|
|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
ايليا أرومي كوكو
!--a>
2025 / 12 / 16
الملهمة الجريئة جوليا اول كيف نستلهم منها الغير مستحيل والممكن وتعلم فن السباحة ضد التيار ؟
في غمار الحرب التي لا تزال تستعرفي السودان ، يمكننا ان نحكي تجربة انسانة ملهمة بل شجاعة وجريئة جداً . سنحكي عن تجربة خاضتها الاستاذة الفريدة المميزة جوليا أول . ونحن هنا نتحدث معها عن تجربتها النوعية ونخوض معها محاولين استلهام معني وفكرة تعلم معني السباحة ضد التيار .
الاستاذة جوليا اول كودي من مواليد مدينة الحصاحيصا من قلب الجزيرة الخضراء أرض المحنة . في الحصاحيصا أطلقت صرختها الاولي وعاشت طفولتها ترعرعت وشبت . هنا درست كل مراحلها التعليمة العامة ومن ثم التحقت بجامعة الاحفاد . في الاحفاد اختارت لنفسها ان تدرس علم النفس والإرشاد الريفي . ومن دارستها لعلم النفس والارشاة خبرت فلسفة الحياة وفن السباحة ضد التيار . وبالتالي تعلمت معني سبر خور الممكن والمستحيل في هندسة الحياة التي من فلسفاتها بيت هذه القصيدة الشهيرة للشاعر العظيم المتنبي
( ليس كل ما يشتهيه المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ) .
الحرب السودانية ستظل دائماً أقصي درجات عصف الرياح التي أودت بكل ما أحب السودانيين في الحياة وما حلموا وتمنوا . كيف لا فقد حكمت هذه الحرب اللعبثية اللعينة علي قتل واعدام كل الاحلام الجميلة المستحيلة . لا بل قتلت ودفنت ان لم تحرق كل المعاني والاماني والتمنيات القلبية في ذهن وعقل وخاطر او قلب الانسان السوداني .
لكن مع هذا كله ومثل ما يقال اللغة العربية : ( لكل قاعدة شواذ ). هكذا يوجد في الحياة اناس وافراد شواذ بمعني انهم متفردين مميزين او متفوقين علي غيرهم . هؤلاء هم من يمكن لأحدهم ان : ( يصنع من الفسيخ شربات ) . كما يقول عامة السودانيين . ويجسدون لنا بوضوح ما يقوله الكتاب المقدس : ( من الآكل خرج أكل ومن الجافي خرجت حلاوة ) .
في بداية الحرب هربت جوليا ان جاز هذا التعبير القاسي جداً . هربت مع ومثل السواد الاعظم او الغالبية من السودانيين . أي الذين هربوا فارين تاركين خلفهم بيوتهم ومدنهم او حتي وطنهم طلباً للأمان والسلام وهذا من حقهم وهي اولي ابجديات غريزة حب الحياة . فقد خرجت مع بعض افراد اسرة زوجها مكرم موسي كومي الذي فضل ان يبقى مع والده في الابيض ولاية شمال كردفان المحاصرة وقتها . اختارت جوليا مع ابنتها الصغيرة ريم الذهاب الي ولاية الجزيرة او بالاحرى العودة الي موكنها ومدينتها الحصاحيصا حيث اسرتها .
اقامت جوليا مع اسرتها في الحصاحيصا مدة تجاوز العام بينما ظل زوجها ووالده مقيمين في الابيض . اختار مكرم البقاء وسط هول وضغط الحرب المستمر بلا هوادة مع الحصار المحكم علي الابيض من قبل الطرف الاخر المتمثل في الدعم السريع . وكان الكل يفكر جاداً باحثاً عن يمدون لهم طوق او حبل النجاة تنقذهم او تنتشلهم من الغرق مع الغارقين من سكان الابيض القابعين سفينتهم . وكانت الابيض في حقيقة أمرها كسفينة تتلاطهما رياح الحرب العاتية بل تقذفها من موج الي موج . الغلاء وندرة السلع وجشع التجار استغلالهم للفرصة طمعاً وحباً للمال والغني السريع الغير مبرر علي حساب الفقراء . بينما الجوع عدو الانسان الاكبرالذي أضحى ينشب اظافره المسمومة في الاطفال والكبار معاً ويبطش ببطونهم الغاوية دون أدني رحمة
في ظل هذه الاوضاع والظروف القاسية جداً والغير انسانية التي كانت تعيشها مدينة الابيض من الحرمان وموت الكثيرين بالدانات والمسيرات والطلق الطائشة . كانت الاستاذة جوليا الموجودة في مدينتها الحصاحيصا التي كانت تبدو افضل حالاً كثيراً من الابيض رغم دخول قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة والاستيلاء علي كل مدنها وقراها ومن ضمنها مدينة الحصاحيصا . ضاقت الحياة بها وهذا ما جعلها تفكر خارج الصندق كما يقولون . فكرت كثيراً في حال زوجها ووالده العالقين في الابيض . كما في حالها وابنتها ريم اسرتها الذين وهم ايضاً أضحوا عالقين في الحصاحيصا في ظروف أضحت ليست بالافضل كثيراً من ظروف الابيض .
كانت الفكرة الغير منطقية التي قررتها جوليا هو ان تحسم أمرها وتعود مع ابنتها الوحيدة الي الابيض رغم رفض كل افراد الاسرة لفكرة العودة الي الابيض . لكنها كانت قد جزمت أمرها وقررت وحسمت قرارها بلا رجعة . وقد كان عادت جوليا وبنتها الي الابيض لتفاجيئ زوجها مكرم وولده ساعة دخولهما البيت . لا بل لتفاجيئ كل ألاهل والمعارف في الابيض بالعودة العكسية والسباحة ضد التيار . وهذا ما لم يخطر في بال الكثيرين لكنها فعلتها بجرأة وبسالة ندر ان يوجد بين الكثيرين لاسيما وسط النساء اوالجنس اللطيف في مثل هذه الحالات الا من رحم ربي.
بالطبع عقب العودة المحمودة الي الابيض ان القول ، اذ لم تكن الحياة المعيشية في الابيض سهلة ولم تكن تطاق ابداً . كانت الحياة صعبة من كل النواحي الامنية علي وجه فيه الكثير من المخاطر والتحديات . وايضاً الانساية الاقتصادية المعيشية اليومية قاسية وصعبة جداً . من ناحية ندرة السلعة والفلوس او القروش معاً . كما كانت البطالة والعطالة والفقر والحاجة والعوز تضرب بأطنابها شتي مناحي الحياة الاسرية والعامة علي حد سوأ . هذا من ناحية ومن الاخري انعدام فرص العمل والكسب وشح الموارد ان وجدت اصلاً وتوقف العملية التعليمة زضياع مستقبل الاطفال والاجيال . حيث أضحي شعار لا تعليم في وضع اليم حقيقة ارتضاها بعض الناس ان رفضها البعض لكن الظروف المأساوية التي لا تطاق اجبرت الجميع بالاستسلام للأمر الواقع المجهول. هذا وان بدأ الافق مسدوداً ولا ضوء اخضر اصفر يبزغ في نهاية النفق المظلم ولا يحزنون .
تقول جوليا : انا وواحدة انها من صحباتي العزيزات فكرنا للخروج من هذا المأزق وكسر الجمود والروتين اليومي الممل . وجاءتنا فكرة عمل كورس تعليمي لأبناء وبنات حي الصالحين حيث نقطن .وجدت الفكرة او المبادرة التأييد والقبول من اولياء امور والاولاد والبنات من التلاميذ والتلميذات الراغبين في التعليم . شرعنا فتح فصول حسب المستويات ومباشرنا الداراسة في شكل كورسات تقوية . نجحت الفكرة جداً ونالت استحسان ورضي جميع سكان الحي الذين سروا بالخطوة التي كسرت الجمود واتاحت لأبنائهم وبناتهم فرصة الخروج من عنق الزجاج ولو الي حين . وهذا ما لفت انظارهم علي جوليا لما وجدوا اكتشفوه فيها من تأهيل وقدرات أمكانيات جديرة بالاخذ في الاعتبار . فقد كانت الاستاذة في مدارس كمبوني كما تدربت في المجال التعليمي الخاص برياض الاطفال وهو جزء عام في تخصصها في علم النفس والإرشاد الريفي ورياض الاطفال .
وكانت فرصة المبادرة والتطوع في فتح فصول التقوية في الحي باباً واسعاً لجوليا . نجحت تجربة الكورس ووجد استحسان منقطع النظير من أهل الحي الجميع الذي اشادوا بها من حيث الاسلوب والمؤهل وما تملك من قدراتوخبرة عملية وأمكانيات تعليمية. وهذا ما دفعهم الي ان طلبوا منها بفتح روضة أطفال في الحي لتعليم أطفال في مدرحلة الدراسة قبل المدرسي . فكرت جوليا في الامر جيداً وقبلت الفكرة وكان الامر في بدايته بمثابة تحدي كبير وشبه مستحيل كبير . أقلها الانعدام التامة لأدني مقومات انشاء روضة اطفال من حيث الأمكانيات المادية والبني التحتية . هذه وغيرها من الواسائل الضرورية التي تسمح لها ولو بفتح فصل صغير بمثابة روضة لتعليم الاطفال. لكنها كانت قدر التحدي واكبر من التحدي كثيراً بما ملكت من الطموح والعزم والاصرار. لم تتواني ابداً بل شرعت فوراً في طرق الابواب الموصدة والمغلقة . فشرعت في تقديم طلب فتح روضة أطفال وهذا الطلب يتطلب اولاً وجود المكان المناسب والبيئة المهيئة لأستقبال الاطفال . وسائر التجهيزات المصاحبة لذلك من المكتب الفصول والأجلاس وما يلزم من الألعاب المختلفة والساحة او الفسحة للعب . فأختار جوليا ان تبدأ مغامرتها في بيتها وبالاحري غرفتها الخاصة وقد كان . اذكر انها طلبت من مجلس الكنيسة الانجيلية ان تعيرها بعض الكنبات سلفة لفترة قصيرة من الزمن الا ان طلبها قوبل بالرفض . ولم يثنيها هذا الرفض عن المضي قدماً كما لم يثبط او يحبط من عزمها بل أكملت الاجراءات الرسمية وأفتتحت روضتها بما توفر لها من الحد الادني من الامكانيات المتاحة من اثاث البيت واستخدمت مواردها الشحيحة في بناء وقيام مشروعها الاستراتيجي وتثبيت اركان عملها الخاص بنجاح وهذا في حد ذاته ينم عن عقليه راجحة وفكر سديد .
وبعون الله وتشجيع الاسرة وكرم أهل الحي الذين وثقوا بها وارسلوا اطفالهم الي روضتها التي انشأتها واسستها بجدها أطلقتها عليها اسم روضة : ( ماما تومه ). وتومه هذه هي والدة زوجها مكرم موسي يعني حماتها للتسمية بأسم الحماة بعد في رمزيتها ودلالاتها الخاص ليس أقلها الود المتبادل والمحبة والترابط الاسري.
وقد كتب الله التوفيق والنجاح والسداد لجوليا بفضل جهدها وصبرها وقوة شكيمة شخصيتها وما تميزت بها من الصفات والخصال في النشاط والتأثير وطريقتها في المنطق والاقناع . وقد تمكنت في نهاية العام الدراسي الأول من أقامة حفل ومهرجان بهيج كبير لتخريج الاطفال حضره كل اسر الاطفال وسكان الحي .
في زياتي الاخيرة لروضة ماما تومه وقفت علي تجربة هذه الانسانة المميزة الفريدة الطموحة وأعجبت بأسلوبها وكفاحها وطريقتها الخاص للقفز بالزانة اوالقفز فوق الحواجز . هذا يحدث عندما يختار الانسان لنفسه اخر خاص به من بين الخيارات البسيطة الغير متاحة يسلك أصعبها . او عندما يفعل الانسان المستحيل ليشق الطريق الوعر في الجبل الصلد ليفتح طريقاً يوصله الي الجانب الاخر . هذا ما لمسته في الاستاذة جوليا اول . وهذا ما داعاني ودفعني بحماس الي زيارتها في روضتها بنفسي كتشجيع معنوي كأضعف الايمان . وقد اخترت العنوان اعلاه لمقالي هذا او لللقائي بها : ( الملهمة الجريئة جوليا اول كيف نستلهم منها الغير مستحيل والممكن وتعلم فن السباحة ضد التيار ؟
روضة ماما توما اليوم تقف شامخةعلي رجليها قوية واكثر قدرة وثقة بالنفس علي المضي قدماً . تفعل هذا وهي علي مرمي حجر من نهاية عامها ثاني موفقة وناجحة بكل المعايير . بل تشهد تطور وتقدم نوعي من حيث البيئة الدراسية الافضل والاقبال الجيد ورضى الامهات والاباء كما من حيث ازدياد عدد الاطفال الذين يرتادونها . عدد 26 في روضه صغيرة و34 طفل روضه كبيره وهو عدد مقدر جداً ولا يمكن الاستهانة به ابدا .
اخيراً تبدو الاستاذة جوليا معتزة وفخورة بتجربتها الخاصة وهي ترجع الفضل اولاً واخيراً الي الله الذي أحبها واكرمها بما وصلت اليه . كما انها لا تنسى فضل أهل الحي الذين أزروها وشجعوها ومنحوها الفرصة الثمنية لتفجير طقاتها . وها هي مع الاطفال تخطو الخطوة الاولى في طريق الالف ميل ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله . في الختام لا انسى انها تتطلع الي توسعة روضتها ونقلها الي مكان أرحب واوسع واكبر يليق بالطموحات التي بدأت ترسمها واقعاً ينمو وكبر ويتزايد يوماً بعد الاخر .
من ناحيتي اري لها مستقبلاً مشرقاً مزدهراً لأنها أنسانة عصامية ملهمة جريئة ومتطلعة وان كانت بأحلام واقعية وطموحات سامية . فهي تصعد وتتقدم الي الامام بعزم وطيد خطوة خطوه سلم سلم . واكيد يوماً ما ستصل الي مبتغاها بتحقيق كل ما تحلم وتريد وتتمني وترغب . فأراها رائدة يشار اليها بالبنان في مجال التعليم وصاحبة مدرسة أهلية خاصة نموذجية كبيرة تستوعب كل المستويات الدنيا والعليا . فاحلمي يا جوليا ما شئتي فالاحلام متاحتة للجميع وهي ببلاش وليست بقروش . وهذا ما نتمناه لكل ابنائنا وبناتنا ان يحلموا وان يكونوا طموحين صبورين مثابرين عاملين ومجتهدين . وان يسعوا السعي الحسن فالحياة نضال وكفاح جهاد . نيل اكليل المجد الدنيوي والسماوي للذي يصارعون ويجاهدون وينتظرون بايمان لا ينظر الي الوراء . هذ هو ما وعد به الرب ووعد الرب حق . وانتم تعرفون اننا لن نستطيع نيل كل هذه ان لم نثبت فيه . لكننا ان ثبتنا فيه : نستطيع معاً ان نقول مع بولس الرسول : ( استطيع كل شيئ في المسيح الذي يقويني ) . وهذا هو الوعد الصادق المعلن من رب واله أمين في عهوده وفي في وعوده لكل من يحبه .
أميييييييييين
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
|
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|