التنازل عن التفاصيل الصغيرة قد يقودنا في النهاية إلى التنازل عن هويتنا الجندرية وحقوقنا الانسانية .



بهار رضا
2025 / 9 / 9

لا يهتمّ الرجال كثيرًا بالتفاصيل، ويرون في حفلات الأعراس وما يرتبط بها التزامًا اجتماعيًا أكثر من كونها مناسبة ممتعة. ومعظمهم يشعر بالضغط بسبب كثرة المجاملات والتعارف، ولهذا يُفضّل كثيرٌ منهم تجاوز تلك الطقوس.
أما النساء، فبطبيعتهن يعشقن التفاصيل الصغيرة: الفستان، الزينة، الورود، الأغاني، وحتى ترتيب الطاولات. هذه التفاصيل ليست مجرد كماليات، بل جزء من الخيال العاطفي والرمزي المرتبط بالزواج. كما أن الحفل يمثل لهن اعترافًا اجتماعيًا بمكانتهن الجديدة.
مع ذلك، قد تتخلى بعض النساء عن هذه التفاصيل، ليس لأنهن لا يرغبن بها، بل بدافع التنازل والرضا من أجل شريك الحياة، خاصة إذا كان لا يفضل الحفلات أو يراها نوعًا من الإسراف.
وفي المجتمعات الغربية، وكذلك بعض المجتمعات الشرقية الحديثة، بدأ يظهر توجه نحو حفلات بسيطة أو حتى إلغاء الحفل كليًا. وتُفسَّر هذه الظاهرة أحيانًا على أنها "خسارة للأنوثة الرمزية"، أو بمعنى آخر: تكيّف مع واقع أكثر ذكورية وبراغماتية، حيث يُنظر إلى الزواج كعقد وشراكة، لا كحلم احتفالي طفولي.
إذن، فإن التخلي عن التفاصيل ليس بالضرورة قرارًا أنثويًا نابعًا من الرغبة، بل قد يكون تنازلًا عاطفيًا أو ثقافيًا، يُمثّل شكلًا من أشكال محو الهوية الأنثوية.
كل هذه الأفكار خطرت لي وأنا في حفلة حناء حضرها ضيوف من جنسيات مختلفة. كان الشرقيون مستمتعين بانسيابية الأجواء، بينما انشغل الضيوف الأوروبيون بطرح الأسئلة حول تلك الطقوس بانبهار. كنت أجيب عن أسئلتهم، لكن في داخلي كان يتردد سؤال واحد:
كيف تمكّن الرجل الأبيض من فرض منطقه على المرأة حتى تتبناه؟
كيف أقنعها أن تتخلى عن فسيولوجيتها النفسية، وعن حلمها بأن تكون أميرة ومركز الاهتمام؟
وفي النهاية، تجرأت وذكّرتهم بأن المرأة في الدنمارك ما زالت تتقاضى أجرًا أقل من الرجل، مما يعني أن النساء يعملن مجانًا تقريبًا من شهر نوفمبر حتى ديسمبر. كما أن قانون التقاعد يساوي بين الرجل والمرأة، مع أن المرأة تُنهك جسديًا ونفسيًا أثناء الحمل والولادة والرضاعة، لفترة قد تصل إلى سنتين في كل مرة.
أظن أن من العدالة أن يُعاد النظر في هذا التوازن، وأن تُمنح المرأة، مع كل ولادة، سنتين خصمًا من سنوات التقاعد، بحيث يقلّ سن تقاعدها بواقع سنتين عن كل طفل.
وكما أقول دائمًا:
*التنازل عن التفاصيل الصغيرة قد يقودنا في النهاية إلى التنازل عن هويتنا الجندرية.