الحب والربيع في موسكو



امل عجيل ابراهيم
2025 / 10 / 31

الربيع والحب في موسكو

حين تتنزه في موسكو يتضاعف شعورك بالوحدة وانت ترى الحب في كل مكان فلا احد يسير وحيدا خصوصا النساء المتقدمات في العمر تراها على الدوام برفقة رجل يشبك يدها في يده ويتوقف عدة مرات ليلتقط لها الصور وكأنه تعرف عليها للتو .

مظاهر الحب والمودة في كل مكان تجعلك تلعن وحدتك وتلعن رجال العرب الحمقى الذي يتوقف مؤشر الاهتمام لديهم حالما تهبهم المرأة مشاعرها لتصبح بعدها ملك صرف كأي شيء آخر يملكه : ربطة عنق ذهبت موضتها ،،او حقيبة قديمة في خزانة مهجورة،،او زهرة جافة في درج منسي .

كنت اسير في الشوارع الهادئة المليئة بازهار التوليب التي وقعت في عشقها في الفترة الاخيرة واصبحت اقصد اماكن زراعتها واتتبع موسم ازهارها والتقط الصور لكل زهرة منها من مختلف الالوان والاشكال وهي تشبه النساء فهناك منها البراعم المنطوية على اوراقها بلطف تنتظر الدفء واشعة الشمس لتتفتح اوراقها وهناك المتحدية التي تفتحت براعمها رغم برودة الجو واعلنت جمالها وجرءتها وهناك الخجولة التي تسترت خلف الحشائش او الاشجار الكبيرة محتمية بها من عواصف واهواء قاسية.

لفت نظري انهم يحيطون الاشجار الفتية بالقصب ويوثقوه باحكام مع غصن الشجرة الرقيق لاكسابه القوة او يضعون اوتادا ثلاثة يربطون الشجر الصغير بها حتى لايقتلعها الهواء وكان المنظر جميلا ومليئا بالحنان والاهتمام يشبه احتضان ام رؤوم لطفلها تقيه الظروف الخارجية التي يعجز عن مواجهتها .

لو اننا نحيط مشاعرنا وعلاقاتنا بتلك الاوتدة ؟ لنحافظ عليها من عواصف البرود والاهمال والخذلان ، لو اننا نرعاها حتى تتفرع جذورها وتمتد الى اعماق بعيدة من ارواحنا فتطغى على انانيتنا وغيرتنا المرضية وشكوكنا وبرودنا واهمالنا ؟ لتنمو بعدها نقية وقوية تظللنا بفيئها الى اخر العمر .

شاهدت العشاق في المانيا وفرنسا واسبانيا وبراغ وفي موسكو ايضا يقبلون بعضهم ويعلقون اقفال حبهم على جسور خاصة بذلك ثم يتخلصون من المفتاح في النهر القريب وان اصل العادة يعود الى رواية ايطالية بعنوان (اريدك ) للكاتب فيديريكو موتشا حيث يعلق بطلا الرواية قفلا على جسر ميلفيو في روما ويرميان المفتاح في النهر .

ولكني وجدت تلك الاقفال في موسكو لاتقتصر على الجسور فقد رأيت انهم يضعونها على جدران المباني التاريخية وعلى بعض الاشجار الكبيرة فالروس متفردون بطبائعهم المختلفة عن جميع الشعوب .

يحمل القفل رمزية جميلة انه غلق القلب على شخص واحد والاخلاص له واندماج كائنين في كيان واحد وان يحمل قلبين بوصلة واحدة تختار طريقا واحدا لكليهما حيث لاحيرة ولاتيه ولاشتات . وفكرت في داخلي في مدى نفع القفل مع العرب ورجالنا لديهم موهبة في القدرة على عشق امرأة ومواعدة عشر نساء اخريات دون الشعور بالقرف والدونية . انهم يعالجون نقص رجولتهم بالمزيد من النساء في حين ان الانسان الحقيقي تكفيه واحدة فقط .

هل الرجل العربي انسان قابل لان يشارك من يحب قفلا واحدا في مكان محدد ويرمي مفتاحه بعد ذلك ؟؟ كيف تقنع ذكرا ولد وتربى في ظل الامتيازات الخاصة ان امرأة تشاركه المكانة نفسها ؟ وكيف يكتفي بها وهو لم يفقه من دينه سوى (المثنى والثلاث والرباع)؟

يشك( ادونيس ) ان هناك حب في العالم العربي بل هناك غرائز وحب تملك وانجاب واننا بعيدون كل البعد عن كل مايمت الى الحب بصلة .

كيف يوجد الحب في مجتمع يؤمن ذكوره ان قلوبهم فنادق متعددة النزلاء وتظن نساءه ان الامان في ورقة تثبت انها مرتبطة وليست بعانس وتكفل لها معيشة جيدة ؟

يحب الرجل في بلادنا ويعشق ويكتب القصائد والرسائل لامرأة تعنيه ، لكنه على استعداد ان يضاجع عشرة نساء غيرها اذا ما اتيحت له الفرصة ويرى ذلك امتيازا لذكورته وليس انتكاسا للرجولة .

انه يعالج نقص رجولته بعلاقات متعددة تقنعه انه مرغوب ومناسب على الدوام حتى يتحول الى مهرج سيرك يتنقل بين جمهور غفير لاثبات موهبته في الجذب والانتباه .

يحب الرجل في عالمنا العربي مادامت المرأة ادنى منه حسبا و علما و مكانة وفي اللحظة التي تكون ندا له تصبح عدوا لدودا يسعى جاهدا للانتقاص منه والتقليل من شأنه ،المرأة المتفوقة والذكية تشكل خطرا وتهديدا وليس مدعاة للفخر . انه لايستطيع ان يتخطى امتيازاته المزيفة التي اكتسبها عبر عصور من الظلم والطغيان وانعدام الانسانية حين كانت المرأة لاتمثل له اكثر من وعاء لافراغ شهواته وخادم لتلبية احتياجاته وجهة يثبت من خلالها قوته الجسدية وضحالته الفكرية حين يعاقبها بالضرب ويجازيها بالهجر ويتعدى عليها بالزجر والاهانة ويعاملها باسلوب الانتقاص والاستهزاء.

اين تتجه بوصلة القلب في عالم انعدمت فيه الاتجاهات ؟ واين تتركز(المودة والرحمة) في علاقة يتجزء الرجل فيها الى عدة قطع . وهل هناك انسان سوي ومنطقي يقتنع انه قادر على تقطيع نفسه بين مثنى وثلاث ورباع ؟ ويرتضي لنفسه النزول من درجة الانسانية الى انحطاط الحيوانية ؟

ولماذا هذا العناء الجسدي والمادي والطبيعة السوية تؤكد ان شخصا واحدا فقط بامكانه تحقيق اشباعنا الروحي والغريزي والفكري اذا مااشترك العقل والقلب في اختياره وتمييزه والاخلاص له ؟ وان هناك حواء واحدة لآدم واحد ولو كان خلاف ذلك لخلق له الله اكثر من واحدة .

والغريب ان الرجل يوصف على الدوام بالقوة والصلابة ويتمتع بامتيازات ذلك في كل نواحي الحياة وذلك يناقض تماما عدم قدرته في السيطرة على غريزته الجنسية وضعفه تجاهها وتبرير ذلك له واعتباره امرا طبيعيا !! مقارنة بالمرأة التي اشيع عنها انها عاطفية ورقيقة وليس لها القدرة على العديد من المهام والوظائف بسبب ضعفها وعاطفتها لكنها في الوقت نفسه مكتفية برجل واحد ومخلصة له وهي قادرة بفطرتها على اغلاق عيونها عليه فلا يعجبها غيره ولو تفوق عليه بالشكل والشخصية وهو الامر الطبيعي الذي يجب ان يلتزم به كلاهما.

مجتمعنا يبرر ويسمح للرجل ان يقع في الحب حتى وهو متزوج من امرأة كاملة الصفات بل ويعتبرها اثبات لذكورته بينما يرجم المرأة ان فعلت ذلك حتى لو كانت متزوجة بشبه رجل وهي ازدواجية غريبة وعجيبة قياسا بقوة الرجل المطلقة وضعف المرأة المتفق عليه عندهم !!والاغرب من ذلك انهم مسخوا عقلها وجعلوها تقبل البقاء في كنف رجل لايراها كافية له ويرتضي لها ان تشاركها اخرى او اخريات في جسده ومشاعره وحياته.

الحب هو ان لاارى غيرك ولاترى غيري .. ان تكون ارضي وسمائي وهوائي واكون كونك وكينونتك واستقرارك .

هو ان يكمل احدنا الاخر ،، ان تكون كتفا قويا اسند عليه رأسي المتعب واكون حضنا عطوفا ترتاح فيه من تعب ايامك ،، في علاقة متوازنة اساسها الاحترام الذي لايبيح لك خيانتي ولو بالنظرة او الفكرة فقط .

آذار 2025