في نقد سلطة الخطاب : بيداغوجيا المرأة المقهورة.



اية الانصاري
2025 / 8 / 10

الجزء الاول :-
حملت نظرية الاعتراف لأكسل هونيث (من مفكري النظرية النقدية الجيل الثالث) ، اهمية و مصدرا للالهام في فهم الأبعاد المعيارية للاعتراف الإنسان وقد ارتبطت بشكل واضح بنظرية العقل التواصلي ليورغن هابرماس التي تؤكد على اهمية الوعي بالذات و أبعاد التفاعل الرمزي و لا يجب ان ننسى اسهامات فوكو في نقد السلطة و الخطاب ، لبناء اشكالية نقدية متماسكة نقدية حول مآزم البيداغوجيا ( نظم التعليم ) و أشكال الاعتراف الانساني المرتبطة بهذه النظم، لذا من الضروري ان نخرج من اطار الديالكتيك الهيغلي التقليدي ، وقوانين الصراع عن سياق فكر ميتافيزيقي كما فعل هونيث في تفكيك مفهوم التشيؤ لتحقيق (الاعتراف ) ، البين-ذاتي intersubjective، يضمن اعتراف متبادل ، علينا ان نرسم خارطة ممنهجة للتعرف على (بيداغوجيا المقهورين) كمفهوم مرتبط بالخطاب السلطوي فالإنسان يشترع في الوجود ويعّرض نفسه للحكم امام الآخر و للتمييز ، ففي اشتراعه هذا قواعد تصنفه و تقصيه ...و في هذا السياق تبرز اشكاليتنا ، كيف يتصارع المثقف العضوي لنيل الاعتراف، كيف يتقاطع مفهوم الاعتراف في سياقات المعرفة و السلطة التصنيمية، و كيف يؤثر ذلك على العدالة الجندرية ؟ كمدخل ، ان الانسان يتشكل وعيه في كشفه للتناقضات ، ورؤيته ما تفعل الدوغماتية المتطرفة في الاستبعاد و التهميش الاجتماعي، سعى الانسان ليفهم المعنى وراء هذه الصراعات كيف يكون الحكم هو اصل الشرور واصل العنف ، بدأ في مساءلة العدل ، كقيمة مفهومية يبحث عن امثلتها الموضوعية،
استوقفني مقطع من مسرحية نوال السعداوي ( الاله يقدم استقالته ) في حوار لمريم تقول فيه " لماذا لا تحل ارادة الله في جميع مخلوقاته بالعدل و القسطاس ؟ " (ص91) لتجيب رابعة العدوية في فهمها لإرادة الله ان تعطي الحب الغير مشروط لله ،للكون ، للطبيعة ،الإرادة ان تنسجم روحها مع مسارها الجوهري في الوجود ،ففرقت بين الذات و الانا ، الانا التي تحمل بها الكبرياء ، انا متشبعه بالمادية ، اما الذات فهي متجردة من كل المفاهيم الأنا الدنيوية (ص92) لكن حتى هذا النوع من الحب المتفاني لم يُنصف ، لم يحكم عليه الله بالعدل ، عكس حوار رابعة العدوية عن مأزق الاعتراف ، غياب التقدير هذا في الشعور المتفاني بالذات العليا و نسيان احتياجات الانا يحول تجربة العبادة الى تجربة اغتراب من نوع اخر منطقة بين الفينومينولوجيا و الصوفية ، انكفاء تام للوعي الكلي يتم بانفصال عن البنية الاجتماعية ، الوعي الفينومينولوجي يغير قصديته من قضية موجودة الى وجود كلي مطلق بحيث يعيد تفسير كل الظواهر الفينومينولوجية و تصبح التجربة بافق احادي البعد هو اغتراب هابيتوسي عندما يصبح الله افق الوجود باكمله يجعل العالم المعيش كما فسره هوسرل متقلصا الى عالم صوفي لاهوتي وليس فينومينولوجي مادي ، بل معاكس لتعيش بعزلة مطلقة ،مع فقدان القدرة على "التعايش المشترك للعالم" (Intersubjectivity)، يذكر هونيث ان التشيؤ هو نسيان للاعتراف،ففي العبادة و التفاني نسيان للواقع الإنساني و تشيؤ في طبيعة غريبة عن الانا بحيث تحدد صورتها الحقيقية بمعرفتها للذات العليا و انسجامها معها فتعيش الاغتراب بانغلاق القصدية الفينومينولوجية لتصبح باتجاه مطلق يشرحها هونيث من وجهة نظر هيدجرية انها " تشيؤ استند على الاثر المشوه للصور الانطولوجية للعالم " ( التشيؤ- هونيث ص 67 ) هو تشيؤ للذات عبر إلغاء أبعادها الانسانية لصالح صورة ميتافيزيقية، في المسرحية جسدت نوال السعداوي الله بشكل بشري ووضحت في حواراته كيف تصور الانسان الله في ترجمته للكتب السماوية ، او في تأويله ، مما يبرر القهر والاضطهاد باسم السلطة الإلهية.عندما جعل المرأة ادنى من الرجل في كل الأديان و جعل الرجل اقوى بعقل كامل، جعل للانسان سطوة على الحيوان ،عدو الطبيعة، مخرب ، الا ان سلطة الانسان تُهدد بالتقسيم ، يبرر فيما يجب اضعاف الانسان ليصبح عبدا محتاجا عاجزا ، هل يحتاج الله الى العبادة؟ وقعت رابعه العدوية في خطأ التقسيم الهرمينوطيقي، رابعة الخيالية لم تر صورة الله عن صورتها هي في المرآة ، هي فقط سعيدة في ما كانت تعتبره حقيقة ، لكن ما نالته هو الحرمان كجارية .
و كذلك مع مأساة حواء تناقش ارادة الانسان في المسرحية. ما الحكمة من تلبيس حواء خطيئة انزال الجنس البشري، لتستمر معها اللعنة ؟ ميثيولوجيا تتحكم بواقعنا ، هذا السردا الديني ملازم ليصبح سلاحا و اداة قهر تستضعف به المرأة على مر التاريخ لتقمع و تُكبت، و من وجهة نظر منطقية، ان الانسان تواق الى المعرفة، و المعرفة لا تأتي إلا من التجربة، سؤال بديهي ! لماذا جعل الله للإنسان إرادة يحاسبه عليها، هل تتعارض إرادة المعرفة مع إرادة الله؟ ان كانت غير متعارضة فهذا يعني انه محكوم على حواء التجريب ، حواء لم تعص و لم تخطئ ، فلابد من القدر التحقق، والاختيار مفروض لإكمال مشروع الخلق في الارض ، فيتوجب إعفاء حواء من المسؤولية على الفعل، و بهذا الإعفاء أيضا الغاء لحريتها في الاختيار، الانسان لا يملك الارادة فيما يفعل ، فلما هي مشيئة الله ليجعل الانسان تواق الى التجربة كشرط للوعي الإنساني، بالذات ، بالكون و الله ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ سورة العنكبوت: 20 ﴿وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ سورة الذاريات: 20-21 استعراض التناقضات يجعلنا نقف امام كل الاحتمالات التي يسميها المتدينين بالحقيقة، المسلمات التي لا يمكن التفاوض فيها لا تخلو من المغالطات. من وجهة نظر تاريخية و قبل ان يصنع الإنسان الدين، النساء مثلت رمزا للآلهة في عصر الميثولوجيا ( الالهة الام في العصر السومري القديم و تماثيل قرطاج و تمثال فينوس ، تيامات الالهة الاصل للخلق ، الالهة ايسس المصرية المرتبطة بالخليقة و المومة ، الهة غايا الإغريقية اصل كل الكائنات ، و الهنجية شاكتي الطاقة الانثوية الالهية ) ، الالهة الأم المانحة للحياة انعكاسا على فكرة ما قبل دينية أبوية ما قبل أسطورة حواء المخطئة بألاف السنين ـ لماذا أتى الدين بفكرة غير عادلة تهين المرأة؟ مصدرا للغواية ناقصة للعقل سببا للمنفى البشري ، مدانة ! هذه أول قضية تجعلنا نتساءل في فكرة العدل... أتذكر في طفولتي مررت بجانب مقبرة، لفتيات صغيرات قتلن بحجة غسل العار، اذكر أخبار انتحار الفتيات خوفا من الأهالي المتعصبين، صديقتي دعاء تزوجت في الثالث الابتدائي. اغتصاب للطفولة ! ،هذه الحادثة تعكس آلية مؤسسية غير عادلة في بيداغوجيا القهر، نوعا من الوعي الجريح كما اسماه بول ريكور الوعي بالواقع التراجيدي" حين لا يكتفي الإنسان بالملاحظة، فيسعى لإعادة تشكيل بنية التفكير انطلاقا من التساؤل الحي فيتحدى الواقع و يتمرد عليه "، لهذا ينبغي مناقشة مفهوم التعليم و المرأة، و ناحية العدل كيف يمكننا ان ننصف المرأة ؟، المقهورات يسلبن من حقهن في التعليم ـ مع ذلك فتعليم المرأة الأهم ! لا اقصد التعليم المدرسي الممنهج- وانما الوعي بالدور الاجتماعي بالحقوق وبالذات، يجب ان نتمكن من إنشاء بيداغوجيا جديدة تتمحور حول الاختبار و التجريب و ليس التصديق بالمسلمات و الطاعة، بل الشجاعة في المسائلة- الشك و الوقوع بالخطأ كأدوات لازمة للتطور المعرفي، لإعادة إنتاج خطاب ابستيمي يعزز دور المرأة ليس فقط في المجتمع بل في النص، عبر(- التجديد في أساليب التعليم - معرفة تاريخ التهميش النسوي و القهر الاجتماعي- التعرف على جذور الثورة النسوية ضد الأنظمة الابوية والقمع المؤسساتي - صنع تشجيرات مفاهيمية لصياغة مفهوم الاعتراف بالمثقفة العضوية في ظل السياقات السلطوية التي تقصي المرأة من دورها في انتاج و نقد النص ) لتنتقل (دول العالم الثالث) من الطابع الميثولوجي الديني المتحكم و البيداغوجيا التلقينية إلى ثقافية متحضرة ليبرالية،
قبل ان نبدا في تفكيك مسؤولية الإنسان و سلطة المجتمع ، او توضيح الاكسيولوجيا المؤسساتية ضد الإنسانية التفردية ، و التعرف على اهمية تعليم المرأة ضد مجرد التعبئة بمفاهيم نسوية مغلوطة تزيد من الكبت و الغضب الانثوي ، علبنا ان نتوغل في جذر المشكلة، تأثرت في مسرحية كوميدية لشكسبير و من المعروف أننا نهمش الكوميديا باعتبار ان المسرحيات التراجيديا تحمل تقلا وجوديا حول القلق و الموت ، رسالة تطهيرية ، الا ان الكوميديا لا يمكن التغافل عنها فهي عن اللحظة الراهنة ، حول الواقع وحول أنماط العيش ، في مسرحية العين بالعين ، measure for measure . شخصية ايزابيلا الراهبة الزاهدة، المرأة الفاضلة uncorrupted selfhood ، ترفض مساومة انجيليو ،( شخصية جسدت المثالية الافلاطونية لكنه وقع في الازدواجية –فساد ادى لسقوطه كما في ادم عندما سقط لرغباته المكبوتة ـ انجيلو لبس قناع المثالية بحس أخلاقي مصطنع ) ، يساوم ايزابيلا، و هي بدورها ترفض ان تناقض موقفها الأخلاقي و تضحي بحياة أبدية، على ان ينعتق أخيها من الاعدام تقول : ان عفتي فوق اخي . يتجلى التوتر بين المبدأ الأخلاقي والواجب العائلي في لحظة اختبار من انجلو ، لكن استطاع شكسبير من تحقيق العدالة من خلال الملك- الحاكم، يشير مايكل سوغر الى نظام العلامات الدقيق في هذه المسرحية الكوميدية، ، فشخصيات المسرحية لا تقابل فقط شخصيات الميثولوجيا اللاهوتية، وانما تتوغل في أنظمة الحكم كالتصارع بين الدين والسياسة و القانون، مثلتها مشاهد الاحتدام بين انجيلو الذي يطرح نفسه كصاحب سلطة قانونية له الحق في ملاحقة الخطيئة، ان يختبر فضيلة ايزابيلا، ايزابيلا في رحلة ثبات ومقاومة لاختبارات انجيلو - عكست التشوهات المفاهيمية، بين الأنظمة الدينية في اختلاطها بأنظمة الحكم السلطوية السياسية والقانونية والتعليمية، كيف ادى التضارب الناعم بين هتين القوتين في الحكم على ظهور امراض اجتماعية على مستويات فردية و طبقية ،كيف حولت السلطة الأخلاق الى الية للقهر، للعنف الرمزي، و لتصيغ معايير اخضاع و تشيؤ، فايزابيلا تظن أنها بمسار الفضيلة و انجلو الإنسان المتفوق بمسار الحقيقة و الحكم الامثل لصنع اليوتيوبيا، سلطة لا تكتفي بتطبيق القانون، سلطة تصوغ القانون وفق احتياجاتها وتخفي مصلحتها تحت غطاء المبدأ المثالي ، مسرحية العين بالعين حول العدالة ، بين قوتين لم يكن اللازم الاحتدام بينها لولا لوسيو ،الشخصية التي مثلت اصل الشرور، توضح المسرحية ضعف الانسان، فبما يتصوره حقيقة هو ابستيميا كاذية تتأصل في التجربة الإنسانية ، ان الخطاب بنية تحدد أنظمة و اشكال الوجود الاجتماعي ، فبيداغوجيا القهر تتحول الى الية تأديبية تحت اطر ما هو اخلاقي ومشرع دينيا، ان المعرفة او الخطاب الديني يعيد انتاج نظام مراقبة ومعاقبة، مثل التخجيل و الوصم ، لتنتج تسميات خطابية تتحكم بدور الانسان و بدور المرأة و ما يمكن ان تقدمة كهوية لها ، مثل ( العفة الطاعة الاستحياء ) ، فتحول كل سلوكياتها الى موضوع رقابة مستمرة، اما اذا تخيلنا ايزابيلا في الحاضر . النسوية الليبرالية المتأثرة بدي بوفوار فنكون امام معركة اخلاقية ، بين مفاهيم الفضيلة و الحرية ، الجسد مساحة حرية و هنا تتخلى عن فضيلتها كامرأة ليبرالية و تقبل المفاوضة لانها حرة ، ليعيد انتاج قهر الانثى باستخدامها كسلعة باسم الليبرالية ، و ان كانت متأثرة بالنسوية الراديكالية فهي ذاتها تنظر للجسد بالنظرة القهرية ، لانه في التزامها الاخلاقي تجاه العائلة ترى ايضا في التضحية تجاه الاخ امتدادا لقهر النظام الابوي ، و العنف الرمزي هنا يتغلغل ليس فقط في الثورة تجاه النظام الذكوري بل يهدف الى تفكيك الروابط العائلية ، و ان كانت متأثرة بالنزعة الفلسفية الاخلاقية مع بتلر حيث يتشكل الصراع بوعيها بالسياق اللااخلاقي المشروط بقهر المرأة و الواجب العائلي و التمسك بالحرية الذاتية ، لكنها ترفض ان تقدم التزامها الاخلاقي تجاه الاخر على التزامها تجاه الذات ، من كتاب ( الحركة النسوي لسوزان اليس ومجموعة من النسويات ) تتحدث النساء الليبراليات عن اتجاه حركتها الاساسي ، و هو تصحيح النظام و ليس الاطاحة به ، و الراديكاليات طالبن بخلق مجال للمرأة و ثقافة المرأة ، و النسويات الاشتراكيات ، اكدن على اهمية النضال النسوي على التوعية بالقمع و كيف ينعكس على العلاقات الاسرية و بنيات التحرير ذاتها ، ( الحركة النسوية ص 134 )
يتبع.