| 
			
			 | 
			غلق | | مركز مساواة المرأة | | 			
			
			 | 
			خيارات وادوات | 
عماد الطيب
 
 
!--a>
	
	2025 / 11 / 4
	     
	    
في زمن مضى، لم تكن المرأة تعرف القراءة ولا الكتابة، لكنها كانت تقرأ الحياة بعينيها وتكتب تاريخ الأسرة بيديها. كانت أمية الحروف، لكنها عالمة بالفطرة، تفهم الرجل من صمته، وتربي أبناءها على الاحترام والمسؤولية من دون أن تقرأ في علم النفس أو التربية. كانت مدرسة صامتة، ولكنها أخرجت أجيالاً قادرة على مواجهة الحياة بصلابة وبساطة ورضا.
المرأة الأمية في الماضي نجحت في بناء أسرة متماسكة لأنها امتلكت ثلاثة عناصر جوهرية: القناعة، والالتزام، والحكمة الفطرية. كانت تؤمن بأن الأسرة مسؤولية مشتركة، وأن الزواج ميثاق مقدّس لا صفقة عابرة. لم تكن تطارد الكمال، بل كانت تصنعه من النقص، وتحول الفقر إلى غنى بالمودة، والتعب إلى سعادة بالرضا. كانت تقيس نجاحها بعدد الابتسامات في بيتها لا بعدد المتابعين على شاشتها.
أما المرأة العصرية اليوم، فهي متعلّمة، مثقفة، قوية الحضور، لكنها تعيش وسط ضجيج الحداثة وتناقضات العصر. أصبحت الأسرة في كثير من الحالات ساحة صراع أدوار لا ميدان تكامل. الانفتاح على العالم أضاف وعياً، لكنه أيضاً أضاف ضغوطاً وتوقعات غير واقعية. المرأة الحديثة تُحاصر بمعايير مثالية: أن تكون ناجحة في عملها، جميلة في مظهرها، حاضرة في بيتها، متوازنة في كل شيء، وكأنها مطالبة أن تكون نسخة خارقة من الإنسان، لا امرأة من لحم ودم.
لقد تغيّر الإطار الاجتماعي والقيمي للأسرة. لم تعد الطاعة مفهوماً محبباً، ولا التضحية قيمة ثابتة. تراجعت فكرة "نحن" لتحل محلها "أنا"، فانهارت جسور كثيرة كانت تربط القلوب قبل العقول.
ومع ذلك، لا يمكننا القول إن المرأة العصرية فشلت بالمطلق، بل تعثّرت تحت وطأة التحوّلات. نجاحها يحتاج إلى إعادة تعريف لمفهوم الحرية والشراكة، وإلى توازن بين ما تعلّمته من الكتب وما يجب أن تتعلمه من الحياة.
فالمرأة الأمية نجحت لأنها عاشت في زمن كان البيت محور الوجود، بينما المرأة العصرية تعيش في زمن أصبح العالم كله بيتاً كبيراً، لكنه بلا جدران تحفظ الدفء.
كانت الأمية في الماضي تشعل قنديل الحب بزيت الصبر، وتخيط جراح الأيام بخيوط الدعاء، فتظل الأسرة متماسكة كعقدٍ من الودّ لا تنفرط حباته. أما المرأة العصرية، فتمسك بيدها شعلة العلم، لكنها أحياناً تنسى أن الدفء لا يأتي من الضوء وحده، بل من القلب الذي يحسن إشعاله.
الزمن تغيّر، والبيوت تغيّرت، لكن سرّ التماسك لم يتبدّل: امرأة تعرف متى تصمت بحكمة، ومتى تتكلم بحب، ومتى تحنو كالأم، ومتى تقف كالركيزة.
فليست الأميّة هي الجهل، ولا الحداثة هي الوعي… إنما الوعي الحقيقي أن تعرف المرأة أن العلم بلا رحمة، والحرية بلا محبة، كلاهما لا يبني بيتاً، بل يهدم سقفاً فوق القلوب.