![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
مشتاق الربيعي
!--a>
2025 / 8 / 25
لا يزال العقل الجمعي في مجتمعاتنا محكومًا بعقلية ذكورية متجذرة، تنعكس على تفاصيل الحياة اليومية، بدءًا من البيت وصولًا إلى مؤسسات الدولة. هذه النظرة التي تجعل المرأة دائمًا في موقع أدنى، لا تُقَيِّم قدراتها ولا تنظر إليها بوصفها شريكًا كاملًا في بناء المجتمع، بل كثيرًا ما تُحاصرها بالقيود والتنازلات وكأنها هي من تتحمل مسؤولية إخفاقات الواقع.
في ميدان العمل، كثير من النساء يُواجهن تمييزًا مبطنًا، حيث تُقيَّم جهودهن لا بقدر الكفاءة، بل من خلال تصورات مسبقة عن أدوارهن. وفي السياسة، لا تزال الصورة أكثر قتامة؛ فالقوانين والتشريعات التي أُقِرّت في مجلس النواب الموقر مؤخرًا تحمل في طياتها صبغة ذكورية واضحة، مخالفة في كثير من جوانبها لمبادئ العدالة التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على حد سواء.
إن التخلص من هذه النظرة ليس أمرًا مستحيلاً، لكنه يتطلب إرادة حقيقية، تبدأ بإعادة النظر في الثقافة العامة، وتنشئة الأجيال الجديدة على قيم المساواة والاحترام المتبادل، لا على موروثات التفوق الوهمي لجنس على آخر. كما أن على المشرّع أن يتحرر من قيود الذهنية الذكورية، وأن يُشرّع قوانين تحمي المرأة وتفتح أمامها الأبواب لتأخذ مكانها الطبيعي شريكًا كامل الحقوق في المجتمع.
إن المجتمع الذي يستمر في أسر النظرة الذكورية مجتمع محكوم عليه بالتأخر، أما المجتمع الذي يحقق العدالة بين أفراده رجالاً ونساءً فهو وحده القادر على النهوض والتقدم. فالرجل الحقيقي هو من يكون سندًا للمرأة، لا من يجعلها دائمًا في موقع دفاع، لأن قوة المجتمع لا تُقاس بسيطرة جنس على آخر، بل بقدرة الجميع على الوقوف جنبًا إلى جنب لبناء وطن أكثر عدلاً وازدهارًا.
ومن هنا، لا بد أن نمنح المرأة مساحة أوسع لاختيار شريك حياتها بحرية كاملة، بعيدًا عن سلطة العادات والتقاليد الموروثة التي تفرض الزواج بالإكراه أو تضغط على الطرفين للقبول بما لا يريدان. فالزواج يجب أن يكون عقدًا يقوم على الرضا المتبادل، لا على الإكراه الاجتماعي أو العائلي. ومتى ما تحقق هذا الوعي، سنكون قد خطونا خطوة جادة نحو إنهاء النظرة الذكورية، ووضع الأساس لبناء مجتمع أكثر إنصافًا وتوازنًا.
لذلك نهيب بالمجلس النيابي الموقر أن يتجه نحو تشريع قوانين تُنصف المرأة وتمنحها كامل حقوقها، بدلاً من إصدار تعديلات كقانون الأحوال الشخصية الأخير، الذي جاء مخالفًا ليس فقط لمبادئ القوانين الوضعية، بل وللقيم السماوية كذلك. وقد قوبل هذا القانون برفض واسع من قوى سياسية مدنية واجتماعية، ومن أبناء الشعب العراقي، فضلًا عن المنظمات الحقوقية والإنسانية والأمم المتحدة والجهات ذات العلاقة. إن صوت هذا الرفض الشعبي والحقوقي يجب أن يكون رسالة واضحة: لا مكان بعد اليوم لأي تشريع يعيدنا إلى الوراء أو يُكرّس العقلية الذكورية