قصة تسجيلية مستمدة من احداث واقعية حدثت في مدينة بغداد في الماضي القريب



ناهده محمد علي
2007 / 2 / 27

شاهد عيان A
كان ابني الذي تربى في الغربة ونشأ حتى اصبح شاباً لا يعرف معنى الظلم ولا الاستهتار بحقوق الانسان
وخاصة الفئات الضعيفة من البشر كالنساء والاطفال , لكنه لايعرف ايضاً معنى الوطن والانتماء , فاصبح
كالطيرالذي لايحتاج إلا لفتح جناحيه ليطير وكل العالم وطنه , سألني ذات مره عن حقوق المرأة العربية
ولماذا هي متخلفة عن نساء العالم !! , قلت له لهذا اسباب كثيرة اجتماعية واقتصادية وسياسية , ونصحته
بأن يقرأ التفصيلات في بطون الكتب والدخول الى المكتبات العربية والاعلام الالكتروني , وياليتني لم
ارسله الى هذا , جلس لفتره من الزمن واطلع على مصادر عربية مكتوبة بأيدي نساء عربيات عن
مشكلات المرأة العربية ومقومات الابداع لديها والاسس التي تقف بوجه هذا الابداع , وإطلع على ظروف
المرأة في السودان ( ظلم وإحتقار وختان ) ثم ما شابه هذا في مصر , اما في الجزائر فقتل فتيات المدارس
الابتدائية ادعاء كاذب بإسم الاسلام , وتدرج الشاب بالقراءة حتى وصل الى العراق , ولا أدري كيف قفز
الى الكمبيوتر ذلك السايد الذي تفوح منه رائحة الدم ومرض السايكوباث قبل ساعة من النوم , ثم سمعت
صراخ ابني , فقفزت لارى ما الامر , قال انظري , فنظرت الى وجهه اولاً , فرأيت فزعاً كابوسي
وغضب جامح , ثم نظرت الى شاشة الكمبيوتر , فرأيت إمرأة تُذبح وببطئ شديد امام رجل وهي
نصف عارية , كانت تصرخ وقد قطّعت السكين حبالها الصوتية , وهي ممددة ترفس بعُنف وتصرخ
بألم ماقبل الموت الدموي , ثم علمت فيما بعد بأن الضحية هي صحفية عراقية قامت بالصدفة بعملية
تصويرتفجير مرقد الامامين في سسسسامراء . أقفلت الكمبيوتر وتذكرت مارأيته ليلة أمس لتكريم
نساء مبدعات في البلد الذي اُقيم فيه , وكيف أن رئيسة الوزراء والتي تتمتع بحب شعبي واسع ,قامت
بتهنئة المسلمين في هذا البلد بكلمة ( إيد مُبارك ) , وتدخل الى بيوت المبدعات لتقوم بتكريمهن بنفسها
في حين ان العيد ليس مباركاً في كثير من الدول الاسلامية وخاصة العربية منها .

*******************************************************************************************
شاهد عيان B
قالت لي صديقة عراقية ان ابني مجرد طفل في العاشرة من العمر لكنه وبذاكرة صافية يحفظ كل احداث
الشهر الماضي بما فيها من دماء وفزع يومي , ولكن هل ترين علامات الفرح على وجهه !؟ , قلت لا :
قالت لم يعد لدينا اطفال , فاطفالنا اليوم شيوخ وحكمتهم بالغة بروح النكته حين يُثار موضوع الموت ,
اسمعي مايقوله ولدي , قلت : ماذا تقول يا أيمن ؟ قال : لقد رأى جارنا الطالب الجامعي ماحدث امام
الجامعة المستنصرية , انه رجل عجوز كالح السواد وأشعث الشعر مصاب بالهلوسة ولا يبدو انه عراقي
واضافت الأم انهم يتناولون حبوب مخدرة قبل العملية الاجرامية , ثم اكمل الصبي وقال , جلس الرجل
العجوز في الحافلة بين البنات وضايق البعض منهن فإبتعدن عنه , كُن جمع من خريجات الصف الرابع
وبعض المسجلات في الصف الاول , جُمعن في حفلة واحدة وكانت النهاية واحدة , واصل الصبي , اخذ
الرجل العجوز يهلوس واضعاً يده على قمصلته ويقول سافجر نفسي .. بصوت خليط من الفرح والجنون
ثم مرت دقيقتان وانفجر الجميع منتشرين في الهواء اشلاء متناثرة , وكان الطالب الشاهد قد ابتعد عن
الحافلة بعد أن لم يجد له مكان فيها وسمع ماسمع , وشاهد ما شاهد , ثم حدث انفجار آخر امام البوابة
بعد دقيقة او دقيقتين وحتى لا يجد احداً للهروب والتفكير .. قالت احدى الطالبات جمعنا في اليوم التالي
أشلاء ورُفات صغيرة متناثرة من ضمنها يد فتاة بخواتم عديدة لانعلم من هي ومن اهلها , فحفرنا حفرة
في وسط الجامعة ووضعنا الاشلاء المتناثرة بخواتمها , ثم وارينا التراب عليها , ونحن نبكي زميلاتنا .
أفقت حينها من الظلام الدامس الذي احاط برأسي وحدثت نفسي قائلة , سيبنى هنا ذات يوم نصب لطالبة
مجهولة ,ودّعت اهلها ذات صباح من اجل العودة الامنة في المساء , لكنها لم تعد , وبقيت امها تنتظر
امام الشباك شابكة كفيها ومرسلة النظر الى نهاية الشارع ..لكن الشارع كان مليئاً بالضحايا , ولم تتعرف
على وجه ابنتها التي لن تعود الى البيت !! .. ادرت وجهي بعد ذلك الى الاشجار المحيطة بالمنزل وانا
ساهمة , وامعنت النظر بأللون الاخضر , وقلت لاشجار البيت , انك حتماً اكثر حضارة منا نحن البشر
تعطينا بسخاء ولا تعرفين سفك الدماء وشهوة الموت الغير مُبرر , ثم مرّ امام عيني طابور من النساء
بسلاسل من حديد واحياناً من ذهب والنتيجة واحدة , إستلاب يومى وغُبن حتى الموت , ثم مرّ بشكل
سريع وجه اُمي وهي تناديني قبل ان تغمض عينيها , تعالي اريد ان اراك لآخر مرة , ما يمنعك !؟
قلت لها , يمنعني انك على جرفٍ صُنع من نار ودم , وخوف وفزع , وقد بُنيّ هذا الجرف من قرون
حتى اصبح كالطود الشاهق لا استطيع القفزفوقه حتى يفتته الزمن , فاغمضت عينيها وذهبت بعيداً .