الحضانة المشتركة بين اصلاح المجتمع وغياب التشريع



كمال الدين الزبيدي
2025 / 7 / 23

تُؤسس فكرة الحضانة على مبدأ الرعاية والاهتمام بالطفل حتى يبلغ سنًّا يستطيع فيها الاعتماد على نفسه، وقد عرّفت الحضانة بأنها: القيام بتربية الطفل ورعاية شؤونه من قبل من له الحق في ذلك شرعًا (الدكتور أحمد الكبيسي ، الوجيز في شرح قانون الاحوال الشخصية وتعديلاته ، الجزء الاول ، الصفحة٢١٣) . أما في اللغة، فهي تعني ضم الشيء إلى الحضن، مما يدل على الالتزام العاطفي من الأبوين تجاه الأطفال.
إلا أن هذا الالتزام العاطفي بدأ يتحول إلى صراع بين الأبوين، وكان الضحية هم الأطفال. فرغم أن المادة (٥٧) من قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ لم تمنح الحضانة للأم على نحو قاطع، فإنها أعطتها الأولوية، وهو ما جعل المحاكم العراقية – للأسف – تتقيد بتطبيق النص القانوني، متغافلة عن جوهره، ومهملة الفقرة التي تنص على عبارة : "ما لم يتضرر المحضون من ذلك"، وهي فقرة ترشد إلى مراعاة الحالة النفسية والمعيشية للمحضون قبل الحكم.
وقد جاء قرار محكمة التمييز العراقية المرقم (٢٥٧٤/٢٠٢١) ليرسخ هذا الفهم، حيث اعتبر دعوى تأييد الحضانة مجرد دعوى لإثبات واقعة إقامة الطفل مع أحد الأبوين. وبذلك تحولت الحضانة لدى بعض الأمهات إلى سلاح تضغط به على الأب من خلال الأطفال.
ومع التعديل الأخير لقانون الأحوال الشخصية، والمتمثل بالقانون رقم ١ لسنة ٢٠٢٥، الذي نصّ وفق قرارات المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي، على أن الحضانة بعد السابعة تكون للأب، تغير الحال، وانتقل السلاح من يد الأم إلى يد الأب.
كل هذه التغييرات زادت من حدة التفكك، ورسخت العداء، وساهمت في توريث الأحقاد بين الأبناء وأبويهم، خاصة في بيئة أسرية تميل، في الغالب، إلى تغذية الكراهية بدلًا من المحبة، مما يضاعف من حجم الضرر النفسي والاجتماعي.
لذلك، من الأجدر تشريع نص قانوني يُقر بالحضانة المشتركة بين الأبوين، لتستمر رعاية الأطفال سواء خلال الحياة الزوجية أو بعد وقوع الطلاق، ما دامت المصلحة الفضلى للمحضون حاضرة في ذهن المشرّع. فالطفل الذي كان يعيش حياة مستقرة بين والديه لا ينبغي أن يكون ضحية عند أول خلاف، بل يجب أن يكون سببًا لتعليم الوالدين قيمة التعايش والتسامح لا العداء والانفصال .
إن الحضانة المشتركة تعنى برعاية الطفل عند والديه حتى وإن حصل خلاف أو حدث الطلاق فيما بينهما ، حتى لا يعيش الطفل بعيداً عن أبويه ولا يحرم أحدهما منه ، عبر توفير بيئتين مناسبتين للطفل سواء عند والده أو والدته ، حينها يمكن ضمان أن لا يكبر الطفل مع مشاكل نفسية وعقد ، وان يتقبل الآخر عبر تقبله لهذا الاختلاف الذي وقع عليه ظلما .
ستمكن الحضانة المشتركة الأسرة من الانصراف عن التفكك وان تلتحم عبر النظر إلى الأبناء قبل كل شيء ، أن تم تشريع نص قانوني يسمح بوجودها .