عروس المنوفية: جريمة تكشف أوضاع النساء في مصر



علا مجد الدين عبد النور
2025 / 12 / 14

لم تكن قصة مقتل عروس المنوفية مجرد واقعة عنف عابرة ضمن سجل طويل من الجرائم ضد النساء في مصر، بل حملت تفاصيل كاشفة عن بنية اجتماعية مثقلة بأفكار وموروثات لا تنتج – بطبيعتها – سوى القهر والعنف.

بداية القصة

حين جاء «أيمن» – واسمه الحقيقي جمال بحيري – لخطبتها، وافقت الأسرة بعد ترشيح إحدى القريبات لهذا الزواج. وُصف الشاب بأنه «محترم»، لا يدخن ولا يتعاطى شيئًا، يعمل سائقًا على سيارة نقل ثقيل، يملك بيتًا، وله والدة فقدت ابنًا من قبل. بدا المشهد هادئًا، أقرب إلى زواج صالونات تقليدي يمر بلا تعقيدات.

استمرت الخطبة نحو عشرة أشهر، ولم تظهر خلالها – بحسب الأم – أي إشارة تنذر بما سيحدث لاحقًا. كانت الزيارات متباعدة كل ثلاثة أو أربعة أسابيع، ولم تُبدِ «كريمة» أي شكوى أو ملاحظة سلبية.

من الزفاف إلى العزلة

في صباح اليوم التالي للزفاف، اتصلت العروس بوالدتها في الثامنة صباحًا: «يا ماما، أنا بصحى بدري أعمل فطار… حماتي صحتني من النوم». ثم أضافت أنهم طلبوا منها إعداد «محشي» بعد الإفطار مباشرة. حاولت الأم تهدئتها بعبارة معتادة: «كل بيت وله طبعه».

لكن ما بدا عابرًا كان في حقيقته بداية العزلة. إذ منع الزوج زوجته من استخدام هاتفها، وجعل التواصل مع أهلها عبر هاتفه هو فقط، وبوضع مكبر الصوت ليكون حاضرًا ومستمعًا. تقول الأم: «كنت فاكرة إنه ضغط الأيام الأولى، وقلت لنفسي استحملي يا بنتي لحد ما الدنيا تهدأ».

النزيف… ثم الضرب

بعد يومين فقط، بدأت الشكوى الحقيقية. كانت «كريمة» تنزف، وتخبر والدتها أن أهل الزوج يرفضون الذهاب بها إلى طبيب «لأن مفيش فلوس». استمرت حالتها أسبوعًا كاملًا، ازدادت خلالها المكالمات ألمًا، حتى قالت باكية: «يا ماما أنا مش قادرة ألاحق أغير هدومي من كتر النزيف».

هنا تحركت الأسرة، وذهبت لإحضار الابنة التي كانت حالتها الصحية متدهورة، ونُقلت إلى بيت أهلها لتلقي العلاج لمدة أسبوع كامل.

بعد تحسن حالتها، حضر أهل الزوج ومعهم أحد وجهاء القرية لعقد جلسة صلح. انتهت الجلسة بعودتها إلى بيت زوجها. لكن بعد شهر واحد فقط، ظهرت ملامح جديدة وأكثر وضوحًا للعنف.

كانت «كريمة» تخبر والدتها بأنها تتعرض للضرب بسبب رفضها تنفيذ طلبات متكررة طوال اليوم، رغم إنهاكها وضعفها الجسدي. تقول الأم ناقلة عنها: «كان يقول لها: لو مش عايزاني، هضربك لحد ما تعرفي إنك مراتي».

اعتراف القاتل

أقر الزوج أمام النيابة قائلًا: «ضربتها لحد ما ماتت». وكشف تقرير الطب الشرعي عن تعرض المجني عليها لأكثر من 22 ضربة قوية ومتتالية بالقدم في منطقة القفص الصدري، ما أدى إلى كسر إحدى عظام الصدر، وحدوث نزيف في الرئتين، وتوقف عضلة القلب.

ما وراء الجريمة

قصة عروس المنوفية مثال صارخ على أوضاع النساء في البيئات البسيطة والريفية في مصر، حيث يُنظر إلى الفتاة باعتبارها «عورة» خُلقت للزواج الذي «يسترها». وكأن المرأة بدون زواج تصبح «مفضوحة»، لا كيان لها ولا قيمة.

ومن أجل التخلص من عبء الإنفاق على البنات، تتعجل بعض الأسر تزويجهن لأول طارق على بابها، دون تحرٍ حقيقي عن الرجل أو بيئته أو سلوكه، ودون سؤال المحيطين به – القريبين والبعيدين – كما كانت تفعل الأسر قديمًا.

ما تعرضت له القتيلة في أيام زواجها الأولى، خاصة مسألة النزيف، يكشف أيضًا حجم الجهل – لدى النساء والرجال – بالثقافة الجنسية، تلك الثقافة التي تُحرّم على الفتيات بدعوى «العيب»، بينما تُباح للرجال في صور مشوهة، غالبًا غير سوية.

وقد يكون عنف الزوج في بداية الزواج نابعًا من فكرة شائعة مثل «ذبح القطة»، وهو تعبير شعبي يعني أن على الرجل فرض قوته وسيطرته منذ البداية، حتى يخيف زوجته ويضمن طاعتها الدائمة.

في هذا التصور، تُختزل الزوجة في كونها أداة جنسية، وخادمة، وملكية خالصة للزوج وأسرته. يُنظر إليها ككائن لا يملك حق الرفض أو الاعتراض، ولا حق الموافقة أصلًا.

تربية الذكور… جوهر الأزمة

يجب أن تدرك كل أم أنها لم تنل شرفًا بإنجاب ذكر لمجرد كونه ذكرًا. الشرف الحقيقي أن تُربي هذا الذكر ليصبح رجلًا بالمعنى العميق: إنسانًا رحيمًا، قادرًا على تحمل المسؤولية، واحتواء أسرته، وزوجته التي تراه أبًا وابنًا وحبيبًا.

نخجل من التثقيف الجنسي ومن طرح الأسئلة، لكننا لا نخجل من انتشار إدمان الإباحية، التي تخلق عالمًا خياليًا مريضًا، يبيح العنف والعلاقات الشاذة، ويشوّه واحدة من أسمى العلاقات الإنسانية حين تُمارس بصورة صحية وبرضا الطرفين.

الزواج ليس مكافأة

اعترف شقيق القاتل في النيابة بأن أخاه كان يتعاطى المخدرات، وأنه وعده بتزويجه إذا أقلع عنها. وهو ما يكشف نظرة قاصرة للزواج باعتباره مكافأة أو متعة جنسية، لا مشروع حياة قائم على مسؤوليات مستمرة، يجب أن يكون المقبل عليه قادرًا على تحملها.

عن آية الضرب

يبقى السؤال المؤلم: لماذا يُصر بعض الشيوخ وعلماء الدين على تبرير ضرب الزوجة، استنادًا إلى آية قرآنية، بينما توجد حدود شرعية أخرى – كالرجم وقطع يد السارق – لا تُطبق؟

عدم تطبيق هذه الحدود ليس إنكارًا لأصلها، بل اجتهاد فقهي يغلّب مقاصد الشريعة في الرحمة والستر، ويضع شروطًا شبه مستحيلة للإثبات. فلماذا لا تُضم آية الضرب إلى هذا السياق الاجتهادي نفسه؟

لقد أدى الفهم الخاطئ لهذه الآية إلى شرعنة العنف ضد النساء، وتحوله – مع الوقت – من ضرب «تأديبي» مزعوم إلى جرائم قتل مكتملة الأركان.