في العاشرة: كانت تحلم بلعبة فوجدت نفسها زوجة!



داود السلمان
2025 / 9 / 20

زواج طفلة وهي في العاشرة من عمرها هو اغتصاب للبراءة وقتل للأحلام. وهذا فقط يحدث في أمتنا الاسلامية؛ والسؤال: كيف لطفلة بالكاد تفهم الحياة أن تتحمل مسؤولية أسرة وزوج؟، كيف يُتوقع منها أن تُنجب وتُربي وهي لم تنضج بعد؟؛ هذه الممارسات تؤدي إلى مشكلات صحية ونفسية خطيرة، حيث تشير الدراسات إلى أن الفتيات الصغيرات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات الحمل والولادة، وقد يفقدن حياتهن في كثير من الحالات بسبب عدم قدرة أجسادهن على تحمّل الحمل. كما أنهن يتعرضن غالبًا للعنف الأسري، ويُحرمن من استكمال تعليمهن، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الفقر والتبعية والجهل.
وما يزيد من فداحة الأمر هو صمت المجتمعات، العربية والاسلامية، فضلا عمن سواها، أو تواطؤها أحيانًا، أمام هذه الجريمة. بدلاً من حماية الطفولة، كثير من الأسر تدفعها إلى الزواج بحجة الستر أو الفرصة الجيدة، غير مدركة أن ما تفعله هو انتهاك صارخ للإنسانية. والقوانين في بعض الدول، وإن كانت تمنع زواج القاصرات، إلا أنها تحتوي على ثغرات قانونية تسمح بتجاوز الحد الأدنى للزواج عبر موافقة ولي الأمر أو المحكمة، مما يفتح الباب واسعًا أمام استغلال الطفلات.
الحل لا يكمن فقط في تشديد القوانين، رغم أهمية ذلك، بل في تغيير الثقافة المجتمعية - الجاهلة التي تبرر هذه الجريمة، بتبريرات واهية. يجب أن نعيد تعريف مفاهيم الشرف والكرامة والرجولة، وألا نسمح بأن تُبنى على حساب طفولة الفتيات. فالتربية الواعية، والتعليم، والحملات الإعلامية التي تفضح مخاطر هذه الممارسات، كلها أدوات ضرورية لتغيير الوعي الجمعي. كما يجب أن تتحمل الحكومات مسؤوليتها في توفير الحماية للأطفال، وتوفير بيئة آمنة تُمكن كل طفل من النمو والتطور بحرية.
في عالم يتقدم فيه العلم وتتطور فيه المجتمعات، ما يزال هناك من يمارس تقاليد قديمة تنتهك أبسط حقوق الإنسان، وتحديدًا حقوق الطفل. ومن أبرز هذه الممارسات زواج القاصرات، حيث تُجبر فتيات في عمر الزهور على دخول عالم الكبار دون تهيئة نفسية أو جسدية أو اجتماعية. أن تُزف فتاة في العاشرة من عمرها إلى رجل يكبرها بعقود، لا يعد فقط انتهاكًا صارخًا لحقوق الطفولة، بل هو أيضًا جريمة بحق الإنسانية جمعاء، تُرتكب باسم العادات والتقاليد أو حتى باسم الدين، في بعض الأحيان، حين يُساء تفسيره ويُستغل لتمرير مثل هذه الانتهاكات.
إنّ زواج الأطفال ليس مجرد مسألة اجتماعية عابرة، بل هو قضية تمس مستقبل أجيال بأكملها. الطفولة ليست مجرد مرحلة عمرية، بل هي حق أساسي يجب أن يتمتع به كل طفل، وهي الفترة التي يجب أن ينمو فيها الطفل بأمان، ويتعلم، ويلعب، ويكتشف العالم من حوله دون أن يُلقى على كاهله عبء المسؤوليات التي لا يستطيع تحمّلها. عندما تُجبر فتاة صغيرة على الزواج، فإنها تُنتزع من طفولتها انتزاعًا، وتُحرم من حقها في التعليم، وفي النمو الطبيعي، وفي العيش بحرية وكرامة.
إن المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمة اليونيسف، تؤكد بشكل واضح أن زواج القاصرات هو انتهاك لحقوق الإنسان، وتُصنفه كأحد أشكال العنف ضد الأطفال. اتفاقية حقوق الطفل، التي وقّعت عليها معظم دول العالم، تنص على حماية الأطفال من جميع أشكال الاستغلال، وتكفل لهم الحق في التعليم والصحة والنمو السليم. ومع ذلك، ما تزال هناك مجتمعات، في الشرق والغرب، تسمح بتزويج الفتيات القاصرات، بل وتعتبره أمرًا طبيعيًا ومقبولًا اجتماعيًا. وكثير من هذه المجتمعات تبرر هذه الممارسات بذرائع مثل "الخوف على شرف الفتاة" أو "الظروف الاقتصادية"، وكأن جسد الفتاة هو وسيلة لحل الأزمات، لا كيان مستقل له الحق في العيش بحرية وكرامة.
وفي النهاية نقول:إن الطفلة التي تُزف وهي في العاشرة من عمرها، ليست فقط ضحية لزواج مبكر، بل هي ضحية لمجتمع خذلها، وقانون لم يحصّنها، وأسرة لم تفهم مسؤوليتها. لا يمكن أن نرفع شعارات حقوق الإنسان وحقوق الطفل، ونحن نسمح بحدوث مثل هذه الانتهاكات في وضح النهار. الطفولة ليست مرحلة مؤقتة، بل هي الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل الأفراد والمجتمعات، وحمايتها ليست خيارًا، بل واجب لا يقبل التهاون.
هذه رسالتي الى المنظمة العالمية اليونسيف، اتمنى قد وصلت.