|
|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |

عماد حسب الرسول الطيب
!--a>
2025 / 12 / 4
1. العنف الجنسي أداة طبقية: اغتصاب البروليتاريا في حرب البرجوازية العسكرية بالسودان
تمثل السيطرة على جسد المرأة في السودان أداة لإعادة إنتاج الهيمنة الطبقية، والاغتراب الاجتماعي، والفائض للقهر؛ حيث أن جسد الحرب في السودان هو موقع إنتاج عنف مركب يفرضه جهاز الدولة الميليشياوي بدعم من الرأسمالية الطفيلية والبنية الذكورية.
إن الاغتصاب في حرب السودان ليس جريمة أخلاقية بل هو شكل متطور من أشكال القمع الطبقي؛ فعندما تغتصب ميليشيات الرأسمالية العسكرية جسد عاملة أو فلاحة في دارفور أو الخرطوم، فإنها تمارس أشد أشكال السيطرة المادية على القوة المنتجة الأكثر استغلالاً في المجتمع. هذا العنف هو تعبير عنفواني عن علاقات الإنتاج المتعفنة التي تحوّل الجسد الأنثوي للطبقة العاملة إلى سلعة قابلة للاستباحة، تماماً كما تحوّل قوة عملها إلى سلعة في السوق. يتشكل هذا العنف من التقاء منطقين متوازيين يعملان بوصفهما وجهين لآلة واحدة: منطق القمع الطبقي الذي تمارسه البرجوازية العسكرية عبر ميليشياتها، ومنطق الحرب على الجسد الذي يستخدم المرأة بوصفها نقطة دخول لتفكيك الجماعة وضرب القدرة على المقاومة.
لم يكن اقتحام المسلحين لدار "أم كلثوم" في الفاشر حدثاً عشوائياً، بل تجسيداً لإستراتيجية ممنهجة، إذ أن العنف موجّه إلى جسد المرأة باعتباره أداة لتفكيك الجماعة وضرب النسيج الاجتماعي. يجب فهم هذا العنف من خلال التحليل المادي للصراع الطبقي السوداني، فالميليشيات المسلحة ليست مجرد عصابات إجرامية، بل هي أدوات عنف للبرجوازية الطفيلية والعسكرية في صراعها على فائض القيمة المستخرج من النهب والاحتكار. يشتغل العنف هنا كأداة إستراتيجية تهدف إلى تفكيك الجماعة ومنع تشكل وعي طبقي مستقل. الاعتداءات هنا سياسة حربية هدفها إعادة تشكيل القوة الاجتماعية وتحطيم القدرة على المقاومة الجماعية، كما تؤكد جاكي أوري، حيث يُستخدم جسد المرأة لضمان النزوح القسري.
جسد المرأة العاملة هنا يصبح ساحة معركة لأن احتلاله يعني كسر إرادة الطبقة المستغَلة في منطقة ما، وتفكيك قدرتها على التنظيم، كما أن الاغتصاب الجماعي في الفاشر والحصاحيصا ليس سوى الشكل الوحشي لسياسة "فرّق تسد" التي تمارسها البرجوازية ضد البروليتاريا والفلاحين. هذا العنف ينتج عزلة اجتماعية، ويقطع الروابط التي تمثل أساس التنظيم الممكن للطبقة العاملة والفلاحين، ويعيد إنتاج الاغتراب عبر إذلال جماعي يطال النساء بوصفهن نواة إعادة إنتاج القوة العاملة. يتجلى جوهر السياسة الطبقية في أن الاعتداء يصبح سلاحاً لكسر الإرادة الجمعية، وتعويم اليأس، ومنع تبلور أي شكل من أشكال المقاومة المنظمة.
العنف الميداني يمتد ليشمل اقتصاد الحرب، حيث يتحول الجسد إلى سلعة في شبكات الابتزاز والاتجار التي تمارسها الميليشيات، وهو بذلك جزء من تراكم رأس المال الطفيلي عبر القهر والتشييء. ترتبط هذه الممارسات بالبنية الاقتصادية لحرب النهب. تتحول أجساد النساء إلى جزء من اقتصاد الحرب عبر شبكات الابتزاز والاتجار التي تسيطر عليها الميليشيات، بما يجعل الاغتصاب نفسه عملية تراكم أولي لرأس المال الطفيلي. يؤدي النزوح الناتج عن هذا العنف إلى خلق جيش من العمالة الرخيصة والمهمشة، كما تشير تقارير المنظمات الإنسانية، فتغدو المرأة المغتَصَبة أداة لإنتاج بروليتاريا مكسورة يسهل استغلالها في سوق العمل الحربي الهامشي.
التقارير الأممية التي تتحدث عن "عنف منهجي" تخفي جوهره الطبقي، فالمنهجية هنا تنبع من حاجة البرجوازية العسكرية إلى خلق رعب دائم يحول دون تشكل الوعي الطبقي المستقل. إنه عنف مصمم لإنتاج العزل واليأس، وقطع أوصال الجماعة العمالية والفلاحية عبر ضرب نواتها الاجتماعية الأكثر حيوية: النساء المنتجات والمُعيدات لإنتاج القوة العاملة. تلك السياسة تخدم أهدافاً اقتصادية مباشرة، فالنزوح القسري الناتج عن العنف الجنسي يخلق سوقاً جديدة من العمالة الرخيصة والمشردة في المدن الشرقية، كما يكشف تقرير المجلس النرويجي للاجئين. تتلاقى السيطرة على الجسد مع السيطرة على العمل في دائرة واحدة من الاستغلال، حيث يُعاد إنتاج الفقر والقهر عبر آليات جنسية واقتصادية متشابكة.
الجسد المُغتَصب يصبح أداة لخلق بروليتاريا مهشمة ومذعورة، سهلة الاستغلال في اقتصاد الحرب الهامشي، وهكذا يلتقي القمع الجنسي مع القمع الاقتصادي في دائرة واحدة من الاستغلال الرأسمالي. النزوح من المدن المحترقة إلى المخيمات يضيف بعداً آخر للعنف، فالمخيمات فضاءات يُعاد فيها إنتاج الهيمنة، حيث يلتقي الخوف مع الجوع وانهيار النظام الصحي لتكرار تجربة السيطرة على الحياة اليومية. يمتد العنف ليشمل المخيمات التي تتحول إلى فضاءات لإعادة إنتاج السيطرة، حيث يجتمع الجوع وانهيار النظام الصحي والخوف المتواصل في آلية تقيد الحياة اليومية، وتحوّل النزوح إلى بيئة دائمة للهيمنة.
مقاومة النساء لهذا العنف هي في جوهرها فعل طبقي، فعندما ترفض الناجية الصمت، أو عندما تنظم القابلات العاملات خدمات صحية تحت القصف، فهن يمارسن شكلاً من أشكال النضال الطبقي ضد آلة القمع البرجوازية. مع ذلك تتشكل مقاومة صامتة من داخل هذا الخراب. تبدأ المقاومة من صمود الناجيات اللواتي يكسرن الصمت رغم الخطر، وتمتد إلى العاملات في الصحة والقابلات والناشطات اللواتي يفتحن خطوط دعم تحت القصف. صمتهن المكسور هو بداية تكسير أداة من أدوات الهيمنة، ويظهر الجسد مقاومة مستمرة، تبدأ من صمود الناجيات اللواتي يوثقن شهاداتهن، وتمتد إلى الأطباء والناشطات اللواتي يخاطرن بحياتهن لتقديم الدعم، مكوِّنات بذلك شبكة مقاومة صامتة تواجه آلة الحرب.
لا يمكن فصل هذه المعركة عن الصراع الطبقي العام، فالدفاع عن جسد المرأة العاملة يتطلب تنظيمها في نقابات ومجالس طبقية، وربط مقاومة الاغتصاب بمقاومة استغلال العمل ونهب الثروات. يتخذ الرفض النسوي لهذا العنف شكلاً طبقياً مباشراً لأن حماية الجسد ليست منفصلة عن تحرير قوة العمل. تمثل كل محاولة لتنظيم النساء في شبكات للدعم أو خدمة طبية أو توثيق للمجازر خطوة في اتجاه كسر منطق البرجوازية العسكرية. تصبح معركة الجسد امتداداً لمعركة العمل، ومعركة المخيم امتداداً لمعركة المصنع والمزرعة. يستحيل فصل مقاومة الاغتصاب عن المقاومة ضد نهب الثروات واستغلال العمال، لأن العنفين يصدران عن منبع واحد هو هيمنة الطبقة المسيطرة.
أي حل إصلاحي أو حقوقي منفصل عن هذه المعركة الطبقية هو خيانة للقضية، فكما قالت المناضلة الماركسية ألكسندرا كولونتاي: "لا يمكن تحرر المرأة بدون تحرر الطبقة العاملة، ولا يمكن تحرر الطبقة العاملة بدون تحرر المرأة". يتضح أن الحرب على جسد المرأة السودانية تمثل الشكل الأكثر دموية للصراع الطبقي. يستخدم جهاز الدولة الميليشياوي هذا العنف لفرض إعادة تشكيل اجتماعية واقتصادية تخدم مصالح البرجوازية الطفيلية وتضمن استمرار تدفق فائض القيمة عبر آليات القهر.
العنف الجنسي في السودان يثبت هذه الأطروحة بوحشية، فاستباحة أجساد النساء هي الوجه الأكثر دموية لاستباحة ثروات الشعب، وتوضح مقاومة الجسد، بصمود النساء، أن التحرر يبدأ من إعادة بناء القدرة على إنتاج الحياة ومقاومة المنطق الطبقي للحرب. ترد النساء على هذا العنف بإعادة بناء القدرة على إنتاج الحياة ومواجهة منطق الحرب، وبتحويل الذاكرة إلى سلاح وتنظيم الصمود إلى قاعدة للنضال. كما قال ماركس: “الإنسان يصنع وجوده عبر العمل، والعمل يعكس صراعه الطبقي”.
النضال مستمر،،
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
|
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|