|
|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |

عماد حسب الرسول الطيب
!--a>
2025 / 12 / 14
تتحول "مشاركة المرأة" في مسارات السلام السودانية إلى أداة طبقية تخفي التهميش الحقيقي للنساء العاملات والفلاحات، بينما تكرس هيمنة نخبة نسوية برجوازية تتبنى خطاباً منفصلاً عن الواقع الطبقي للحرب. تُستدعى هذه النخبة إلى طاولات التفاوض والمؤتمرات الدولية لا كمنتجات لحراك جماهيري، بل كـ "خبيرات" و"ممثلات" يقدمن صورة مزيفة عن "المرأة السودانية"، بينما تُقصى النساء اللواتي ينتجن الحياة اليومية في المخيمات والحقول. هذا التحول ليس خطأ تنظيمياً، بل هو وظيفة طبقية للبرجوازية العسكرية والإمبريالية، التي تبحث عن شركاء قادرين على إدارة النظام القائم بلغة "المساواة الجندرية"، دون المساس باقتصاد الحرب أو علاقات الملكية.
تعمل النسوية البرجوازية عبر فصل "قضايا المرأة" عن الصراع الطبقي. فبدلاً من ربط العنف الجنسي باقتصاد النهب، كما وضحنا في المقالين الأول والرابع، تُختزل هذه القضية إلى مشكلة "حماية" تحتاج إلى قوانين ومؤسسات، دون مساءلة النظام الاقتصادي الذي ينتج العنف. وبدلاً من ربط عمل النساء غير المأجور في المخيمات، كما حللنا في المقالين الثاني والثالث، بالاستغلال الرأسمالي، يُقدم هذا العمل كمظهر من مظاهر "الصمود" و"التكيف"، يُمكن تدعيمه بمشاريع صغيرة لا تغير البنية. هذا الفصل هو أداة إيديولوجية تخدم البرجوازية العسكرية، لأنها تحوّل المطالب الجذرية إلى إصلاحات إدارية، وتُبقي النساء الفقيرات خارج دائرة القرار.
يُظهر تمثيل النساء في مفاوضات السلام هذه الآلية بوضوح. فالمشاركات غالباً ما ينتمين إلى النخبة الحضرية، المتعلمة في الغرب، العاملات في المنظمات الدولية أو الحكومية. خطابهن يتحدث عن "الكوتا" و"التوازن الجندري" و"التمكين الاقتصادي"، لكنه يتجنب الحديث عن تفكيك اقتصاد الحرب، أو توزيع الثروة، أو محاسبة الميليشيات على النهب والعنف الجنسي. هذا الخطاب مقبول دولياً لأنه لا يهدد المصالح الاقتصادية، ومقبول محلياً من البرجوازية العسكرية لأنه يُقدم لها شركاء جدداً في إدارة الدولة ما بعد الحرب، دون تغيير جوهرها الطبقي.
تقوم هذه النسوية البرجوازية على استعارة اللغة الثورية لتجريدها من محتواها الطبقي. فكلمات مثل "التمكين" و"المقاومة" و"العدالة" تُفرغ من معناها الجذري وتحول إلى شعارات في مشاريع تمويلية. النساء اللواتي ناضلن في لجان المقاومة خلال الانتفاضة، واللواتي ينظمن شبكات التضامن في المخيمات اليوم، يُستبعدن لأن خطابهن يتحدى التسوية الطبقية، ولأن مطالبهن المباشرة (إعادة الأراضي المصادرة، محاكمة المجرمين، توفير الخدمات مجاناً) تهدد مصالح النخب. وهكذا تُصنع "نسوية رسمية" تكون امتداداً للدولة وليس تحدياً لها.
يخدم هذا النموذج المصالح الإمبريالية أيضاً. فالمنظمات الدولية والجهات المانحة تفضل التعامل مع "شريكات" يتحدثن بلغة "المشاريع" و"المؤشرات" و"النواتج"، ويمكن إدراجهن في خطط "إعادة الإعمار" التي تحول الأزمة إلى سوق استثمارات جديدة. تُموَّل مؤتمرات "المرأة والسلام والأمن" وتُنتج تقارير تُترجم إلى لغات أجنبية، بينما تُهمَّش التجارب الحية للنساء في دارفور وكردفان. هذه استعارة جديدة تُدار من مراكز القوى الرأسمالية، حيث تُصبح معاناة النساء السودانيات مادة لصناعة "الخبرة" و"الاستشارات"، بينما تبقى النساء أنفسهن بدون خبز أو دواء.
تتجلى كارثية هذا النموذج في كيفية تعامله مع العنف الجنسي. فبدلاً من ربطه بالسياق الاقتصادي والعسكري، كما فعلنا في التحليل السابق، يُختزل إلى "انتهاك لحقوق الإنسان" يحتاج إلى "آليات إبلاغ" و"دعم نفسي". هذا التبسيط يفصل الجريمة عن المجرم، ويحول الانتباه عن الميليشيات التي تمارس العنف كسياسة منهجية، إلى "المجتمع" و"الثقافة" و"الأعراف". النخبة النسوية البرجوازية تتحدث عن "مكافحة الوصمة" و"دعم الناجيات"، لكنها لا تتحدث عن مصادرة أسلحة الميليشيات أو تدمير اقتصاد الحرب، لأن ذلك يمس مصالح الطبقة التي تمثلها وتحتمي بها.
لكن المقاومة الحقيقية تأتي من الأسفل. ففي المخيمات والمناطق الريفية، تبني النساء أشكالاً تنظيمية ترفض هذا النموذج. مجموعات مثل "نساء دارفور للعدالة" لا تطالب فقط بمحاكمة المجرمين، بل تربط العدالة بإعادة الأراضي والموارد. لجان المقاومة في الأحياء الشعبية لا تطالب فقط بـ "تمثيل النساء"، بل تطالب بتغيير نظام الحكم. التعاونيات النسوية في الريف لا تطلب "قروضاً صغيرة"، بل تطالب بإصلاح زراعي يعيد الأرض لمن يزرعها. هذه الحركات تُعيد ربط النسوية بالطبقة، وتذكرنا أن تحرر المرأة لا يكون إلا بتحرر جميع المقهورين من نير الرأسمالية والعسكرة.
النسوية البرجوازية هي عدو داخل الحركة النسوية، لأنها تقدم تحرر النساء كمسألة شكلية (تمثيل، كوتا، لغة) بينما تحافظ على البنى الطبقية التي تنتج القمع. مهمة الحركة النسوية الطبقية هي فضح هذه الوظيفة الطبقية، وبناء تحالفات مع النساء العاملات والفلاحات، ورفض أي تسوية تفصل بين تحرر المرأة وتحطيم النظام الرأسمالي العسكري. كما كتبت المناضلة الماركسية كلارا زيتكين: "لا يمكن فصل نضال المرأة العاملة من أجل تحررها عن النضال العام للبروليتاريا". في السودان اليوم، هذه الحقيقة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى: فإما نسوية طبقية تقود معركة التحرر الكبرى، وإما نسوية برجوازية تُزيّن قيود النظام الجديد.
النضال مستمر،،
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
|
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|