حول المدونة الجعفرية الرجعية... القسم الثاني



طارق فتحي
2025 / 9 / 1

"زوج تحت الطلب"

أيام الثمانينات كنا -ولا زلنا- نشاهد فيلم عادل امام "زوج تحت الطلب"، كنا نضحك كثيرا من قصة ذلك الفيلم، فهو يحكي عن موظف بسيط في شركة عامة، مدير الشركة شخص مزاجي جدا في حياته الزوجية، دائما ما يرمي يمين الطلاق عليها، الى ان بلغ عدد الطلقات ثلاث، وحسب الشرع الديني فأنه لا يجوز ان يعود لزوجته الا إذا تزوجها شخص آخر، وهنا يقع الاختيار على الشاب ممدوح "عادل امام، ليتزوج زوجة المدير، وتسير قصة الفيلم هكذا.

الفيلم تعرض لقضية حساسة في التشريعات الدينية، اخذها بشكل ساخر، حتى يمر الفيلم من لجنة المراقبة؛ كنا نشاهد الفيلم ونحن تنتابنا الدهشة من تلك التشريعات، فهي عملية "قوادة" في النتيجة النهائية، لأنها عملية اهداء الزوجة الى شخص آخر.
قصة الفيلم اعادها المشرع الديني في مدونة الفقه الجعفري بلسان واضح وصريح، تقول المادة 42 من الباب الأول "الزواج" ما نصه:

(ولو طلق زوجته ثلاثا لا يجوز له الزواج منها حتى تتزوج غيره على ما يأتي في المادة "136" وما بعدها، ولو طلق زوجته تسعاً لا يجوز له الزواج منها ابداً كما يأتي في المادة "140"). انتهى.

وتنص المادة 136 على ما يلي:

(إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا حرمت عليه في الثالثة حتى تنكح زوجا غيره).

تؤكد المدونة الرجعية على قضية ما يعرف ب "التجحيش" للمرأة، أي تحليل عودة المرأة الى زوجها الأول بعد ان تتزوج من أخر، المشكلة ان المرأة هي من تتحمل أخطاء ونزوات ومزاجيات الرجل في هذه القضية، فقضية اهدائها الى شخص آخر هي عملية عقوبة لها بالدرجة الأساس، فهي لم تطلق نفسها من الرجل، ولا تملك الحق في ذلك، لكن عندما يحصل الطلاق الثالث فأنها تعاقب.

المشكلة ان هذا القانون المخجل والرجعي والسخيف والتافه سيمارس في المحاكم، هذا القانون ان تحقق فعليا فأنه سينشر الدعارة لكن بشكل قانوني. فتصور ان المادة "137" ترشد "المحلل" ماذا يفعل بالزوجة المطلقة من ممارسات جنسية حتى تكون جاهزة للعودة للرجل الأول.

جورج الكساندر ولگن في كتابه "المجتمع الامومي عند العرب"، يعدد أنواع الطلاق في المجتمع العربي القديم، ويذكر هذا النوع، ويقول ان العرب كانت تسمي المحلل "التيس المستعار والمجحش"، ويقول انه كان مذموما في المجتمع قبل الإسلام، لكن السيد "ولگن" يخطئ اذ يقول انه كان محرما في الإسلام.

هل يتصور المرء اننا سننتهي قريبا من الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، أي اننا بعيدون عن تلك المجتمعات وتشريعاتها أكثر من 1400 عام، ولا زالت تكبس على نفوسنا، تشريعات وقوانين ظلامية هي اليوم، لا تلائم الحياة بالمطلق، لكن المسيطرون على الحكم يأبون الا ان نمشي عليها، يا لبؤس حياتنا. تشريعات تجعل المرأة أداة والعوبة، يتناقلون بها من رجل الى آخر، فيا لخزي هذه المدونة ويا لعارها.