انتحارا كان أم قتلا ولكن:



عامر صالح
2025 / 8 / 19

اسدل الستار رسمياحول قضية حياة الدكتورة بان زياد طارق اخصائية الأمراض العقلية في البصرة في العراق وقد انتهى التقرير الطبي ومحكمة استئناف البصرة الى أن الدكتورة قد انتحرت واغلقت قضيتها رسميا بعد تأكيد مجلس القضاء الأعلى اسباب نهايتها.

اما مجتمعيا فأن القضية لم تنتهي بل بدأت موجة جديدة من الأحتجاج للكشف عن الأسباب الحقيقة وراء انهاء حياة الدكتورة بل اشتدت المطالبات إلى حد إجراء تحقيق دولي للكشف عن اسباب الجريمة ومعاقبة مرتكبيها بسبب انعدام ثقة المواطن بالنظام السياسي وجزعه.

لماذا تلك الهوة بين ما هو رسمي وشعبي ولماذا عدم الثقة بالسلطات المحلية بل واعتبارها متواطئة في انهاء حياة الدكتورة وكذلك عدم الثقة في القضاء العراقي في الكثير من جوانب أدائه. عندما يفقد النظام السياسي ومؤسساته الشرعية الشعبية سواء عبر الأنتخابات او الممارسات اليومية يصبح النظام في موقع الشك في الجزء الأعظم من إجراءاته الأنتقائية التي لا تستهدف الكشف عن الحقائق بل للتوظيف في خدمة أجندة مختلفة.

كثيرة هي التفاصيل التي تضعف بل تفقد ثقة المجتمع بالأجهزة الأمنية والقضائية والتشريعية وكل المنظومة الحاكمة والتي تقف في مقدمتها هو المحاصصة في كل أجهزة الدولة والتي تضعف من نزاهتها ومصداقيتها وخاصة في القضايا المصيرية فالفساد الأداري والمالي والمهني افقد أجهزة الدولة شفافيتها.

لا نتحدث عن الخراب في القيم الأجتماعية والتركة الثقيلة للحروب الداخلية من قمع واضطهاد وتصفيات جسدية والخارجية ايضا قبل عام 2003 التي مزقت النسيج الأجتماعي ثم ما بعد احتلال العراق من قبل أمريكا والتأسيس لحروب الأقتتال الداخلي على الهوية الطائفية والأثنية وشيوع الجرائم الفردية منها والمنظمة ونهب المال العام والخاص وانتشار العصابات المسلحة إلى جانب عمليات القتل النوعي للكوادر في مختلف الأختصاصات والتي شملت الأطباء على نطاق واسع وعدم حل أزمة الحكم تحول المجتمع إلى أرض خصبة لكل مظاهر التردي والانحراف وفي ظل غياب أجهزة الردع وضعف تطبيق القانون اشتد ساعد العشائر في قضايا الفصل ليحل محل القضاء في الكثير من القضايا فغاب جراء ذلك البعد الأنساني في معالجة الأزمات والتأسيس لدولة القانون.

التطور السريع في أرقام الجريمة في العراق والتحول المشهود في طبيعتها نحو مزيد من القسوة والفظاعة ووقوع الجرائم بشكل متزايد في نطاق الأسرة الواحدة والمجتع عموما، يعدّ انعكاسا لظروف أمنية واقتصادية واجتماعية أوجدتها تجربة الحكم الفاشلة في البلاد وأفضت إلى تحولات أخلاقية ونفسية باتت تهدد تماسك المجتمع العراقي ووحدته. اما في الجرائم السياسية الأجتماعية فيكفي الأشارة هنا انه في العام 2019 عندما اندلعت الأحتجاجات المطلبية تم اغتيال اكثر من 700 ناشط وأعاقة اكثر من 25 ألف مواطنا فلا نستغرب من ان يصنف العراق في المرتبة الثامنة عالميًا والثانية آسيوياً بمستوى الجريمة المنظمة، وفقاً لتقرير مؤشر الجريمة المنظمة العالمي لعام 2023. كما احتل المرتبة الثامنة عربياً والثمانين عالمياً في مؤشر الجريمة العام للعام 2024، وفقاً لموقع "نامبيو". .

انقسم المجتمع العراقي في قضية فقدان الطبيبة "بان" لحياتها كما هو الحال في سابقاتها إلى قسمين: الأول ينادي بتحقيقات شفافة وواضحة لملابسات فقدانها للوصول إلى مرتكبي الجريمة والجهة التي تقف ورائها، وآخر يرى ان هذه الجرائم عادية في المجتمع ولا غرابة في حصولها وكأن شيئ لم يكن وحتى ان حصلت فهناك جهات تستطيع الفصل بها خارج القضاء وفي مقدمتهم العشيرة فعندها يطلق سراح القاتل وينسى المقتول. بل والانكى من ذلك هناك من يفتي قطعيا بأسباب الفقد قبل الجهات التي يفترض ان تكون صاحبة القرار.

عندما تغيب الشفافية وحكم القانون فأن الأنسان حيا أم ميتا لا قيمة له وليست هو أثمن رأسمال بل المال هو الأثمن من الأنسان ولا نعتقد ان قضية الفقيدة الطبيبة بان ستأسس لحالة صحية يحترم فيها حياة الأنسان ما دامت نفس الأسباب قائمة وتعيد إنتاج سحق الأنسان وحياته وكرامته.