المرأة الاكثر تأثرا من الاستبداد في السعودية



نذير الماجد
2007 / 2 / 15

انضمت السعودية إلى أربع من اتفاقيات الأمم المتحدة الرئيسية السبع المعنية بحقوق الإنسان، منها اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة في أيلول من العام 2000م مع تسجيل تحفظها العام على بعض أحكامها كتلك التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، كما انضمت إلى اتفاقيات أقليمية في نفس المجال، لكن أوضاع حقوق الإنسان خاصةً قضايا المرأة لازالت تعاني من صعوبات ومعوقات، فالسعودية هي البلد الوحيد الذي يفرض مزيدا من القيود على تنقلات المرأة ويمنعها من قيادة السيارات ويصادر حقها في مغادرة المنزل من دون محرم أو من دون إذن خطي من ولي أمرها، وفي الوقت الذي كان فيه الإصلاح العنوان العريض الذي تمكن من إشاعة تفاؤل نسبي في أوساط الشعب السعودي جاء القرار بحظر مشاركة النساء - تصويتا وترشيحا - في الإنتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في العام 2005م مخلفا مزيدا من الخيبة والإحباط عند الرجال قبل النساء، وهذا مخالفٌ للاتفاقية المذكورة التي تضمن للمرأة الحق بالتصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة، كما أن ذلك لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.

بازاء هذه الصعوبات التي تواجه نهضة المرأة كان من الضروري قيام حركة نسوية مناضلة تنشط في المطالبة بإجراء التغييرات القانونية والقضائية اللازمة لوضع حد لهذا التمييز الفاحش والذي يكرس مزيدا من الإضطهاد المتسم بطابع ذكوري في مجتمع يتبنى فصلا عنصريا حديديا بين الجنسين، ومن أجل القضاء على مسببات الأزمات الاجتماعية والنفسية المتفاقمة في المجتمع السعودي، خصوصا كلما سادت في المجتمع نزعة متزمتة وصرامة حادة في المحافظة على العادات والتقاليد التي تحولت بفعل قدمها ورسوخها إلى أفكار مقدسة لا يمكن المساس بها.

في العام 1990م خرقت 45 امرأة من النخبة المتعلمة الحظر المفروض عليهن في قيادة السيارة عندما قدن سياراتهن إلى وسط مدينة الرياض، فاعتقلن على الفور. جاءت هذه الحادثة عقب التطورات الإقليمية الناجمة من غزو صدام حسين للكويت واستدعاء القوات الأجنبية إلى السعودية، الأمر الذي أشاع جوا من الإنفتاح وشجع بعض السعوديين على التعبير عن تطلعاتهم إلى حريات عامة وليبرالية أوسع. وبالرغم من فشل هذه التظاهرة النسوية في تحقيق هدفها وإلغاء هذا المنع التعسفي إلا أنها تمكنت من خلق مبادرة -وإن كانت يتيمة أو مبتورة - من مبادرات التحدي النسوي العلني في البلاد. ومنذ ذلك الحين لم تحدث أية محاولة جادة في هذا المجال، مما يكشف عن عدم وجود رغبة أو ارادة نسوية في سبيل تحقيق المطالب وفرض التغيير.

سيدة أم جارية؟!:

يبدو أن قيام أية حركة نسوية جادة لازال أمنية وحلما بعيد المنال، حيث لاتزال المرأة في مجتمعنا بعيدة كل البعد عن إدراك واقعها ومحاولة تغييره نحو الأفضل، وكل ما يشغل ذهنها هو أن تكون جزءا من المتاع كجارية وخاضعة لسلطة السيد الرجل سواء في الحيز العام أو الخاص، حيث نجد أغلب النساء تسعى فقط لتوفير كل مستلزمات الحياة والعيش الكريم والرفاه وما إلى ذلك، حتى أنك تجد أحداهن تلبس آخر التقليعات والموضات بشكل مستمر ودائم ولا يفوتها شيء أبدا من الأزياء الجديدة عالميا، فتكاد تظن أن زوجها يملك احد المحلات لتصميم الأزياء أو انها خبيرة ومتذوقة بكل أشكال الموضات والتقليعات الحديثة في كل العالم. وتجد عند كل واحدة منهن أحدث موديلات أجهزة النقال، فيبادرن بشراء الموديلات الجديدة فور توفرها في السوق، وكما تملك احداهن لابتوب متطور وحديث بكل التقنيات المتوافرة حتى هذه اللحظة، وتقضي كل واحدة من هؤلاء النسوة نزهتها برفقة السائق الخاص بالسيارة الحديثة الفارهة عالية المستوى التي أهداها إليها زوجها في آخر حفلة من حفلات عيد الميلاد!. أليست هذه الزوجة سعيدة للغاية؟

عند هذا الحد يظن بعض النساء أن حقهن قد توفر لهن بالكامل وأن حياتهن لا ينقصها شيء، وبذلك نحن امام واقعة تثبت أن المراة في الحقيقة تفتقد تلك الثقافة الحقوقية التي تلهمها الوعي الكامل بحقوقها في الأسرة وفي المجتمع، ولسنا بحاجة إلى إثبات أن ذلك يشكل أزمة حقيقية تعيشها المرأة وتهدد كينونتها ووجودها الإنساني، فلا يضيرها - في ظل هذا الواقع - أن تكون محيدة اجتماعيا وسياسيا أو أن تكون أمية فكريا ومتخلفة ثقافيا وحضاريا.

لازالت المرأة تفكر بعقلية الجارية، فهي تخضع تمام الخضوع لزوجها "السيد الرجل" شرط أن يوفر لها متطلبات الجارية المثالية وأن يغدق عليها كل مستلزمات الحياة ورفاهيتها وبعد ذلك لا يهم حتى وإن صادر كل حقوقها المتمثلة في استقلالها الإجتماعي والإقتصادي وكرامتها وإرادتها واختيارها، ثقافة الجارية هي التي تمنح المرأة بيتا فارها وسيعا وغرفة واسعة للطبخ وأحدث الأزياء والتقليعات ولكن كل هذا يجب أن يكون ضمن حدود سجنها الذهبي وزنزانتها الفسيحة، فلا يجوز لها الإختلاط مثلا حتى وإن كان ذلك في حدود المسموح به شرعا وعرفا، فهذا لا ينقص من سعادتها شيئ. إلى هنا يقف الطموح عند الجارية. وهل هنالك أفضل من أن تكون أمرأة جارية عند سلطان!

أما المرأة "السيدة الحرة" فهي كيان مستقل بإزاء الرجل ولها كامل الحرية في كل المجالات، إنها إمرأة معاصرة حضاريا وناضجة فكريا وحاضرة بكل ثقلها الإنساني في الميادين الفكرية والأدبية والسياسية والاجتماعية وغير ذلك. إنها جزء أساسي في سوق العمل وفي المشهد الثقافي ولها دورها المهم في القرار السياسي، فلم تعد عالة على أبيها ومن ثم على زوجها، ولم تعد رقما مهملا في القرارات الأسرية، الآن بيدها زمام المبادرة وتتساوى مع الرجل في المكانة والقدرة الإقتصادية، فبعد أن كانت مجرد كائن أنثوي يجلب العار والخطيئة ويتهدده شبح الطلاق ومن ثم التشرد أصبحت الآن إنسانا حرا مختارا يساهم في الإنتاج ويشترك في الإستهلاك تماما كالرجل. فإن - لا سمح الله - صادف أن هددها زوجها بالطلاق فهي لن تهتز أبدا أو تجزع أو تخشى الضياع والتشرد لأنها اليوم تنفق على نفسها بل وتساهم في الإنفاق الأسري مع زوجها. باختصار هي الآن بمثابة الند للند مع الرجل وليس في موقع التابع للمتبوع.

سيكولوجيا الخضوع:

بات العنصر النسائي في مجتعاتنا من العناصر الأكثر تأثرا ببيئة الإضطهاد السياسي والذي يؤدي بدوره للإضطهاد الذكوري، فالحيز الإجتماعي الذي يسوده القمع والاستبداد والقهر السلطوي والأحادية السياسية وتنعدم فيه المشاركة الشعبية والحريات العامة ينتج واقعا يتسم بالتسلط الذكوري العنيف، حيث أن الرجل الذي ينشأ في بيئة كهذه سيصبح إما معتدىً عليه أو معتديا، إما مقموعا أو قامعا، فيحاول استرجاع ذكوريته المفقودة والمهشمة عن طريق استعراض عضلاته، هو، هذه المرة في الحيز الخاص أي البيت! حيث ينتج من العنف الذكوري الرسمي عنف مضاد يمارسه الرجل الأعزل الذي يضيق على المرأة بحجة حمايتها. وكلما كان الواقع يتسم بالإستبداد السياسي أكثر كان الأكثر تعرضا وتأثرا به هم الأقليات والفئات المهمشة في المتجتمع كالعنصر النسوي.

إن مجتمعا كهذا سيكون الأمن فيه هو الهاجس الأول والأخير، لذلك ستبقى المرأة محصورة في بوتقتها الخاصة بذريعة صون العرض من المخاطر المحدقة في المجتمع، فيجب أن تبقى في بيتها أو ضمن خمار سميك يغطي جسدها كما يعكس عبوديتها وخضوعها لسلطة "السيد" الرجل، هذا الهاجس الأمني نتج من خلفية هوس السلطات السياسية بالأمن وجعله - أي الأمن - الحل السحري الوحيد لكل المعضلات والأزمات المحدقة بالدولة والمجتمع. وكلما ضاقت الدائرة كلما اشتد القمع، فتضحي المرأة وسط حلقات من سلطات موغلة في الشمولية بدءً من الدولة، مرورا بالمجتمع وسطوته الماثلة في التقاليد والعادات التي تستهدف بالدرجة الأولى مكانة المرأة وحريتها، وانتهاءً بالأسرة والتي يمارس فيها الرجل أقسى استبداد وأبشع شمولية.

كنت احدث احد الأصدقاء عن ضرورة حضور المرأة في كافة مجالات العمل باعتبارها نصف المجتمع، فأنتهرني بحدة وقال ماذا تريد المرأة غير أن تعيش برفاه وسعادة في كنف زوجها؟ إنها ستنعم بالأمن في داخل المنزل وليس في خارجه حيث تتهددها الأخطار من كل حدب وصوب والإختلاط المشين المرفوض عرفا وشرعا! إنني -و الحديث لصاحبي-حريص عليها وعلى عفافها وصونها وأمنها إلى درجة أنني خصصت لها هاتفا خاصا لا يعرفه سوى الأهل والمقربات منها، أما الهاتف العام فلا يمكنها استخدامه!

هذه بعض الخلفيات والأسباب التي جعلت من قضية النهضة النسوية قضية شائكة ومستعصية والتي أدت لتفاقم واقعها المأساوي الماثل في قلة أو انعدام الفرص التنموية كالتعليم والتربية والقضاء والسياسة وغيرها من المجالات، حتى أصبحت نسبة القوى النسوية العاملة لا تتعدى 5% من مجموع القوى العاملة في سوق العمل التي لا يزال يحتكر معظمها الرجل. ورغم أن قانون العمل الذي أقر في العام 2005م يسمح للمرأة بمزاولة جميع الأعمال إلا أنه يشترط أن تكون تلك الأعمال مناسبة لطبيعتها وهذا شكلٌ واضحٌ من أشكال التمييز إذ لا توجد أية قيودٍ على الميادين التي يمكن أن يعمل بها الرجل من ناحية "طبيعته". كما يناقض ذلك الإتفاقية المذكورة التي تضمن "الحق في نفس فرص العمل، بما في ذلك تطبيق نفس معايير الاختيار في الأمور المتعلقة بالاستخدام" ومن شأن ذلك إبقاء الحظر على عمل المرأة في مجالات كالهندسة وغيرها، كما جاء في مذكرة بعثتها منظمة دولية لمراقبة حقوق الإنسان -هيومن رايش ووتش -للحكومة السعودية.

لقد تكرست سيكولوجيا الخنوع والخضوع في واقع المرأة حتى ألفت ذلك واعتادت عليه بل وأصبحت تسمتع به وتدافع عنه وتشارك في تكريسه. أصبحت المرأة في ظل هذا الواقع الإجتماعي كائنا يعاني من غيبوبة دائمة عن محيطه، غافلا عن حقوقه، عاجزا عن تحقيق أدنى تغيير ايجابي تقدمي يعيد لها دورها المصادر وكرامتها المهدورة.

إن أية نهضة نسوية لا يمكن أن تحدث دون توفر رغبة جادة واصرار حقيقي من قبل المرأة المعنية بالدرجة الأولى في تحقيقها وبلورتها، لأن الحرية الحقيقية لا تعطى من فوق، ولكن تكتسب بجهد متواصل..