البعد الإنسانى لحبس الفتيات ،،



حسن مدبولى
2025 / 12 / 16

يمثل استمرار نظر محاكمة مصممة الأزياء الشابة آية كمال الدين أحد التطورات الإجرائية في مسار قضية لا تزال منظورة أمام العدالة،ووفق ما تقرره المحكمة المختصة، حيث يظل الوضع القانوني القائم مستمرًا إلى حين الفصل النهائي فيها.
وبعيدًا عن أي تقييم قانوني للإجراءات أو القرارات الصادرة، يسلط هذا السياق الضوء على البعد الإنساني المصاحب لفترات الحبس الاحتياطي الممتدة، وما قد تفرضه من آثار مباشرة على حياة المتهمين قبل صدور أحكام باتة.

آية كمال الدين، المنحدرة من مدينة الإسكندرية، ورد اسمها في وقائع قضايا سابقة وفقًا لما هو متداول في الأوراق العلنية وشهادات هيئة الدفاع، والوسائط الإعلامية،
ففي إحدى القضايا الأولى المرتبطة بها، جرى توقيفها عام 2013 وهي في سن مبكرة على خلفية مشاركتها في مسيرة، قبل أن تنتهي تلك القضية بتخفيف الحكم الصادر بحقها.

وفي واقعة لاحقة عام 2020، أُلقي القبض عليها من منزلها عقب نشرها مقطع فيديو عبّرت فيه عن رأيها بشأن إدارة أزمة كورونا ، وهي واقعة أُدرجت ضمن قضايا جرى تناولها إعلاميًا في ذلك الوقت، وانتهت بإخلاء سبيلها مع إخضاعها لتدابير احترازية وفق ما تقرره الجهات المختصة.

وفي واقعة القبض الأخيرة عام 2022، جرى توقيفها من منزلها قبل أن تُعرض على جهات التحقيق وتُحال إلى المحاكمة الحالية،ومنذ ذلك الحين، لا تزال رهن الحبس الاحتياطي في انتظار ما تسفر عنه الإجراءات القضائية المتتابعة، في ظل جلسات يُعاد تحديدها وأوراق يُشار إلى أنها محل فحص واطلاع، بينما تظل حياتها اليومية معلقة على إيقاع القرارات الإجرائية.

اللافت في هذه القضية، كما هو الحال في قضايا مشابهة محل نظر القضاء، لا يقتصر الأمر على امتداد مدة الحبس الاحتياطي، بل يمتد إلى طبيعة الاتهامات الموجهة، ومن بينها اتهام الانضمام إلى جماعة مصنفة إرهابية،وتشير هيئة الدفاع، مدعومة بتقارير حقوقية متداولة، إلى أن الاتهام يستند في جانب أساسي منه إلى تحريات أمنية، وهو أمر يظل بطبيعته ضمن نطاق الجدل القانوني الذي يختص القضاء وحده بالفصل فيه، دون أن يمنع ذلك من طرح تساؤلات عامة حول مدى التناسب بين طبيعة الاتهام، والأدلة المقدمة، وطول المدة التي يقضيها المتهم رهن الحبس الاحتياطي قبل صدور حكم بات.

وعلى المستوى الإنساني، تبرز آثار الحبس الممتد على الحالة الصحية والنفسية للمتهمة. فبحسب ما ورد على لسان محاميها وأسرتها، تعاني آية كمال الدين من الربو وحساسية الصدر، وهي حالات تستلزم متابعة طبية منتظمة وظروف احتجاز ملائمة،كما تتحدث هيئة الدفاع عن أوضاع تعتبرها غير مناسبة من حيث الرعاية الصحية أو تنظيم الزيارات، وما تصفه باكتظاظ أماكن الاحتجاز، وهي أمور يقال إنها انعكست سلبًا على حالتها الصحية،مما دعى تلك الهيئة، إلى تقديم طلبات قانونية متكررة للإفراج المؤقت أو لتحسين ظروف الاحتجاز،

إن استمرار نظر مثل تلك القضايا دون فصل نهائي سريع، يعيد طرح نقاش عام يتجاوز هذه الحالة بعينها، ويتصل بمدد الحبس الاحتياطي وحدودها، خاصة في القضايا المرتبطة بالتعبير عن الرأي،وهو نقاش قانوني وحقوقي متكرر يدعو إلى تحقيق التوازن بين مقتضيات التحقيق وتطبيق القانون من جهة، وحق المتهم في محاكمة منصفة خلال أجل معقول من جهة أخرى، وفقًا لما تقرره الدساتير والمعايير القانونية المعمول بها.

في المحصلة، تبقى آية كمال الدين حالة إنسانية قبل أن تكون رقمًا في سجل القضايا، ومتهمة لم يصدر بحقها حكم بات حتى الآن، لكنها تعيش منذ فترة طويلة تحت وطأة الانتظار، ومع التأكيد الدائم على أن القضاء هو الجهة الوحيدة المختصة بالفصل والحسم، يظل السؤال الإنساني العام مطروحًا حول الحدود الفاصلة بين الإجراء المؤقت وطول مدته، وحول الكلفة التي يتحملها الأفراد حين تمتد فترات الانتظار قبل أن تقول العدالة كلمتها الأخيرة.