهم مرايا المجتمعات، حيث يعكس مدى تطورها ووعيها بقضايا العدالة والمساواة. ولا يتجلى هذا الخطاب في النصوص الأدبية أو الإعلامية فحسب، بل يتعداه ليصبح مجالاً لصراع التأويلات، ولصياغة معاني الهوية والدور الاجتماعي والحقوق. وبينما يُظهر لنا التأريخ مراحل متعاقبة من تهميش المرأة وقمع صوتها، يبرز في المقابل نضال مستمر لإعادة صياغة هذا الخطاب بما يعبر عن كرامتها وحقوقها وإنسانيتها.
ويواجه خطاب المرأة اليوم العديد من العراقيل التي تُعقد من حضوره وتأثيره. لعل من أبرزها الخطابات الذكورية المهيمنة التي غالباً ما تصوغ صورة المرأة في أطر نمطية ضيقة؛ إما بوصفها رمزاً للعاطفة والضعف، أو حبيسة أدوار الأمومة والزوجية. كما تُضاف إلى ذلك السياقات الاجتماعية والثقافية التي قد تكرس الصمت أو الرقابة الذاتية عليها، فتمنعها من التعبير عن معاناتها أو مطالبها.
من جهة أخرى، تتعرض المرأة يومياً لأشكال متعددة من العنف الرمزي المباشر؛ مثل التحرش، التمييز في أماكن العمل، والحرمان من فرص التعليم أو الترقي. وهذه الظواهر تجد صداها في الخطاب العام، فتكون إما مهملة أو مبررة تحت غطاء العادات والتقاليد، ما يعمق من أزمة خطاب المرأة ويقلل من فرص سماع صوتها الحقيقي.
في المقابل، شهدنا في العقود الأخيرة بروز خطاب نسوي وحقوقي قوي يسعى لتفكيك هذه الصور النمطية وإعادة بناء سردية المرأة. إذا أصبحت المرأة أكثر حضوراً في الإعلام والبرلمانات ومراكز الأبحاث ومواقع التأثير، وصار خطابها يتناول قضايا جوهرية مثل حقها في تقرير مصيرها الجسدي، ورفض العنف، والمطالبة ببيئات عمل عادلة.
ويعتمد هذا الخطاب على أدوات متعددة؛ من الحملات الاعلامية، إلى الأعمال الأدبية والفنية، وصولاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي منحت النساء مساحات حرة للتعبير عن تجاربهن ومشاركة قصصهن. فأصبحنا أمام تحول نوعي يربط خطاب المرأة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
ولا ينفصل هذا الخطاب عن مجمل الخطاب الانساني الذي يطالب برفع الظلم وتحقيق المساواة، فكلما تعزز وتنوعت روافده، اقتربنا أكثر من مجتمعات عادلة تسمع صوت نصفها المغيب وتمنحه فرص التحقق والازدهار، وربما يكون التحدي الأكبر في المستقبل هو تجاوز الخطابات الرمزية إلى ممارسات عملية تغير حياة النساء على أرض الواقع، ليصبح خطابها ليس فقط صدى لمعاناتها، بل مشروعاً لبناء مجتمع أكثر إنسانية.
ولا يُبنى الخطاب المستقبلي فقط على ما راكمته من تجارب نضالية، ولا على ما فرضته التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من أدوار جديدة، بل على وعي متجدّد بذاتها وبمكانتها في مجتمعاتها، كالوعي الهويّاتي المركّب، فحين تدرك المرأة وبوعي متكامل أنها تمثل ذاتاً متعددة الأبعاد، تتقاطع فيها الخصوصية الثقافية مع القيم الإنسانية الكونية، ستسعى دائماً لإنتاج خطاب متوازن يحفظ هويتها ويعبر عن انفتاحها. كذلك ضرورة امتلاكها للجرأة في الطرح والتفكير النقدي، خاصة مع تزايد المنصات الحرة وتراجع الرقابة التقليدية، تتوسع مساحات الجرأة في خطابها، ويصبح بإمكانها أن تستثمر هذه الفضاءات الرقمية ليس فقط للتعبير عن ذاتها بل لصناعة الرأي العام، وتشكيل حركات ضغط تساهم في صياغة السياسات. مما يجعلها تساهم في طرح أسئلة صعبة حول السلطة والمعنى والأدوار الاجتماعية، دون خوف من الوصم أو الإسكات.
ونتيجة لذلك سيصبح خطاب المرأة مستقبلياً أكثر شمولاً، لا يقتصر على الدفاع عن حقوقها المباشرة فقط، بل يمتد ليشمل قضايا العدالة البيئية، الاقتصادية، والإنسانية التي تتأثر بها النساء والفئات المستضعفة عموماً. وسيكون خطابها المستقبلي وسيلة لتفكيك الأساطير والصور الجامدة حولها، ليُظهرها في تعددها وكفاءتها وإنسانيتها، بعيداً عن قوالب «الضحية» أو «الرمز» أو «الزينة»، مما يجعلها تتحرر أخيراً من الصور النمطية والتمثيلات الضيقة التي احاطت بها لفترة طويلة.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|