تقديم كتاب -الحجاب و النقاب: الجذورالنفسية و الانثروبولوجة-



إقبال الغربي
2025 / 12 / 1

الحجاب و النقاب: الجذورالنفسية و الانثروبولوجة

اقبال الغربي
دار شامة للنشر- تونس - 2025

يبين كتاب “الحجاب و النقاب -الاصول السيكولوجية و الانثروبولوجية “
ان موضوع الحجاب لا يزال يستدعي قراءات مبتكرة و مقاربات جديدة و متعددة الاختصاصات تاريخية و دينية و سياسية و نفسية تعيد الى السطح الرهانات الواعية و اللاواعية في هذه المعركة الاخيرة معركة
الحجاب و السفور .

تتسائل الكاتبة اقبال الغربي حول العوامل التي جعلت ظاهرة تحجيب النساء و نفي وجودهن في الفضاء العام تتنامى بعد ثورات الربيع العربي.

فعلى الرغم من مشاركة النساء الواسعة في الربيع العربي، انطلاقًا من تونس مرورًا بمصر وليبيا وصولًا إلى سوريا واليمن، إلا أن هذه الثورات والانتفاضات، مثلت انتكاسة لحقوق النساء، و مثلت خريفا يهدد مكاسبهن
الهشة ، وضيعت الأمل فيما كن يتطلعن لتحقيقه من تحرر وانعتاق و مساواة تامة ، و هذا حتى في دولة مثل تونس التي لديها مدونة احوال شخصية تقدمية فريدة في العالم العربي .
بل الادهى هو ان خطاب الحركات الاسلامية التي استولت على السلطة يروج ان حل كل التناقضات و تجاوز كل الصعوبات الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية و السياسية المتراكمة في العالم العربي يكمن في جسدية
المرأة اذ كان الهوس الجماعي هو فرض النقاب و الحجاب و تعميمه على كل النساء.

فمن المشروع اليوم ان نتمعن في اسباب فشل الثورات العربية و اجهاض نسائم الحرية التي وعدت بها .
اذ يضل السؤال المفتاحي لماذا انخرطت الحشود في هذه المشاريع التي تتمحور حول عداء المرأة و كراهيتها ؟
كيف تمكن اقصى اليمين الاسلامي من حشد الجماهير و التحكم فيها عبر اثارة اكثر الانفعالات بدائية و التلاعب بمخاوفها الطفولية من المرأة و من الانثوي الاثم و المتهم دائما ؟
ما هي الاليات السيكولوجية التي جعلت الدعاية ضد المرأة و التحريض عليها تشتغل بنجاعة و تجد لها صدى في اعماق النفسية الجماعية الاسلامية؟
هل جسد خطاب اقصى اليمين الاسلاموي استجابة لرغبات دفينة لهذا الحشود، والتي بينت "سيكولوجيا الجماهير" انها مستعدة دائمًا لأن تتقبل نير أية سلطة يكون بوسعها، ومن خلال تسلطها، تلبية حاجات لا شعورية و إرضاء دوافع لاعقلانية قابعة في أعماق النفس البشرية تعيد انتاج علاقات الطاعة والتبعية والخضوع المازوشي؟

لفك الغاز هذه المفارقات ولكشف اسرارها اعتمد الكتاب على مقاربتين :
مقاربة تاريخية انثروبولوجية
و مقاربة تحليلية نفسية.

المقاربة التاريخية بينت جذور و نشأة الحجاب عبر العصور و الدهور من الحضارات القديمة الاشورية و
لبابلية و الاغريقية و الرومانية الى وقع فرضه كتكليف ديني في التشريعات اليهودية و المسيحية و الاسلامية .
و قد كان الملك الاشوري تغلت فلاسير، الذي عاش سبعة عشر قرنا قبل ظهور الاسلام ،اول من فرض
الحجاب على بغايا المعابد اقتداء بالآلهة عشتار رمز الخصوبة و الانوثة و تشبها بها .
و بصفة عامة يبدو ان ظاهرة النقاب و الحجاب بدأت مع انتقال البشرية شيئاً فشيئاً من المجتمعات الأمومية
إلى المجتمعات الأبوية، و يبدو الحجاب كجزء من التاريخ الكوني للسيطرة الذكورية و هذا يعني أن وجوده
ارتبط بشكل وثيق بالإخضاع الجندري .

فالدراسات العابرة للتاريخ بينت ان الحجاب كان تقنية للرقابة و للهيمنة الذكورية و وسيلة لإخضاع المرأة
لسلطة الرجل المادية و الرمزية .
و يؤكد عالم الانثروبولوجيا كلود لفي شتراوس ان استقرار الهياكل الاجتماعية و اعادة انتاجها يفترض التحكم
في علاقات المصاهرة و بنى القرابة فيها ، فنشأة المجتمعات و انتاج الثقافة كان بفضل تحريم زواج المحارم و
اقرار التزاوج خارج العائلة.
و طالما كان الرجال هم الذين يحتفظون بالبنات و الاخوات ليبادلوهم مع بنات و اخوات رجال اجانب ينتمون
الى مجموعات اخرى كان من الضروري ضمان التحكم في اجساد و مصائر النساء عبر العصور .

و اخذ حجاب المرأة شرعية الاهية مع ظهور الاديان التوحيدية.

فسادت في العهد القديم فكرة ان ارتداء الحجاب امر الاهي جوهري فرض على المرأة اليهودية و المسيحية ،
فالتلمود اليهودي اعتبر تغطية راس المرأة واجبا كما اكد القس سان بول على وجوب وضع خمارا على راس المرأة كعلامة للخضوع و التبعية .
و قد وردت كلمتي حجاب و خمار في النص القرآني ضمن العديد من الآليات و لكن ليس بمعنى تغطية الشعر
و بقيت مسالة تحجيب النساء مسالة خلافية منذ فجر الاسلام .
هذا إضافة إلى أنّنا لا نجد في القرآن الكريم حدّا واحدا للمرأة غير المتحجبّة بل وردت قواعد في الحشمة والوقار ونهي عن إظهار مفاتن الجسد و تشيئه لا غير!


وقد رفضت بعض النساء المسلمات مؤسسة الحجاب منذ فجر الإسلام وذلك كفعل تمرد وانعتاق.
فهذه عائشة بنت الصحابي المبشر بالجنة طلحة بن عبد الله، حفيدة الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّديق وابنة أخت السيدة عائشة أم المؤمنين، ترفض أمر زوجها مصعب ابن الزبير لها بارتداء الحجاب لماذا؟ تجيب بثقة في النّفس لا حدود لها: "لأنّ الله تبارك وتعالى وسمني بميس من الجمال أحببت أن يراه النّاس ليعرفوا فضلى عليهم فما كنت لأستر به وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد". وقد قال فيها أبو هريرة متعجبا من حسنها وجمالها عندما رآها سافرة "سبحان الله كأنّها من حور العين". ويروي ابو الفرج الاصبهاني انها ردت على نظر شخص يدعى ابي الذئب وهي تطوف الكعبة بالقول:
من الاء لم يحجبن يبغين حسبة
ولكن ليقتلن البريء المغفلا
فرد عليها ابن أبي الذئب بالقول: "صان الله ذاك الوجه من النار!"
وهذه سكينة بنت الإمام الحسين شهيد كربلاء وسليلة البيت النبوي تعارض مؤسسة الحجاب بكل ازدراء وتطالب بحق الظهور بارزة. وبلغت الجرأة بحفيدة الرسول الكريم إلى ابتكار تسريحة شعر لقيت رواجا كبيرا وسميت بـ"الطرّة السكينية". ولم تكتفي سكينة بنت الحسين بالتمرد على مؤسسة الحجاب المادية بل خرّبت أيضا دلالاتها الرّمزية أي الفصل بجدار صيني بين الفضاء الذكوري والفضاء الأنثوي.
ففتحت صالونا أدبيّا في بيتها في المدينة المنوّرة التي كانت يومئذ عاصمة ثقافية ذرّت الغبار في وجه روما وأثينا. فاستقبلت الشعراء والرّواة والمطربين الذين كانوا يمكثون في ضيافتها أياما وليالي ومنهم المطرب البغدادي الشهير حنين النصراني. فكانت تطارحهم قصائد الغزل وتجادلهم في أشعارهم وقد قال فيها عمر ابن أبي ربيعة شعرا كثيرا. وكان ذلك معروفا مشهودا لم ينكره أحد من فقهاء المدينة السّبعة على سليلة البيت النبوي.
و تتالت عبر التاريخ الإسلامي معارك السفور و نزع الحجاب و حروب فرض النقاب و تحجيب النساء و ساد التكرار و إعادة انتاج البدايات الحزينة بدل التراكم و الابداع و التجاوز الايجابي.

القسم الثاني من الكتاب يدرس ظاهرة الحجاب و النقاب بمقاربة تحليلية نفسية.
و تتساءل الكاتبة ماذا تخفي كل هذه الرغبة الهاذية في تحجيب النساء؟
لماذا هذا الهوس إزاء جسد المرأة ؟ و ما هي معاني و رهانات وجه المرأة و شعرها شعوريا و لاشعوريا؟
في هذا الاطار يصبع الحجاب علامة و عرض مرضي يعكس تعطل و فشل المسارات النفسية المنظمة للتعايش بين الجنسين في ارض الإسلام .
فبالنسبة للتحليل النفسي تخضع النفسية الجمعية و النفسية الفردية الى نفس القوانين السيكولوجية و هما متولدتان من نفس الميكانزيمات ، فهناك اذن استمرارية و ليس قطيعة بين الفردي و الجماعي .
فبعض الظواهر العصابية لا تفسر الا اذا ربطناها بإرث نفسي أي بتجارب أجيال سابقة . فالانفعالات و التوترات النفسية التي لم تعشها الأجيال الأولى بصورة واعية تنتقل الى الأجيال الموالية و ترتد و تتداعى على الافراد و تنتج لديهم اضطرابات نفسية و جسدية . فكل ما يؤلم يبقى صامتا و غير مصرح به ما لم يتحرر الفرد من اشباح الماض السحيق و يضعها كموضوع للدراسة و الفهم و التعقل .

و هذا ما يسميه علم النفس "الصدمة النفسية لعابرة للأجيال " أي الانتقال اللاواعي للتجارب المؤلمة الى الاجيال اللاحقة حيث نجد الافراد من الاجيال التالية يظهرون نفس الاعراض الصدمة دون ان يختبروا
الصدمة بأنفسهم اذ يقع تمرير هذه الذكريات المؤلمة المنتقلة و المتتالية وراثيا اليهم عن طريق اليات لاشعورية و سياقات علائقية معروفة .
و في هذا الاطار تبرز من خلال الهوس بالمرأة و بشعرها محطات تاريخية انتجت قلقا و وجعا جماعيا لا يطاق نذكر منها :
الانثوي المرغوب و المرهوب في الإسلام ،حدث الآيات الشيطانية و تأجيج ذكرى الالهة الانثوية ربات الطاقة الحياتية عند العرب القدامى ، عقدة عائشة و صدمة الفتنة الكبرى و تشتت الامة الواحدة و الحداد الذي لم يقع
تجاوزه ، رمزية الشعر الانثوي الشيطاني ، مفارقات المتعة الجنسية و تهديد الذوبان في الثقافة الإسلامية الخ . . .

فهذه الدراسة تنقب في المسكوت عنه و في الامفكر فيه في الثقافة العربية الإسلامية لان الحجاب يستثير هذه المنطقة التي يدرسها التحليل النفسي عبر حيل و اليات الرغبات المكبوتة و التخيلات المنفلتة و الاعراض
السقيمة وهي اللاشعور الإسلامي .
و يمكن لهذا التقصي كشف الماضي و اشباحه و استدعائه من جديد للاعتراف به و تحويله من الممارسة الخام الى الممارسة الرمزية و من اللامعقول الى المعقول و ذلك لفتح إمكانيات
المصالحة والتحرر والانعتاق .