يتمنّعن وهنّ.. نافرات



ضيا اسكندر
2025 / 10 / 26

كم من قرنٍ مضى والعقل الذكوري يصرّ على اختزال المرأة في جسدٍ يُطلب ولا يُسأل، يُشتهى ولا يُفهَم؟
كم مرة وُصِمَت الأنثى بالبرود، فقط لأنها رفضت أن تُمارَس عليها الرغبة كواجبٍ منزليٍّ خالٍ من الحنان؟

النفور ليس دلالًا، والامتناع ليس لعبةً أنثوية كما يزعم وعيٌ ذكوريٌّ اعتاد أن يُحمِّل المرأة خطايا العالم.
فهناك نساءٌ يتمنّعن لأن أجسادهنّ أنهكها الألم، لأن أرواحهنّ خارت من التعب، لأنهنّ يواجهن ضغط الحياة اليومي بين العمل والمنزل والأمومة والتوقعات التي لا تنتهي، فلا يجدن في اللحظة الحميمة سوى مرآةً جديدةً لتعبٍ لم يُفهم، أو وجعٍ لم يُحترم.

لكن المجتمع الذكوري، بعاداته الصلبة ووعيه المشوَّه، يرى في ذلك إهانة لفحولة الزوج أو تمرداً على سلطته، فيُسارع إلى تبرير خيانته تحت شعارٍ ساذج: "هي من دفعتني"، وكأنّ الجسد الذكري كائنٌ مقدّس لا يُحتمل أن يُرفض، وأنّ المرأة التي لا تستجيب تكون قد ارتكبت جريمةً أخلاقيةً بحق الرجولة.

كم من أنثى أُدينت لأنها طلبت قليلاً من الحنان قبل الجسد، لأنها طلبت تفهّم زوجها لآلامها الجسدية أو انكساراتها النفسية! وكم من رجلٍ استسهل أن يبحث عن “الدفء” في حضنٍ آخر، بدل أن يبحث عن السبب في البيت الذي تركه يبرد؟
تلك الازدواجية الفاضحة في نظرة المجتمع تجعل من خيانة الرجل مغامرةً “مبرَّرة”، ومن امتناع المرأة خطيئةً “موثّقة” في سجلّ العيب والعار.

المشكلة لا تكمن في الغريزة، إنما في العدالة العاطفية. في أن تُعامَل المرأة ككائنٍ يشعر ويتعب ويتألم، لا كأداةٍ لتفريغ الرغبة. فالجسد مساحةُ تفاعلٍ بين روحين، لا ميدانٌ لغرائز متصارعة.

حين يتعلّم الرجل أن يصغي إلى أنين زوجته كما يصغي إلى ذاته، ويدرك أن العاطفة مسؤولية مشتركة، لا امتيازٌ ذكوري، عندها فقط يمكن أن تتحول العلاقة الزوجية من "واجبٍ مؤدّى" إلى حبٍّ يُرمّم ولا يُنهك، إلى دفءٍ يُشفى ولا يُستهلك.
النساء لا "يتمنّعن" حين يُفهَمن… إنما يتفتّحن كحقولٍ من الورد وجدت من يسقيها، لا من يقطفها.