المرأه المصريه و حقوقها السياسيه_ (سيدات السلطة)



علا مجد الدين عبد النور
2025 / 11 / 19

بعد أن استعرضنا في الجزئين السابقين ملامح حضور المرأة المصرية في الحياة السياسية، والعقبات التي ما زالت تُقيّد مشاركتها الفعلية في دوائر صنع القرار ،وجدنا أنه من الضروري التطرّق إلى الدور السياسي الذي لعبته زوجات رؤساء مصر عبر العقود .

ومن هنا يبرز منصب “سيدة مصر الأولى” بوصفه مساحة رمزية شديدة الخصوصية؛ إذ تُلقَّب زوجة الرئيس بهذا اللقب الشرفي غير الرسمي، الذي يمنحها وضعًا اعتباريًا مميزًا في المناسبات الدبلوماسية والعامة.

ومع ذلك… يظل هذا الدور غريبًا بطبيعته:
منصب بلا تعريف قانوني، عمل بلا راتب،
ومنبرٌ سياسيٌّ بلا سلطة.
إنهن نساء… لم يدخلن البرلمان ولم يحملن حقائب وزارية، لكنّ بعضهن أثّر في القرار العام من بعيد، وبعضهن ترك بصمة لا يمكن تجاهلها
سواء بوعيٍ سياسي، أو بمجرد حضور ألقى بظلاله على الدولة.

فالمرأة هنا ليست مسؤولة سياسية، لكنها ليست بعيدة عن السياسة أيضاً؛ إنها تقف في مساحة رمادية بين الظل والبروتوكول، بين القرب من السلطة والبعد عن القرار.


الملكية: بداية تجاور المرأة و السلطة

في عام 1919، تزوّجت نازلي من السلطان أحمد فؤاد (الذي أصبح أول ملوك مصر بعد إعلان المملكة عام 1922)، وتُوجت معه كأول ملكة في العصر الحديث، متصدّرةً المشهد السياسي والاجتماعي داخل القصر.

لعبت الملكة نازلي دورًا محوريًا بعد وفاة الملك فؤاد في تمكين ابنها الملك فاروق من اعتلاء العرش؛ إذ لم يكن قد بلغ السنّ القانونية التي تتيح له ممارسة سلطاته، وكانت لجنة الوصاية برئاسة الأمير محمد علي توفيق تهدد مستقبله السياسي.
استصدرت نازلي فتوى من الإمام المراغي تجيز للفرد التصرّف في أمواله عند سن الخامسة عشرة، ما سمح لفاروق بتسلّم الحكم وهو في السابعة عشرة ميلاديًا والثامنة عشرة هجريًا، وفقًا للدستور الذي يعتمد التقويم الهجري.

وبعد تولّي فاروق العرش، أصبحت نازلي “الملكة الأم”، ومارست نفوذًا سياسيًا غير مباشر. ففي أزمة 4 فبراير 1942، حين ضغط اللورد الانجليزي كيلرن لعزل فاروق، أقنعت الملك بقبول طلب الانجليز بتعيين مصطفى النحاس باشا رئيسًا للوزراء، وهي خطوة حالت دون إبعاده عن الحكم.

وقد لطّخت فضائح لاحقة صورتها السياسية—خصوصًا زواج الأميرة فتحية من رجل مسيحي— ما وضع القصر في حرج ديني وأخلاقي دفع بالملك فاروق إلى نفيها، ثم أصدر قرارًا في أغسطس 1950 بحرمانها من لقب الملكة الأم


الزوجات الملكيات: تأثير رمزي بظلال سياسية

لم يكن لزوجات الملك فاروق دور سياسي مباشر، بل كان لهن أدوار رمزية ومراسمية كزوجات ملكيات. ومع ذلك، فقد ارتبطت بعضهن ببعض الأحداث السياسية بشكل غير مباشر، مثل الملكة فريدة (ملكه مصر القرينة) التي وصفتها مجلة "لايف" بأنها "رصيد سياسي ذي قيمة" للملك فاروق.
اعتبر الشعب المصري الملكة فريدة بطلة قومية حين امتنعت عن الظهور مع الملك فاروق في المناسبات الخاصة أو العامة اعتراضاً منها على فساده -علاقاته النسائية-، وخرج الشعب في المظاهرات ضد الملك يوم طلاقها منه يهتفون "لا ملكة إلا فريدة" و "حذاء فريدة فوق رأس فاروق"، وهي لحظة اعتُبرت من العلامات التي مهّدت لسقوط حكم فاروق..

بعد طلاقها عام 1948، كرّست جهودها للعمل الإنساني ، حيث ساهمت في إنشاء مجالس لحقوق الإنسان، وعملت على لجان المصالحة في أفريقيا، وترأست لجنة الخبراء لإنشاء مراكز لتنمية المرأة.
كما توسطت لدى الرئيس المصري الراحل أنور السادات لنقل رفات الملك فاروق من حوش الباشا إلى مسجد الرفاعي بالقاهرة، وهو دور له أهمية تاريخية.

ناريمان صادق، الزوجة الثانية لفاروق، فكانت آخر ملكات مصر؛ حملت لقب ملكة مصر والسودان القرينة لمدة 14 شهرًا فقط قبل سقوط الملكية عام 1952 .


من الملكية للجمهورية..تغيّر النظام وتغيّر الدور

مع قيام الجمهورية، اختفى الدور السياسي تقريبًا لزوجات الرؤساء الأوائل.

السيدة عائشة لبيب، زوجة الرئيس محمد نجيب، لم تلعب أي دور سياسي معروف ، واكتفت بدورها "كربة منزل".

كذلك الحال بالنسبة للسيدة تحية كاظم، زوجة الرئيس جمال عبد الناصر التي لم تظهر سياسيًا، لكنها كانت سندًا كبيرًا لعبد الناصر في حياته الشخصية (كأم وزوجة) ، وداعمة له قبل قيام ثورة يوليو 1952.


برأيي، فقد كان هذا الغياب انعكاسًا لطبيعة المرحلة ، حيث حُظرَت الأحزاب و ترسّخ حكم الضباط الأحرار، وانشغلت الدولة ببناء وطن يتعافى من الاحتلال وأعباء الحقبة الملكية.
ويظهر ذلك في رفض الرئيس جمال عبد الناصر بأن تلقب زوجته بسيدة مصر الأولى معللاً ذلك بأن زوجته ليست أفضل المصريات علماً ولا وطنية حتى تنال تلك المكانة لمجرد كونها زوجة الرئيس.

في الوقت ذاته، كانت المرأة المصرية تخطو أولى خطواتها نحو نيل بعض حقوقها فكانت مجانية التعليم سبباً لزيادة نسبة تعليم الفتيات.
ومنحت المرأة حق الانتخاب والترشح عام 1956، كما شهدت هذه الفترة تعيين أول وزيرة مصرية، حكمت أبو زيد، وزيرة للشؤون الاجتماعية عام 1962.


وهكذا نرى أن حضور زوجات ملوك ورؤساء مصر لم يكن يومًا حضورًا شكليًا محضًا، ولا دورًا سياسيًا صريحًا، بل ظلّ يتحرّك دائمًا في تلك المساحة الرمادية بين التأثير الخفي والغياب المقصود.
لقد عكست أدوارهن تحوّلات مصر نفسها، من مملكة تبحث عن الاستقلال، إلى جمهورية تشقّ طريقها وسط تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية.

لكن ما عرضناه هنا ليس سوى نصف الحكاية.
فالدور الأكثر حضورًا ووضوحًا في ذاكرة المصريين سيتجلى لاحقًا مع السيدتين جيهان السادات وسوزان مبارك، ثم مع التحولات الكبرى التي شهدتها مصر بعد ثورة 2011 ،وهذا ما سنستكمله في الجزء الرابع من هذا المقال.