|
|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |

عبدالله عطوي الطوالبة
!--a>
2025 / 11 / 10
يسود اعتقاد باطل قبل أن يكون خاطئاً لدى الكثيرين، مفاده أن العرب قبل الإسلام كانوا على جانب كبير من الانحطاط فيما يتعلق بالمرأة. لقد ترسخت في الأذهان صورة نمطية ينفخ في كيرها الخطاب الديني، تربط المرأة في ذلك الزمن بالوأد والمتعة الجنسية فقط. هذا ظلم، وتجويز فاسد، يدحضهما التاريخ العربي بالحقائق والأدلة القاطعة.
كان الزواج عند العرب من أهم الأفراح في حياة الإنسان، يُحتفل به عادة بإقامة المآدب ودعوة جمع غفير من الأقارب والأصدقاء لمشاركة الزوجين وذويهما أفراحهم. وللزواج عندهم أعراف وتقاليد وأنواع، لا يسمح لنا الحيِّزُ بتفصيل القول فيها. لكننا نستحضر ما يُعرف بلغة أيامنا هذه ب"الزواج السياسي"، بالنسبة لسادات القبائل والأشراف والملوك. أما الهدف منه، فكان كسب الأُلفة واجتذاب البعداء والنصرة، حتى يصير العدو مؤالفاً ويرجع المنافر موالياً. فقد كان الملك أو سيد القبيلة يتزوج ابنة سيد قبيلة أخرى فيشد بزواجه هذا من أزر ملكه أو من قوة قبيلته، لا سيما إذا كانت البنت من قبيلة كبيرة. وظل هذا النوع من الزواج متبعاً بعد الإسلام. ومع أن من عاداتهم أولوية ابن العم أو القريب بالبنت، إلا أنهم راعوا في الغالب إنكاح البعداء، لاعتقادهم بأن هذا الزواج أنْجَبُ للولد وأحفظ لقوة النسل، وأبهى للخلقة. وكانوا يعتقدون أن إنكاح الأهل والأقارب يضر بالمولود، ويسمه بالضعف والهزال. ليت الكثيرين في مجتمعاتنا اليوم، في القرن الحادي والعشرين، يتعلمون من هذه الاعتقادات التي أثبت العلم الحديث صحتها، ويلتزمون بتطبيقها.
ولا تستغرب عزيزنا القارئ إذا قلنا لك أن المرأة في عصور مدموغة ب"الجاهلية" كانت فارسة، وموثوقة، وأخت رجال بالفعل وليس بالقول فقط. فقد كانت الشرائف من النساء يقعدن للرجال للحديث وتبادل الرأي في أمر ما، وإذا تمكنت إحداهن من اثبات صحة وجهة نظرها بالدليل والبرهان، يؤخذ بها. لم يكن النظر من بعضهم إلى بعضهن "عاراً" ولا "حراماً". وفي البادية العربية، شاركت المرأة الرجل في أعماله، وجالسته وكلَّمته حتى لو كان غريباً عنها. ولهذا علاقة بطبيعي أمر محيط البادية البعيد عن مواطن الريبة والشبهات. في هذه البيئة، ينشأ الأولاد والبنات ويشبون ويلعبون سوية. وليس من شكٍّ في أن بيئة كهذه، تتيح للمرأة المبدعة أن تُبدع وتعبر عن ذاتها. ولقد تجلى ذلك ببروز شاعرات ما تزال أسماؤهن تتردد حتى اليوم، مثل الخنساء، وخرنق، وجليلة، وكبشة أُخت عمرو بن معد يكرب. ومنهن من كُنَّ يحكمن بين الشعراء المتنافسين، في تفضيل شاعر على آخر. ومن أدوار المرأة المعلومة، مصاحبة الرجال في الحروب لإثارة هممهم عند اشتداد المعارك، ولمداواة الجرحى، وحمل الماء إلى المقاتلين العطشى. وقد استمر هذا الدور بعد الاسلام، حيث كانت رفيدة تداوي جرحى المسلمين في مسجد النبي في يثرب. واشتهرت بين العرب في معالجة المرضى، زينب طبيبة بني أود.
ولقد أتاحت البيئة العربية، في تلك الأزمنة، للمرأة التفنن في الاهتمام بنفسها، وبخاصة المرأة الحضرية. فكُنَّ يضفرن شعورهن ضفائر وغدائر، ويقال للضفيرة العقيصة، أي الذؤابة. الغديرتان، الذؤابتان تسقطان على الصدر. والعقيصة من العقص، وهو بحسب علماء اللغة أن تأخذ المرأة كل خصلة من شعرها فتلويها ثم تعقدها حتى يبقى فيها التواء وترسلها، فكل خصلة عقيصة. ومن أعرافهن، أن شعر المرأة من أثمن ما لديها، لذلك تستعز به وتحافظ عليه. وتسعى لإثارته وتنشيطه، ولا تحلقه إلا إذا نزلت بها نازلة، مثل موت زوجها أو عزيز عليها. وتجملت المرأة العربية على قدر حالها وإمكانها، لتظهر جمالها وأنوثتها. فقد جمَّلنَ أنفسهن بالنظافة أولاً والمسكة والقرطين والقلائد، وبالكحل والمساحيق ودهن الشعر وخضاب الكف والقدم، وبالوشم أيضاً. وزيَّنت المرأة العربية نفسها بالحلي من ذهب وفضة وبأحجار كريمة تلفت الأنظار، وبالخرز كذلك. ومن الحلي، الأساور المصنوعة من الذهب، بالنسبة للمرأة الموسرة، والحلي المطعمة باللؤلؤ. ومن الحلي ما يُزيَّن به الرأس والعنق، وما تُزيَّنُ به الأيدي والأرجل. وكان للعرب معاييرهم لجمال المرأة، حيث ركزوا في هذا الجانب على حلاوة العينين وجمال الأنف وملاحة الفم. قال الشاعر: خزاعية الأطراف مَرَّية الحشا...فزارية العينين طائية الفم.
وينقل لنا الشعر العربي قصصاً كثيرة بعضها مشهور وما يزال، تتعلق بالحب، حيث عُرف عن العرب حب المرأة واحترامها والتغزل بها. فهل يعقل أن قوماً هذا شأنهم تجاه المرأة، يقتلونها بالوأد ويكبلونها بقيود القمع والقهر؟!
اللافت أن الحب في أغلبه من طرف واحد، حب الرجل للمرأة وليس العكس. فمن طبع الرجل العربي التباهي بحبه للنساء. أما المرأة ففي طبعها الخجل، الذي يمنعها من إظهار حبها لرجل ما والتعلق به، ولا يسمح المجتمع بذلك ويعده نوعاً من الخروج على الآداب العامة. وجرت العادة أن يتغزل الرجل بإمرأة يجعلها بطلة غزله، يلهج بذكرها ويبرع في إظهار وصفها وصفاتها. وقد تكون امرأة حقيقية بالفعل، أو امرأة تخيلها الشاعر. من اللافت أيضاً، تميُّز شعر الغزل بطابعه العام في "الجاهلية" بألفاظه المؤدبة وبالعفة والبراءة. فلا يتعدى إظهار الوجد والحب والتلهف إلى لقاء المعشوقة، وذِكر الأيام الجميلة وأحلام الحب النقية الصافية. وقلما يجد الباحث في الشعر الموصوف ب"الجاهلي" فحشاً وإقذاعاً.
من شعر طرفه بن العبد نقرأ:
لخولة أطلال بِبُرقةِ ثمهد...تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقوفاً بها صحبي عَلَيَّ مطيَّهم...يقولون لا تهلك أسىً وتجلدِ
كأن خدوج المالكية غُدْوَةً...خلايا سفينٍ بالنواصف من ددِ
عدولية أو من سفين ابن يامنٍ...يجورُ بها الملا طوراً ويهتدي.
ومن شعر الأعشى نتخير:
ودع هريرة إن الركب مرتحلٌ...وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
غراء فرعاء مصقول عوارضها...تمشي الهوينا كما يمشي الوَجى الوَحِلُ
كأن مشيتها من بيت جارتها...مرَّ السحابة لا ريثٌ ولا عَجلُ
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت...كما استعان بريح عشرِق زَجِلُ.
وتنقل لنا مراجعنا تفاصيل عن اهتمام العرب بالمرأة، نذكر منها تقديرهم العالي للمرأة الجميلة المؤدبة الذكية، والوفية لزوجها وبيتها. ولهم نعوتٌ رأوا أنها تعيب المرأة منها بذاءة لسانها، و"أن تكون نمامةً كذوباً، وعابسة قطوباً، كثيرة الانتباه والتدخل، طويلة مهزولة، ظاهرة العيوب، سبابة وثوبة إن ائتمنها زوجها خانته، وإن لانَ لها أهانته، وإن أرضاها أغضبته، وإن أطاعها عصته"(بلوغ الأرب، 22/2). وعُرف عن العرب رغبتهم في الزواج بالشقراوات من النساء بيض البشرة. وتورد المصادر قول بعض العرب لبعض الملوك:"هل لكم في النساء الزهر، والخيل الشقر، والنوق الحمر؟".
ووصفوا الرجل المحب لمحادثة النساء ومخالطتهن بالزير، فقالوا: (زير نساء). وعلى العكس منه، يُقال لمن لا يأتي النساء عجزاً أو لا يريدهن (العنين).
وعرف العرب رجالاً ضربوا بهم المثل في الفحولة وعشق المرأة، منهم (حوثرة) وهو رجل من بني عبد القيس، فقالوا فيه: "أنكحُ من حوثرة". وضربوا المثل أيضاً بخوات بن جبير الأنصاري، وقد كان يأتي أحياء العرب يتطلب النساء ويبحث عنهن. فإذا سُئل عن حاجته، قال: شرد لي بعير فخرجت في طلبه. أدرك خواتٌ الاسلام، ورأى النبي عليه السلام، فقال له النبي: ما فعل بعيرك الشرود؟ فقال خوات: أما منذ قيده الاسلام، فلا.
تأسيساً على ما ذكرنا، وهو قليل من كثير، نعتقد أن من الإجحاف ربط واقع المرأة عند العرب قبل الاسلام بالوأد والمتعة الجنسية.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
|
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|