|
|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |

حسن مدبولى
!--a>
2025 / 12 / 15
في زمنٍ كان خروج المرأة فيه إلى المجال العام أشبه بمجازفة كبرى، وقفت وداد متري أنطون كمنارة تتحدى قيود عصرها، وتشقّ بمصباحها دروبًا لم تكن قد رُسمت بعد في وجدان مصر الحديثة. وُلدت في حي شبرا بالقاهرة في التاسع من أكتوبر عام 1927، ورحلت عن عالمنا في الثامن عشر من يناير 2007، تاركةً وراءها إرثًا من النضال لا يُمحى.
لم تكن وداد مجرد ناشطة، بل كانت تجسيدًا حيًا للإرادة والتحدي. ففي عام 1951، وفي سابقة تاريخية، أصبحت أول امرأة تُنتخب لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، لتعلن بذلك عن ميلاد صوت نسائي جديد تحت قبة أعرق الجامعات المصرية، انتمت وداد في ريعان شبابها للحركة الشيوعية المصرية، وهو ما صقل رؤيتها للعدالة الاجتماعية وربط نضالها من أجل المرأة بقضايا الوطن الأوسع.
كما حملت وداد لواء القضية الفلسطينية بجسارة، فزارت مخيمات اللاجئين في عين الحلوة، لتنقل معاناة شعب وتؤكد على وحدة المصير، ومع تصاعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كانت في طليعة الصفوف، حيث انضمت إلى اللجنة النسائية للمقاومة الشعبية، مؤكدةً أن الدفاع عن الأوطان ليس حكرًا على الرجال.
بعد تخرجها من الجامعة، اختارت مهنة التعليم رسالةً لها، وقضت سنواتها الأولى في الصعيد وشبين الكوم، قبل أن تعود إلى القاهرة عام 1957، لكن مسيرتها التعليمية توقفت فجأة؛ ففي عام 1959، أُلقي القبض عليها بتهمة انتمائها السياسي، وقضت خمسة أشهر في السجن، ورغم الإفراج عنها، كان الثمن باهظًا، حيث تم استبعادها من مهنة التدريس التي أحبتها، ونُقلت إلى عمل إداري، في محاولة لتهميش صوتها وإطفاء شعلتها.
لكن القمع لم يكسر إرادتها، فخرجت من صمت الوظيفة الإدارية إلى رحابة الريف المصري، تطرق أبواب النساء، وتجلس معهن في حقولهن وبيوتهن، لتُعلّمهن أن بطاقة الانتخاب ليست مجرد ورقة، بل هي سلاح التغيير الأول وخطوة نحو اكتساب المواطنة الحقيقية. لقد أدركت ببصيرتها أن تحرير المرأة يبدأ من وعيها بقيمتها وقوة صوتها.
لم يُفرش طريقها بالورود، بل كان محفوفًا بالشكوك والمضايقات، خاصة مع انتمائها اليساري الذي جعلها هدفًا في سنوات القمع.
لقد دفعت ثمن سبقها لزمانها ومكانها، وتحملت ضغوطًا نفسية هائلة تهدف إلى كسر إرادتها. لم تدوّن وداد تفاصيل معاناتها في مذكرات، لكن تاريخ تلك المرحلة يشهد أن امرأة بهذا الوضوح وهذا الالتزام بالعدالة، لا بد أنها عبرت من خلال النار لتخرج منها أكثر صلابة.
ورغم أن سيرتها قد تكون كُتبت في هوامش التاريخ الرسمي، فإن أثرها تجلّى في كل فتاة رفعت صوتها في الجامعة، وفي كل امرأة تقدمت إلى صندوق الاقتراع بعزيمة وإصرار. وداد متري أنطون لم تكن حدثًا عابرًا، بل كانت ومضة مضيئة في مسيرة وطن، أثبتت أن التغيير يبدأ دائمًا بامرأة ترفض أن تقبع في الظل، وتختار أن تشقّ دربها نحو النور.
#حسن_مدبولى
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
|
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|