![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
محمد بسام العمري
!--a>
2025 / 9 / 8
تتوزع اهتمامات المرأة بين مجالات متعددة تعكس طبيعة وجودها في العالم وموقعها ضمن البنية الاجتماعية والثقافية، فهي ليست مجرد كائن يعيش على هامش الأحداث، بل فاعل أساسي في تشكيل مسارات التاريخ الإنساني. ويمكن النظر إلى هذه الاهتمامات بوصفها ثنائية متداخلة بين ما هو إيجابي يعبّر عن طموحاتها في البناء والنهوض، وما هو سلبي يعكس التحديات والعقبات التي تواجهها. هذه الثنائية لم تغب عن الأدب العالمي أو الدراسات الأكاديمية الحديثة، بل شكّلت مجالًا خصبًا للتأمل والتحليل.
في الجانب الإيجابي، تظل الأسرة والعلاقات الشخصية محورًا رئيسًا في حياة المرأة، ليس فقط على المستوى العاطفي، وإنما أيضًا على المستوى الوجودي. إذ تبرز دراسات علم الاجتماع الحديثة أنّ دور المرأة في بناء الأسرة يمتد إلى حفظ التوازن النفسي والاجتماعي داخلها (Giddens, 2013). فهي الراعية لتربية الأطفال، والمؤثرة في تشكيل قيمهم وسلوكياتهم، والساعية إلى إقامة علاقة زوجية مستقرة تقوم على الاحترام والدعم المتبادل. هذا الدور كثيرًا ما تناوله الأدب بوصفه جوهرًا إنسانيًا، حيث صوّر ليو تولستوي في روايته آنا كارنينا الصراع الداخلي للمرأة بين متطلبات الأسرة وبين تطلعاتها الفردية، كاشفًا عن البعد المأساوي لهذا التناقض.
وإلى جانب الأسرة، نجد أنّ اهتمام المرأة بالتعليم والتطوير الشخصي قد أخذ أبعادًا واسعة في العقود الأخيرة، إذ لم يعد التعلم بالنسبة إليها مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل أصبح وسيلة لتأكيد الذات وكسر القيود التقليدية. تشير تقارير منظمة اليونسكو (2020) إلى أنّ ارتفاع معدلات تعليم الفتيات في كثير من الدول ارتبط مباشرة بتحسن مؤشرات التنمية البشرية، وتراجع نسب الفقر والمرض. وقد تجسّد هذا الوعي في الأدب من خلال شخصيات نسوية تحدّت الجهل مثل شخصية جين إير في رواية شارلوت برونتي، التي جعلت من التعليم والمعرفة أداة للتحرر وإثبات الذات في مجتمع ذكوري.
أما الاهتمام بالصحة واللياقة، فهو امتداد طبيعي لإدراك المرأة لأهمية التوازن بين الجسد والروح. في الدراسات الطبية الحديثة، يُنظر إلى صحة المرأة الجسدية والنفسية باعتبارها حجر أساس في قدرتها على الإنتاج والمشاركة المجتمعية (WHO, 2021). ممارسة الرياضة والاهتمام بالتغذية والصحة النفسية ليست مجرد تفاصيل يومية، بل هي فعل مقاومة للضغوط ومجابهة لانهيارات العصر. وقد أشار الشاعر الأمريكي والت ويتمان في أوراق العشب إلى أنّ الجسد الإنساني هو "معبد للروح"، وهو ما يعكس انسجام فكرة العناية الجسدية مع قيم أعمق تتجاوز البيولوجيا إلى الفلسفة.
ومن مظاهر الجانب الإيجابي أيضًا انخراط المرأة في المجال العام من خلال الأعمال التطوعية والمبادرات الاجتماعية والسياسية. وقد أبرزت الدراسات النسوية أنّ مشاركة المرأة في المجال العام تعزز قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية (Fraser, 1997). وفي الأدب، نجد أن فرجينيا وولف في مقالتها الشهيرة غرفة تخص المرء وحده دافعت عن حق المرأة في أن تكون شريكة في صياغة الثقافة والفكر، مؤكدة أن مشاركتها لا تقتصر على البيت بل تمتد إلى المجال العام بكل تعقيداته.
أما في الجانب السلبي، فثمة تحديات متجذّرة تعرقل اهتمامات المرأة وتحدّ من قدرتها على الإنجاز. أول هذه التحديات يتمثل في الضغوط النفسية والاجتماعية التي تنتج عن التوقعات الثقافية والمجتمعية. في المجتمعات التقليدية، ما تزال المرأة محاطة بترسانة من الأعراف التي تضعها في أطر ضيقة، وتجعلها عرضة للتمييز والتحيز. وقد تناولت سيمون دي بوفوار في كتابها الجنس الآخر (1949) هذه المعضلة حين رأت أن المرأة لم تُعط الفرصة لتكون "ذاتًا"، بل فُرض عليها أن تعيش كـ"آخر" للرجل، وهو ما يفسر كثيرًا من صور الاغتراب التي تعانيها.
وتتعمق هذه التحديات حين ترتبط بالمشكلات الصحية، لا سيما تلك المتصلة بالإنجاب أو الأمراض المزمنة. تشير دراسات طبية حديثة (Lancet, 2019) إلى أن المرأة تتحمل أعباء صحية مضاعفة مقارنة بالرجل نتيجة وظائفها البيولوجية والاجتماعية. وفي الأدب، تعكس رواية الحب في زمن الكوليرا لغابرييل غارسيا ماركيز هذا التوتر بين الجسد والروح، حيث نجد المرأة موزعة بين أدوارها الصحية والاجتماعية، ومعرّضة دائمًا لضغط الزمن والمرض.
ويُضاف إلى ذلك معضلة التوازن بين العمل والحياة الشخصية. كثير من النساء يجدن أنفسهن أمام معادلة مستحيلة: كيف يُمكن لامرأة عاملة أن تكون أمًّا مثالية في الوقت ذاته؟ إنّ الشعور بالذنب والإرهاق النفسي الناتج عن هذه الازدواجية تطرق إليه باحثون كثر في مجال علم النفس التنظيمي (Greenhaus & Beutell, 1985)، الذين وصفوا هذا الوضع بـ"صراع الأدوار". وهو صراع عبّر عنه الأدب الحديث في أصوات نسوية مثل سيلفيا بلاث، التي وصفت في شعرها معاناة المرأة بين الرغبة في الإبداع وقيود الأمومة.
وتظل أكثر صور التحدي مأساوية حين يتجلى العنف الأسري والاجتماعي. العنف ضد المرأة لا يزال قضية عالمية، تشير تقارير الأمم المتحدة (UN Women, 2022) إلى أنّ واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض لشكل من أشكال العنف خلال حياتها. هذا الواقع الأليم لم يغب عن الأدب، فقد صوّرت الكاتبة الأمريكية أليس ووكر في روايتها اللون أرجواني مأساة النساء المعنفات وكيف يتحول الألم إلى قوة حين يتحقق الوعي بالذات.
إنّ اهتمامات المرأة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، ليست مجرد تفاصيل فردية تخص حياتها الخاصة، بل هي انعكاس لبنية اجتماعية وثقافية واقتصادية أوسع. فهي في كثير من الأحيان مصدر قوة وإلهام، لكنها في أحيان أخرى تعكس هشاشة البنى الاجتماعية التي ما تزال تعيق المساواة الكاملة. ولعل ما يميز هذه الاهتمامات هو أنها تكشف عن عمق التجربة الإنسانية للمرأة بوصفها رحلة مزدوجة بين التمكين والانكسار، بين البناء والهدم، بين الحلم والواقع. وكما قالت فرجينيا وولف: "لا يمكن أن يكون للمرأة تاريخ مكتمل إلا إذا كتبت هي نفسها تاريخها".
وبذلك يتضح أنّ دراسة اهتمامات المرأة ليست ترفًا فكريًا أو انشغالًا جانبيًا، بل ضرورة أكاديمية واجتماعية لفهم مسارات التغيير في عالمنا. فكل اهتمام من اهتماماتها، سواء أكان ضوءًا أم ظلًا، يشكّل لبنة في بناء إنسانية أكثر عدلًا وتوازنًا.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|