حقا.. جرائم الشرف بلا شرف



مشتاق الربيعي
2025 / 12 / 12

لمم تعد قصص قتل الفتيات تحت ما يُسمّى بـ“جرائم الشرف” مجرد أحداث عابرة، بل تحوّلت إلى نزيف مستمر يصيب المجتمع في قلبه، وينتهك ذاكرته وإنسانيته. كيف يمكن لشيءٍ يُسمّى شرفًا أن يبدأ بسفك دم بريء وينتهي بجريمة مكتملة الأركان؟

الشرف الحقيقي لا يُقاس بالدم، ولا يُثبت بالقوة، ولا يُغسل بقتل فتاة لا حول لها ولا قوة. الشرف يُقاس بالأخلاق، بالنبل، بحماية الضعيف، وبالقدرة على احتضان الخطأ لا دفنه مع صاحبه. أما ما يجري اليوم فهو انحدار للإنسانية، وإفراغ لكلمة “شرف” من معناها حتى أصبحت غطاءً لجرائم لا تمتّ إلى الشرف بصلة.

فمن منا لم يقع في العشق؟
من منا لم يتعثّر بقلبه في لحظة من لحظات العمر؟
العشق ليس خطأ، ولا خطيئة، ولا خروجًا عن الإنسانية.
بل هو أرقى المشاعر التي جعلها الرب فينا وجعلها جزءًا من طبيعتنا، وهو دليل حياة لا يمكن دفنه تحت ركام الجهل والتقاليد البالية.
ولذلك فإن الحب ليس حرامًا… وليس أمرًا معيبًا على الإطلاق.
إنه شعور يولد مع الإنسان، ولا يموت إلا بموته، فكيف يتحوّل إلى سبب لإزهاق روح بريئة؟

المشكلة ليست في العشق، بل في مجتمع ما زال ينظر إلى الأنثى وكأنها كيان هشّ يجب التحكم به، أو كملكية خاصة يجب حراستها بعين الشك والريبة. مجتمع تُفرض عليه الأعراف أكثر مما تُفرض عليه القوانين، وتُحاكم فيه المرأة بأقسى الأحكام بينما يُعفى الرجل ويُغفر له تحت ذريعة “رجولته”.
أي عدالة هذه؟
وأي ميزان مختل يزن الأرواح بهذا الشكل؟

ما يُسمّى “جرائم الشرف” هو في الحقيقة قتل خارج القانون، قتل نابع من جهل وتسلّط، وليس له علاقة بأي قيمة إنسانية أو دينية أو أخلاقية.
الدين بريء من سفك الدم بغير حق، والأخلاق بريئة من الظلم والقسوة، والإنسانية بريئة من كل من يرفع سكينه على فتاة ضعيفة ويزعم أنه يحمي بها شرفه.

لقد آن للدولة أن تتوقف عن مجاملة الأعراف التي تتستر خلفها هذه الجرائم.
آن للقانون أن يتقدم خطوة إلى الأمام، وأن يضع حدًا صارمًا وحازمًا لهذه الممارسات التي لا تدمّر الضحية فحسب، بل تدمر عائلة كاملة ومجتمعًا بأسره.
لا دولة قوية بوجود أعراف تقتل، ولا مجتمع يرتقي إذا بقيت المرأة فيه تحت تهديد الموت كلما خالفت مزاج أحدهم.

إننا بحاجة إلى ثورة وعي قبل ثورة قانون، وإلى تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة لا باعتبارها مصدر عار، بل باعتبارها إنسانة كاملة الحقوق والكرامة، لها قلب يخفق، ولها روح تحب، ولها حق في الاختيار والعيش بلا خوف.

العشق ليس جريمة…
والحب ليس عارًا…
والأنثى ليست بوابة للعار ولا قنبلة موقوتة بين يدي الرجل، بل هي إنسانة، قبل كل شيء وبعد كل شيء.

ومن لم يعرف معنى الحب، ولم تتأثر روحه بمشاعر صادقة، فهو لم يعرف معنى الإنسانية بعد، مهما ادّعى الشرف