![]() |
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
![]() |
خيارات وادوات |
أشرف توفيق
!--a>
2025 / 10 / 22
4- هدى شعراوى والخروج من الحرملك
وسجلت هدي شعراوي (خروج المرأة المصرية لأول مرة) فى مذكراتها فقالت: تشكلت لجنة مركزية كان لى شرف رياستها وعملت تلك اللجنة على تنظيم صفوف المرأة فى هذا الجهاد العظيم، ولما قام الإنجليز يصبون نيرانهم على الثائرين- قررت اللجنة إعداد مظاهرة كبيرة تخرج فيها النساء رغم قيود الأحكام العرفية التى تحرم المظاهرات، وتعرض القائمين بها لرصاص الجيش وإلى ما تبع ذلك من عقوبات السجن والتعذيب. هذا كله لم يثن من عزم نساء مصر. فطلبت لجنتنا من السلطة المختصة الإذن بهذه المظاهرة السلبية. فرفض طلبها ولكننا قررنا القيام بها حسب الخطة التى وضعناها وهى أن نبدأ السير من منتزه (قصر الدوبارة) القريب من المفوضية الأمريكية لنقدم لها احتجاجنا أولاً، وبينما كنت أتأهب لمغادرة منزلي فى ذلك اليوم للاشتراك فى المظاهرة بادرنى زوجي بالسؤال: إلى أين تذهبين والرصاص يدوي ويتساقط فى أنحاء المدينة؟ فأجبته للقيام بالمظاهرة التى قررتها اللجنة. فأراد أن يمنعنى، فقلت له: هل الوطنية مقصورة عليكم معشر الرجال فقط. وليس للنساء نصيب فيها؟.. فأجابنى: هل يرضيك إذا تحرش بكن الإنجليز أن تفزع بعض النساء ويولون (يا لهوتي) فقلت له: إن النساء لسن أقل منكم شجاعة أيها الرجال ولا غير قومية..وتركته وانصرفت ولحقت بالسيدات اللاتى كن فى انتظارى وغادرنا عرباتنا وشكلنا أول مظاهرة نسائية منظمة نحمل فيها لافتات كتبت عليها عبارات وطنية وحمل بعضهن أعلام جميع الدول إلا علم إنجليز وسارت المظاهرة فى جلال قاصده المفوضية الأمريكية أولاً حسب البرنامج وكانت تقابل من الجمهور بالتصفيق وتنثر عليها الأزهار من نوافذ المنازل، وعلمنا أنه أمام قنصلية فرنسا وقف جمهور من الفرنسيين معهم باقات الزهور استعداداً لتحيتنا، وكان المقرر أن نمر بها وبباقى المفوضيات وتنتهى بيت سعد ولكن للأسف عندما وصلت المقدمة إلى شارع سعد زغلول. دهشت إذا رأيت الموكب يتحول عن الخطة المرسومة قاصداً بيت سعد أولاً فأرسلت إلى الدليلات أذكرهن بالاتجاه المتفق عليه، فقلن إنه فى آخر وقت انفصلت بعض سيدات المقدمة على أن تبدأ المظاهرة من بيت سعد ولا أدرى إن كان هناك تدبير مبيت لذلك؟ عندما وصلنا بيت سعد وجدنا أنفسنا محاصرات بالجيش البريطاني ولما أردنا اقتحام صفوفهم تحرش بنا الجنود،وارتكز أحدهم وصوب بندقيته نحوي فتقدمت إليه.وقلت لها بصوت مسموع:فى مصر اليوم مس كافيل أخرى."اشارة إلى المجاهدة الإنجليزية مس كافيل) فتنحى الجندى،وتركنا نمر
ولكن الغريب أن عبد الرحمن فهمي عندما يسجل مذكراته فيما بعد يتجاهل شجاعة (هدي شعراوي) ويقرر بأن الذى قالت: (أتركينى فإننى أريد أن تقع فى مصر اليوم مس كافيل أخرى) وواجهت بنادق الإنجليز بشجاعة الفرسان إحدى المتظاهرات( )؟!وإن كانت(د.آمال السبكى) فى كتابها الحركة النسائية فى مصر تقرر بأن لديها تسجيل ذكرت فيه هدي شعراوي أنها قائلة تلك الكلمة وصاحبة هذا الموقف.ويصف الرافعي مظاهرات 16 مارس 1919 فى كتابه (ثورة 1919، ص120 القاهرة 1947م).: لم تشأ المرأة المصرية أن تحجم عن المساهمة فى تلك الثورة التى اشتد لهيبها فأرادت أن تخظى بشرف هذا العمل المجيد حتى تبرهن للغاضب المحتل على أنها ليست أقل قوة وعزيمة عن اختها الغربية. وحتى تذكى نار الحماسة الوطنية فى قلوب الرجال.. ففى 16 مارس أنطلق كثيرات من عقائل العائلات الراقية يجبن أنحاء القاهرة هاتفات بحياة الحرية والاستقلال، مناديات بسقوط الحماية. وقد مررن بموكبهن بدور القنصليات ومعتمدي الدول الأجنبية والناس من حولهن يصفقون لهن ويهتفون والنساء من نوافذ بيوتهن يزغردن ويهتفن فكان ذلك منظراً جميلاً رهيباً يأخذ بمجاميع القلوب. ولكن لم يكن للسلطة أن تترك مثل هذا الموكب الرائع دون أن تشوه من جلاله فضرب الجنود الإنجليز نطاقاً حولهن وسدود إليهن فوهات بنادقهن وحرابهن. على أن السيدات لم يرهبن هذا التهديد، ولم يفت عضدهن مشهد أولئك الجند المسلحين بل تقدمت واحدة منهن إلى جندي كان قد وجه إليها بندقيته وقالت له بالإنجليزية: (أطلق بندقيتك فى صدرى لتجعلوا فى مصر مس كافيل ثانية) فخجل الجندى وتنحى للسيدات عن الطريق بعد أن لبثن فى وهج الشمس أكثر من ساعتين.
فهل نقل عبد الرحمن فهمي عن الرافعي أما أنه كان لا ير فى نشاط المرأة السياسى فى الوفد فائدة وقد فجرته هدي شعراوي منذ بداية الحركة الوطنية الجديدة تحت قيادة سعد (نوفمبر 1918)؟! على كل حال فقد استمرت انتقادات عبد الرحمن فهمي اللازعة لهذا النشاط. فلقد اعتادت اللجنة المركزية لسيدات الوفد أن تحتج ببرقية على كل ما لا يروقها. وتنهى برقيتها بتوقيعات للسيدات المشاركات بالاسم ثلاثى بالطبع تبدأ التوقيعات برئيسة اللجنة (هدي شعراوي). وكثرت هذه البرقيات وأصبحت تشغل جزء من اجتماعات الوفد- وفى أحد المرات قال عبد الرحمن فهمي أثناء الاجتماع: وأية أخبار اللجنة المركزية للبريد! وكان يقصد بالطبع اللجنة المركزية لسيدات الوفد!! ولكن هدي شعراوي استمرت فى حركتها وحيويتها.وفى 13ديسمبر 1919اجتمعت مع عدد كبير من نساء مصر فى اجتماع سمى (بالكاتدرائية المرقصية) وأعلنت هذه المرة عن مغزى التكتيك الذى يهتم به عبد الرحمن فهمي (لأن المكان له دلالته إذا لم يشعر المصريون باختلاف المذاهب الدينية بين مسلمين وأقباط) وناقشوا وكان احتجاجهن على:
نفى الزعماء المنتخبين أبان الثورة.
المعاملة القاسية للشعب طوال الثورة.
لجنة ملنر.
الوزارة المعنية بمساعدة الإنجليز (وزارة وهبة باشا).
رفض مطلب مصر بحضور مؤتمر الصلح وضرورة إعلان استقلال مصر.
وحينما علم سعد زغلول أعجب (بهدي شعراوي) وبمبادئها السابقة وأدهشه بأن 71 سيدة وقعن بيان 13 ديسمبر 1919 وبأسمائهن مباشرة فقد تخلت المرأة فيه عن كتابة توقيعها بـحرم فلان العلان!! وسألها لماذا هتفن بالإنجليزية فى مظاهرة 16 يناير 1920؟! فقالت هدي شعراوي: ليفهم الإنجليز إننا جميعاً نريد الاستقلال. الرجال والنساء. فقال لها: اهتفوا بالعربية وارفعوا علم مصر، يجب ألا يعتقد المصريون أنكن نبت غريب.وكتب عن ذلك عبد الرحمن فهمي فى مذكراته: قامت بعض السيدات المصريات بمظاهر لطيفة فى ميدان المحطة إلى لوكاندة شبرة. وهناك هتفن لسنيوت حنابك المقيم هناك وللوفد المصرى ورئيسه. وللاستقلال التام لجريدة مصر. ولما وقع نظر السيدات على بعض الضباط الإنجليز أخرجت كل واحدة علماً مصرياً صغيراً وصحن بأعلى أصواتهن تحيا مصر حرة مستقلة. الاستقلال التام أو الموت الزؤم. يحيا سعد باشا زغلول. يسقط ملنر. وكل هذه الندائات باللغة الإنجليزية.على أن أهم ما فى الموقف هو أن عبد الرحمن فهمي يسجل فى تقرير له للوفد مؤرخ فى 2 مارس 1920 أن لجنة السيدات التى ترأسها السيدة حرم شعراوي باشا تحتج على مشروعات رى السودان، وغيرها. ونراه هو يقصد شعراوي باشا لا يهتم بمثل ذلك.ولعل ذلك يفسر بداية تباعد (علي شعراوي) عن زعيم الحركة الوطنية (سعد زغلول) ذلك الموقف الذى تبلور عام 1922 فى تأييد الشعراوي للانشقاق الكبير الذى عرف بحزب الأحرار الدستوريين
فقد عانى الرجل من وجوده وزوجته هدي شعراوي فى حزب واحد.ثم أنهكه الوفد..أخذوا ثروته فهو أغنى رجل فى الصعيد. وكلما عبر عن رؤية مختلفة اتهموه بأنه رجعى التفكير ومتعصب ضد الأقباط.أما هدي شعراوي فقد بدأت تمارس تشاطات خاصة: دعت لجمع تبرعات لإنشاء جمعية لرعاية الطفل وتحمس الناس للدعوة وتم جمع التبرعات لكن الحكومة أوقفت المشروع. وكانت النظارة فى ذلك الوقت تحت رئاسة (الحضرة الفخيمة الخديوية) عباس حلمي وسنة 1908 بدأت الدعوة لمحاضرات ثقافية على السيدات فى قاعة من قاعات الجامعة الأهلية ووافق. الأمير أحمد فؤاد، على تخصيص قاعة لمحاضرات السيدات يوم الجمعة من كل أسبوع. وسنة 1910 اتفقت (هدي شعراوي) مع الأميرة، (عين الحياة) وعدد من الأميرات والسيدات على إنشاء (مبرة محمد علي) لعلاج الأطفال. وعلى إنشاء مدرسة للبنات. وفى مايو عام 1914 أسست (هدي شعراوي) بمعاونة الأميرتين (عين الحياة) و(أمينة حليم) جمعيتي (الرقى الأدبى للسيدات والمرأة الجديدة) وقد توقف نشاط هذه الجمعيات أثناء الحرب العالمية الأولى.ثم تحولت متحمسة مستقلة للوفد منذ 1916. ثم بدأت مترددة فى علاقتها بالوفد من بداية عام 1922 فهى لا ترى أنها حققت نصراً سياسياً للمرأة من خلال الوفد وفى نفس الوقت لا تستطيع أن تنكر حماس ورعاية سعد زغلول لحركة تحرير المرأة. وفى مارس 1932 وفى يوم 16 ذكرى مظاهرة 16 مارس 1919 أصبحت هدي شعراوي جبهة مستقلة بتكوين الاتحاد النسائي المصري الذى استطاع أن يضم بالفعل عناصر من لجنة الوفد المركزية للسيدات.فقد أحست المرأة فى قرارة نفسها ومنذ بداية الإفراج عنها والأخذ بيدها نحو الخروج الكبير من قفص الحريم- أن الرجل هو صاحب الفضل- وبالتالى فهو لن يتركها لترسم لحياتها باقى المعالم خارج الحرملك. لن يسمح لها أبداً أن تتخطى الدور الذى رسمه لها.تبلور هذا الإحساس رويداً رويداً منذ أن علمت بموقف رجال الوفد الذى رفضوا الاعتراف بها فى بداية الأمر، وباللجنة المركزية التى رأستها أن ذاك هدي شعراوي، وعلى الفور رأت اتخاذ بعض المواقف التى من شأنها توصيل هذا الإحساس للرجل، ومن ثم رفضت بشدة أن تكون مجرد بديل للرجل أو مقلده له ولسياسته، بل أكثر من ذلك عبرت عن هذا الرفض بشكل واضح وصريح حين أصرت عضوات اللجنة المركزية لنساء الوفد أن يكن عضوات كاملات العضوية، وأن يكون لهن الحرية فى التعبير،رافضات الطاعة العمياء للرجال، لمجرد تحقيق الإجماع فى الآراء خلال الأزمات.وتجلى هذا الرفض أكثر، حين انتقدت المرأة شروط الاستقلال التى وافق عليها من قبل رجال الوفد!.
إن الإحساس بضرورة الاعتماة على النفس، بعيداً عن إرادة الرجل، قد تجلى أيضاً وبصورة مثيرة- فى قرار نساء مصر بضرورة إنشاء اتحاد نسائي للمرأة المصرية.واقتنعت هدي شعراوي أن قضية المرأة.. قضيتها وقضية مصر وأن سعد زغلول بما أعطاها من تأييد. قد كسب بها خطوة للأمام ولككن الوفد كسب بها عدة خطوات فى طريقه السياسي ولكنها اقتنعت أيضاً بأنها لن تحقق نصر سياسي للمرأة عن طريق الأحزاب. بل إنها أمنت بأن كل التحركات الجيدة والتى سمح بها (للجنة نساء الوفد) كانت فى فترات نفى سعد زغلول حينما كانت صفية زغلول تتولى الأمر. ولم يكن اقتناع هدي شعراوي بذلك نابع من طرحها أى قضية لها علاقة بالمرأة، وإنما نابع من التجاهل الذى رأته فى قضية السودان التى تنبتها داخل الوفد- كقضية سياسية وتؤيد هذا الرأى (أمال السبكى فى كتابها) (الحركة النسائية فى مصر ما بين الثورتين 19، 52).أرسلت هدي شعراوي الاحتجاجات السباقة وظلت تعمل فى لجنة نساء الوفد إلى أن اختلفت مع سعد باشا بعد عودته من المنفى نظراً لموافقته على البند الخاص بالسودان الذى رمى إلى مناداة الملك فؤاد بملك مصر دون السودان فى البيان الذى ألقاه توفيق نسيم باشا عند توليه الوزارة فما كان من سعد باشا إلا أن أرسل يهنئه على بيانه. ولم يتطرق مطلقاً إلى هذا التجاهل. فثارت هدي شعراوي ولم يعبأ سعد باشا بثورتها بل إنه عندما اجتمع بالوفديين فى الاحتفال السنوي للوفد فى 13 نوفمبر 1922، لم يدعوها لحضور الاحتفال ولجنة الوفد المركزية للسيدات منذ ثورة 1919. وفى الوقت الذى أصدر بياناً عن الاحتفال يشكر فيه كل الوفديين على موقفهم أثناء وجوده بالمنفى. فما كان من هدي شعراوي إلا أن أرسلت رسالة إليه شخصياً تخطره فيها بالرغبة فى عدم العمل معه فى اللجنة السابقة كما قدمت استقالتها.كانت هدي شعراوي أصدرت من خلال لجنة الوفد المركزية للسيدات فى 26يناير1920 اعتراضها على ما تنخضت عنه المفاوضات فى مشروع رى السودان ورفضت ذلك لثلاث نقاط:
أولاً: لأن الإنجليز هم الذين وضعوه باعتبارهم أصحاب الشأن فى السودان مع أن مركز انجلترا هناك غير شرعي، ولا يختلف فى بطلانه عن مركزها فى مصر فإن كليهما قطر واحد لا يقبل التجزئة وحقهما فى الاستقلال لا يمكن إنكاره.
ثانياً: لأن هذا المشروع ثبت ضرره بدليل ما نشره الأخصائيون من كبار المهندسين المصريين والإنجليز.
ثالثاً: لأن البت فى مثل هذه المشروعات من اختصاص المجلس النيابى الذى يمثل مصر والسودان معاً.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|