قضية بان… قمة جبل الجليد في جرائم قتل النساء



نورس حسين علوان
2025 / 8 / 16

انتشرت مؤخرًا صور مؤلمة للدكتورة بان – رحمها الله – بعد مقتلها، وهي صور كان يجب أن تبقى سرية احترامًا لخصوصيتها وحرمة جسدها، لكنها تحولت إلى شاهد حي على فظاعة الجريمة التي كان يُراد لها أن تُطمس. هذه الحادثة المأساوية ليست إلا قمة جبل الجليد في سلسلة طويلة من الجرائم ضد النساء، كثير منها لا يُكشف للرأي العام، وما خفي منها أدهى وأشد قسوة. إنها تكشف عن عمق مأساة تتكرر في الخفاء، حيث تُزهق أرواح النساء لمجرد أنهن نساء.
من خلال خبرتي المهنية، اطلعت على قضايا عديدة صُنفت رسميًا على أنها “انتحار” أو “حادث”، بينما كانت في حقيقتها جرائم قتل، أُغلقت ملفاتها بالصمت المجتمعي والتلاعب في التحقيقات ،احدها امرأة قتلت لمجرد أن صورها الخاصة وصلت إلى زوجها بعد أن تم اختراق حسابه.والأخرى نُقلت إلى المستشفى وهي تفوح منها رائحة مشتقات نفطية، وتعرض الأطباء والممرضون للتهديد من أهلها حتى لا يبوحوا بالحقيقة، وسُجل الأمر كحادث عرضي.
والأخطر من الجريمة نفسها هو ما يليها؛ إذ يتم أحيانًا تحريف تقارير الأدلة الجنائية والتحقيقات لحماية الجاني، خاصة إذا كان ذكرا، على يد من يبرر له الجريمة، في مشهد يعكس تحيزًا بنيويًا ضد النساء.
حين أرى هذا الواقع، أتذكر أن أغلب القائمين على إنفاذ القانون في العراق يعملون في ظل دستور ينص في المادة (2/أولًا/أ) على أن:
“الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع.”
لكن عند عرض هذه الجرائم على ميزان القرآن الكريم، يظهر التناقض الصارخ بين ادعاء الالتزام بالدين وبين الأفعال التي تُرتكب. فالإسلام جاء ليحرم قتل المرأة بسبب جنسها، كما قال الله تعالى:﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ۝ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: 8-9].كما نجد في قول مريم عليها السلام وهي تواجه محنتها:﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾ [مريم: 23]، صدى لمعاناة كثير من النساء في مجتمعاتنا، ممن يتمنين الموت هربًا من ظلم لا يرحم.
إن الله سبحانه وتعالى جعل إقامة الحدود بيد الحاكم الشرعي، واشترط أربعة شهود عدول في جريمة الزنا، ولم يمنح أي فرد من العائلة سلطة القتل. ومع ذلك، يتجاوز البعض حكم الشرع والقانون، فيحولون الشك أو الإشاعة إلى حكم بالإعدام الفوري.
هذا الانحراف عن النصوص الدينية والقوانين (التي يدعون انهم يعملون عليها )لا يضرب فقط العدالة، بل يهدم أسس المجتمع، ويجعل حياة النساء رهينة مزاجية “الذكر الأقوى” بدل أن تكون مصونة بالقانون.
قضية بان (رغم انها لحد الان لم تسجل كقضية شرف ) يجب أن تذكرنا بأن ما نراه ونسمع عنه ليس سوى الجزء الظاهر من المأساة. تحت سطح الصمت المجتمعي والتستر الرسمي، هناك قصص لضحايا لم تُذكر أسماؤهن، ولم تُرو مأساتهن، ولم تُمنح لهن فرصة حتى لطلب العدالة.
نحن أمام أزمة قيم قبل أن تكون أزمة قانون. إذ يتم إسكات الأصوات المطالبة بالحقيقة، وتُختزل حياة النساء في عبارة “قضية شرف”، بينما الشرف الحقيقي هو في حماية الأرواح وصون الكرامة الإنسانية، لا في سفك الدماء وتبرير الجريمة.
ختامًا، رحم الله بان، ورحم كل امرأة فقدت حياتها ظلمًا، وحسبنا الله ونعم الوكيل