ثقافة ثورية : النسوية، الجندر الطبقة والتنظيم



محمد الحباسي
2025 / 8 / 23

الجندر، الطبقة والتنظيم

تُطرح اليوم في ساحة الفكر الثوري والنقاشات الاجتماعية قضايا متشابكة مثل: الطبقة العاملة، الجندر، الكويرية، الشباب، وتحرّر النساء.
هذه القضايا تُستَعمل إمّا لإسناد الوعي الثوري والنضال الجماهيري، أو على العكس لتفتيت الصفوف وتشتيت الطاقات في معارك جانبية معزولة عن جوهر الصراع الطبقي.

إنّ النقاش حول موقع النساء والشباب والأقليات الجنسية في عملية التغيير الاجتماعي، وحول دور الجندر كتصوّر نظري، لا يمكن فصله عن المسألة الطبقية وعن طبيعة المشروع الثوري برمّته. فالتحرّر الحقيقي لا يتحقق إلا في إطار مشروع شامل يربط بين النضال ضد الاستغلال الطبقي وبين مقاومة كافة أشكال التمييز والاضطهاد، وهو ما يضع الطبقة العاملة في قلب المعادلة، باعتبارها الطبقة الثورية حتى النهاية والقادرة على قيادة عملية التغيير الجذري.


---

أولًا: النساء والعمل الثوري

النساء لا يُشكّلن طبقة قائمة بذاتها؛ فهناك نساء برجوازيات وأخريات عاملات أو من عموم الشعب المضطهد.

تتعرض النساء لضربين من الاستغلال:

1. الاستغلال المنزلي.


2. الاستغلال الطبقي.




تعاني النساء من رواسب الثقافة الأبوية (البطريركية) ومن الاستغلال الطبقي (كما الرجال أيضًا)، وهنّ في مجتمعات الأطراف ضحايا للسياسات الرجعية، اللاوطنية، واللاشعبية التمييزية. لذلك تُعتبر النساء عنصرًا أساسيًا في الثورة، لكنهنّ لسن العنصر الأساسي؛ إذ يبقى المحدّد هو الطبقة العاملة برجالها ونسائها.


---

ثانيًا: الطبقة العاملة، القوة الثورية الحاسمة

الطبقة العاملة هي الطبقة الثورية حتى النهاية.

تحتاج لكي تثور وتُطوّر المجتمع إلى تنظيم ثوري يتأسس على مبادئ راسخة، أساسها المركزية الديمقراطية.

كافة الطبقات والفئات المضطهدة معنية بالتغيير، لكن القيادة تبقى منوطة بالطبقة العاملة، لأنها الأكثر حزمًا وحسمًا، ولأنها الطبقة الثورية حتى النهاية.



---

ثالثًا: الثقافة الذكورية كنتاج للبرجوازية

استمرار الثقافة البطريركية القروسطية هو نتاج طبيعي لحكم البرجوازية التابعة.

البرجوازية، في طورها الرجعي، لا تستطيع البقاء إلا بإعادة إنتاج:

الوعي الزائف.

البنى الفوقية البالية.

ثقافة التمييز والقدَرية.



لقد ارتدت البرجوازية عن شعاراتها التنويرية، وأعادت بث الروح في الماضي البالي، مستعملة إياه كأداة هيمنة إيديولوجية ورمزية.
هنا تتجلى الطبقة العاملة بوصفها الحامل لراية التحرر الشامل، والوصي الأمين على الموروثات الإنسانية التقدمية.


---

رابعًا: الشباب ودورهم في الثورة

الشباب فئة عمرية وليس طبقة.

يشكل قوة أساسية في التغيير بفضل طاقته وحماسه، لكن:

هناك شباب برجوازيون.

وهناك شباب من الطبقة العاملة.

لذلك لا يمكن أن يجمع بينهم مشروع واحد.



المطالب الخاصة بالشباب تُصهر داخل مشروع التحرر الشامل الذي تقوده الطبقة العاملة.


---

خامسًا: الجندر

الجندر = أدوار اجتماعية يصنعها المجتمع انطلاقًا من الفوارق البيولوجية.

هذه الأدوار تختلف من مجتمع لآخر، وهي ليست طبيعية، بل من صنع الإنسان.

الجندر لا يخص النساء وحدهنّ، بل يشمل كل الفئات التي تُصاغ اجتماعيًا كنماذج معياريّة.


هل يُحرر الجندر النساء؟

الجواب: لا.

النساء العاملات هنّ في صدارة التغيير الثوري.

لا يتحقق التحرر إلا في إطار مشروع شامل يربط بين القضايا الخصوصية وقضية التحرر الاجتماعي العام.



---

سادسًا: الكويرية

مصطلح يشير إلى مجتمع الميم (LGBTQ+) والداعمين له.

مفهوم فضفاض قد يطمس التمايزات الطبقية.

تنظيم الأقليات بشكل معزول قد يؤدي إلى عزلها اجتماعيًا وسياسيًا.


الموقف الثوري:

التحرر لا يتم إلا في إطار مشروع شامل تقوده الطبقة العاملة.

حزب الطبقة العاملة هو الضامن للحقوق الإنسانية والديمقراطية لكل الأقليات، دون فصلها عن المشروع العام.



---

سابعًا: استراتيجيات البرجوازية

إشاعة نزعة التنظيمات المستقلة والتذرر التنظيمي.

تشتيت الشباب ودفعه نحو "تنظيمات الموضة".

محاربة فكرة المشروع الجامع الذي يوحّد الشعب.

تقسيم الصفوف وضرب وحدة الشعب وطمس التمايزات الطبقية.



---

ثامنًا: منظمات المجتمع المدني

مجال مفتوح للصراع بين:

الأفكار الثورية.

الأفكار الليبرالية التمييعية.



يجب أن تبقى هذه المنظمات:

مستقلة عن السلطة.

مستقلة تنظيميًا عن الأحزاب.

لكنها سياسيًا منقادة برؤية تقدمية تخدم الأغلبية الشعبية وتدفع عملية التقدم.



---

تاسعًا: التنظيمات الجماهيرية للنساء والشباب

تُخصص لهاتين الفئتين تنظيمات جماهيرية لكونهما الأكثر عددًا.

يجب أن تبقى هذه التنظيمات تحت قيادة الحزب الثوري، مع ربط قضاياها الخاصة بمشروع التحرر العام.



---

عاشرًا: التنظيمات الأفقية

التنظيمات الأفقية فضاء للعفوية والاختراق الطبقي.

تبدو ديمقراطية، لكنها عمليًا أداة تحكم بيد أقلية.

الطبقة العاملة تحتاج إلى حزب طليعي ثوري يقوم على:

المركزية الديمقراطية
الصرامة والمبدئية




---

✦ الخلاصة:
التحرر لا يتحقق عبر قضايا معزولة أو تنظيمات مجتزأة، بل عبر مشروع ثوري شامل تقوده الطبقة العاملة، يدمج قضايا النساء والشباب والأقليات في نضال موحّد ضد الاستغلال الطبقي ومن أجل مجتمع وطني ديمقراطي شعبي بأفق اشتراكي.