ممارسة العنف والتجاوز على حقوق المرأة العراقية



مصطفى محمد غريب
2025 / 8 / 31

ازدادت بشكل مضطرد جرائم العنف ضد المرأة في العراق وأصبحت طاغية على الكثير من وسائل الإعلام المرئية و المسموعة والمقروءة والدعاوي الجنائية المختلفة، لا تمر ساعة إلا وتنكشف جرائم تندرج تحت طائلة القتل بذريعة الشرف والعنف الجسدي والنفسي والتجاوز على حقوق المرأة، بهذا الكم الهائل تجعل المتابعين والحقوقيين وكل من له دراية في ما يخص الأوضاع السياسية والحقوقية سيجد إن ذلك عبارة عن مأساة جامعة تصيب اركان المجتمع كما تصيب السلم الاجتماعي بالفرقة والتمزق، الجرائم المشار اليها بخطوطها وما يتم تداوله في وسائل الاعلام و" وسائل التواصل الاجتماعي "والتصريحات والتشويهات ما بين إنكار وتحريف الحقائق وبين وقائع شبه مادية أظهرت قضية البصرة وكأنها جريمة منظمة خطط لها من قبل مسؤولين في محافظة البصرة لغرض تبريرها، المهم فإن قضية الدكتورة بان زياد طارق العزاوي من بين كل ما جرى من التداول وتنوع الاخبار والاستنتاجات والاتهامات دليل على وجود خلل كبير فيما يخص الحقوق المشروعة للمرأة في العراق، أدت الى احتجاجات جماهيرية واسعة وغضب غير مسبوق لحوادث الجرائم وانفراط الأمن والأمان لسلامة المواطن وكشفت مدى الاستهتار ومجافاة الحقوق المشروعة للنساء في العراق من قبل البعض من المسؤولين.
ان الجرائم التي ترتكب بحق النساء العراقيات دليل على انها ظاهرة اجتماعية تطورت و توسعت وتجاوزت الحدود وفق مفاهيم مغرقة في الرجعية تغلف بغطاء ديني وطائفي لكي تمرر لخداع الوعي الاجتماعي ومحاولة للهيمنة السياسية المنبثقة من التوجهات ذات الصبغة الاحتكارية للسلطة، ان عملية ظاهرة العنف ليس الجسدي فحسب إنما الفكري يتماشى مع النهج الطائفي الذي يعتبر المرأة ادنى مستوى من الرجل والذي يعتبرها تابعاً خاضعاً لشهواته وخدمات اخرى، ومن هنا بالضبط ينطلق المفهوم المتخلف بأن " المراة ناقصة عقل ودين" لدى الذين لديهم العقد النفسية المرضية على المستوى الفردي وعلى الفهم الأيديولوجي المتخلف، الفكر الرجعي المصاب بعمى الألوان فيما يخص العنصر النسائي وكذلك بناء المجتمع على المستوى العائلي والإنتاج البشري والتربوي والاقتصادي والسياسي والمساهمة في عمليات التطور التكنلوجي التي تعم العالم ودور النساء في التقدم العام وفي الاختصاصات المختلفة وفي العمليات السياسية كعنصر مساهم في البناء والتقدم على المستوى الفردي والمستوى القيادي.
على الرغم من الادعاءات حول حقوق المرأة في العراق ومظاهر نسبة المشاركة في البرلمان على طريقة " الكوتا النسائية" حيث يتم توزيع المقاعد البرلمانية إلا ان ذلك لا يعد طريقاً لتحقيق الديمقراطية وترسيخ مفهوم مشاركة المرأة بشكل حقيقي ومشروع حتى في توزيع المناصب الأخرى وهذه الطريقة اعتمدت على أساس التوافقية بينما في الحقيقة عانت المرأة العراقية ومازالت تعاني وبخاصة بعد 2003 من السياسة الطائفية والظروف المعقدة والنظرة الرجعية المغلفة بإطار ديني وهذا ما يعيق منح الحقوق المشروعة للمرأة إضافة كونه يغلق المجال أمامها للمشاركة في صنع القرار او المشاركة الفعالة في إيجاد حلول لقضايا عديدة في مقدمتها المصالحة الوطنية وغيرها من القضايا ذات الأهمية في البناء والتطوير وفتح مجالات واسعة أما تطوير الاقتصاد الوطني وتحمل المسؤولية للمشاركة بروح وطنية بعيداً عن التفرقة والشقاق وغلق الباب امام القوى التي تحاول إعاقة تطوير البلاد هذه القوى التي عاثت فساداً للوقوف ضد أي تطور او رقى للمرأة في المجتمع فقامت بإصدار القرارات والفتاوى والملاحقات والاغتيالات والعنف، العنف الجسدي والنفسي وتشويه أي عمل حر يخص المرأة كما ان العنف داخل البيوت ازداد بمؤشرات عالية، وذكر ان ( 77%) من النساء العراقيات يتعرضن لمختلف اشكال العنف داخل بيوتهن بدون حماية قانونية، اخيراً ولتحقيق سياسة مناهضة حقوق النساء، طرح مقترح لتعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 الذي يعتبر من القوانين الجيدة التي تقف الى جانب حقوق المرأة ويعتبره الساعين الى تعديل القانون 188 والمواد التي تخص حقوق المرأة المشروعة عائقاً امام توجهاتهم الرجعية، كما إن مقترح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية رقم ( 188 لعام 1959) يعتبر تراجعاً غير طبيعي عن فسحة الحريات الأساسية ويعتبر " انتهاك الحقوق الدستورية والقانونية للطوائف المتعددة التي تتبع الدين الإسلامي في العراق" بينما تكفل المادة 41 من الدستور العراقي "العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم، أو مذاهبهم، أو معتقداتهم، أو اختياراتهم" كما ان هناك العديد من التعديلات التي تسلب حقوق المراة المشروعة من خلال التحاصص الطائفي الذي لا يتلاءم مع التطورات الجديدة التي عمت مفاهيم حقوق المواطنين وبخاصة حقوق النساء بشكل عام وبشكل خاص ايضاً، ولهذا كانت الاحتجاجات الواسعة التي ترفض مقترحات التعديل مع إصرار القوى الطائفية التي تتبناها على المضي لتشريعه من قبل مجلس النواب وعلى الرغم من هذه المعارضة الشعبية ومن قبل منظمات المجتمع المدني والقوى الوطنية والديمقراطية فإن المساعي التي تريد خنق الحريات والتوغل في التقسيم الطائفي مستمرة في صراعها معتمدة على خلق وعي متدني مستغلة اسم الدين والطائفة والمرجعية، وفي هذا الصدد فقد قال رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي " إن موقف الحزب الرافض لتعديل قانون الأحوال الشخصية انطلق من أسس مبدئية تتعلق بحقوق المرأة" كما أكدت مديرة منظمة (خه لَك) للتنمية، "ما زلنا نواجه عقبات سياسية كبيرة، حيث يُطلب منا القبول بتسويات سياسية لتمرير القانون، لكننا نرفض بشدة أي تنازلات تمس حقوق النساء والأطفال"، ان الرفض الواسع وإدانة التوجهات المعادية لحقوق النساء عبرت عنها تلك النشاطات والمظاهرات والاحتجاجات التي تستمر بدون أي تراجع لمواجهة تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، كما هناك ادانات واسعة داخلية وخارجية لسياسة قمع الحريات والتجاوز على حقوق المرأة في البيت او في العمل وهذا ما زال يتطلب المزيد من الإدانة والاحتجاج والرفض من قبل كل قوى الخير والحرية في العراق.