بين بنت تُعاد خلال أيام… وأخرى تُسلَّم للخاطف: لماذا تتعامل الدولة مع الأقباط بمكيالين؟



مجدي جورج
2025 / 12 / 6

اولا تُجمع العائلات المصرية، مسيحية كانت أو مسلمة، على خطوة واحدة عندما تختفي إحدى فتياتها: التوجه فورًا إلى قسم الشرطة وتحرير محضر تغيب، ثم نشر مناشدات عبر الإنترنت أملاً في العثور على الابنة المفقودة. فالدولة، بأجهزتها الأمنية، هي الجهة المنوط بها حماية المواطنين وإعادة الحقوق إليهم، وهذه مسؤولية ثابتة لا خلاف عليها.

ثانيا لكن ما تكشفه الوقائع على الأرض يطرح سؤالاً كبيرًا: هل تتعامل الشرطة المصرية بالقدر نفسه من الحزم والجدية مع كل حالات الاختفاء… أم أن هناك تمييزًا واضحًا عندما تكون الفتاة المختفية قبطية .

ثالثا سيلفانا عاطف…قاصر ومريضة ومع ذلك تُسلَّم للخاطف
ففي نهاية أكتوبر الماضي، اختفت الفتاة القاصر سيلفانا عاطف، ذات السبعة عشر عامًا، والتي تعاني من فرط الحركة والقصور الذهني، ولا يتجاوز نضجها العقلي مستوى طفلة في الثامنة.
خلال ساعات، لجأ أهلها إلى الشرطة، وحرروا محضرًا، ونشروا مناشدات، وطرقوا كل الأبواب. لكن ما حدث داخل قسم شرطة طامية بالفيوم كان صادمًا:
الشرطة سلمت الفتاة إلى خاطفها وأهله بعد أن حاصر هؤلاء القسم حاملين العصي والسلاح لترهيب أسرة الفتاة.
وحتى لحظة كتابة هذا المقال، لا تزال سيلفانا محتجزة لدى خاطفيها رغم مرضها وقصورها الذهني .

رابعا ليست حالة فردية… بل نمط مستمر منذ سنوات
ما جرى مع سيلفانا جرى مع آلاف الفتيات القبطيات عبر السنوات. السيناريو واحد تقريبًا مع تغيّر الأسماء والتفاصيل:
• اختفاء فجائي
• بطء أو تجاهل من الشرطة
• ضغوط من أهل الخاطف
• حماية للخاطفين
• ضغط على الأسرة القبطية
• وفي النهاية: فتاة قاصر يتم إخراجها من حضن أهلها
هذه الوقائع شكا منها الأقباط مرارًا، كما شكت الكنيسة رسميًا من البابا إلى الأساقفة والكهنة. ومع ذلك تستمر الأجهزة الرسمية في التغاضي أو التواطؤ أو الإنكار..

خامسا فتاة مسلمة تختفي… فتتحرك الدولة وتعيدها خلال أيام
في المقابل، عندما اختفت فتاة مسلمة مؤخرًا، لم تمضِ أيام قليلة حتى نجحت الشرطة في تحديد مكانها وإعادتها إلى أسرتها. وهذا جهد مشكور ومستحق.

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=1853877548714549&set=a.1152391658863145&type=3
لكن السؤال هنا ليس عن نجاح الشرطة… بل عن عدم تطبيق هذا النجاح على الجميع.
لماذا تستطيع الأجهزة الأمنية إعادة فتاة مسلمة في أيام، بينما تعجز — أو تمتنع — عن إعادة فتاة قبطية رغم الأدلة الكاملة التي يقدمها أهلها؟

سادسا الدولة قادرة… بدليل واقعة رنا الشاذلي
ليست الشرطة المصرية عاجزة.
على العكس… هي تمتلك إمكانيات ضخمة، وتستطيع الوصول لأي فتاة داخل مصر أو خارجها إن أرادت ذلك.
وخير مثال علي ذلك في عام 2014 أعادت الشرطة والمخابرات رنا الشاذلي إلى مصر بعد أن خرجت من البلاد لمدة 16 شهرًا بكامل إرادتها عندما أحبت زميلها القبطي. بل تم اعتقال أسرته –والده ووالدته وعمه –لأكثر من ستة أشهر للضغط عليه وعودته او أعادتها من خارج البلاد ، رغم أنها كانت بالغة وعاقلة ورحلت بإرادتها.
والتفاصل هنا
https://www.elbalad.news/995435
وفي الوقت نفسه، تُهمل الشرطة بلاغات الأقباط حتى عندما يذهبون إليها بأرقام هواتف الخاطف، وتسجيلات الكاميرات، ومسار هروب الابنة… أي أدلة جاهزة على طبق من ذهب. ومع ذلك كثيرًا ما تُهمَل هذه الأدلة… أو تُدمَّر.
سابعا عندما نقول إن هناك كيل بمكيالين، وإن هناك تواطؤًا وغض طرف وتمييزًا واضحًا في التعامل مع اختفاء الفتيات القبطيات، فنحن لا نتجنى.
الوقائع تثبت، يومًا بعد يوم، أن:
الدولة تملك القدرة على إعادة كل بنت قبطية ولكنها لا تملك الإرادة لفعل ذلك وهنا تكمن الكارثة.
المطلوب ليس معاملة خاصة للأقباط، بل معاملة عادلة.
المطلوب ليس تغييرًا في القانون، بل تغييرًا في تطبيق القانون.
المطلوب ليس مجاملة لفئة، بل حماية لكل المصريين بلا تمييز.
حتى ذلك الحين، ستظل مأساة سيلفانا — ومآسي آلاف الفتيات القبطيات قبلها — شاهدة على خلل خطير في منظومة العدالة… خلل يدفع ثمنه أطفال بريئون وأسر مكلومة.