|
|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |
حنان محمد السعيد
!--a>
2025 / 12 / 17
مدخل لا بد منه: لم يأتِ هذا التساؤل الصادم من فراغ، بل هو ابنة القهر والدم. يأتي هذا المقال ونحن لا نزال نلملم شتات أرواح نساء استُبيحت أجسادهن تحت مسمى "التأديب"، وأحدثهن "عروس المنوفية" التي تحول فستان زفافها إلى كفن، لا لشيء إلا لأن ثقافة "العصا" توهم الرجل أن له حق الوصاية الجسدية المطلقة. حين يصبح "الضرب" حقاً مكتسباً، تصبح "الجريمة" مجرد وجهة نظر، ويصبح الموت هو النتيجة الحتمية لمنطق الترويض.
في عصر تتبارى فيه الأمم في استعمار المريخ وهندسة الذكاء الاصطناعي، نجد أنفسنا في "عربستان" لا نزال نقف خلف قضبان الأسئلة البدائية: هل يجوز ضرب المرأة؟ وما هي مواصفات "السوط" الشرعي؟ وهل الضرب "غير المبرح" هو لمسة حانية أم إهانة مقننة؟
أمام هذا التردي، أجد نفسي مضطرة لطرح السؤال الأكثر منطقية واتساقاً مع هذا الفكر: لماذا نتوقف عند الضرب؟ هل يجوز ذبح النساء وأكلهن؟
بما أننا جردنا المرأة من صفة "الإنسان" وحولناها إلى كائن "بيولوجي" يحتاج لترويض وتقويم جسدي، فما المانع من استثمار هذا الجسد كمصدر للبروتين؟ إن المنطق الذي يقبل "العصا" وسيلة للتفاهم، هو ذاته المنطق الذي يرى في الكائن الآخر "بهيمة" تُساق، والبهائم في نهاية المطاف تُذبح وتُؤكل.
شهوة الإخضاع.. حين تصبح العصا بديلاً للعقل
لقد كتبتُ سابقاً عن "شهوة الإخضاع"، وأكدت أن العنف ليس نوبة غضب عابرة، بل هو رغبة دفينة في كسر السيادة النفسية للآخر. الرجل الذي يرفع يده ليضرب، لا يبحث عن "تأديب" كما يدعي فقهاء العصا، بل يبحث عن ترميم لرجولته المهزوزة التي حللتُ مآزقها في مقالي عن "معايير الرجولة في عربستان".
إن هؤلاء الذين يروجون لـ "الضرب غير المبرح" يستخدمون السفسطة اللغوية لتمرير "سادية" مغلفة بالدين. ففي عرف العلم والنفس، لا يوجد ضرب "خفيف"؛ لأن الألم ليس في موضع اللطمة، بل في كيمياء الدماغ التي تعلن حالة "الاستلاب". إنهم يبحثون عن "مهيضة الجناح" (تلك الشخصية التي شرحتُ جاذبيتها لضعاف الرجال في مقال سابق) ليمارسوا عليها طقوس السيادة، لأن المرأة الندية القوية تشعرهم بضآلة عقولهم التي لا تملك سلاحاً سوى العضلة.
وراثة الانكسار: نحن لا نضرب جسداً بل نشوه جيلاً
بصفتي متخصصة في المختبرات الطبية وعلم الوراثة، لا أرى "الضرب" مجرد فعل اجتماعي، بل أراه "جريمة بيولوجية" عابرة للأجيال. إننا اليوم نتحدث عن "علم التخلق" (Epigenetics)، حيث تُحفر الصدمات النفسية فوق الجينات.
عندما تتعرض المرأة للعنف والإذلال، يتغير التعبير الجيني في خلاياها. إنها لا تورث أبناءها ملامح وجهها فحسب، بل تورثهم "بصمة الخوف" و"هرمونات الإجهاد" المزمنة. نحن نحقن أطفالنا بـ "جينات المهانة" قبل أن يولدوا. فالرجل الذي يضرب زوجته، يقوم فعلياً بـ "تعديل وراثي" قسري لسلالته، لينتج مجتمعاً مهزوزاً، يقدس القوي ويستقوي على الضعيف، في حلقة مفرغة من الصدمات المتوارثة التي لا تنتهي.
إلى فقهاء "الترويض"
إن محاولتكم لتحويل "بيت الزوجية" إلى "زريبة" تتطلب السوط والزجر هي إهانة للدين قبل أن تكون إهانة للمرأة. إنكم تخاطبون "أشباه رجال" لا يستطيعون فرض احترامهم بالعقل والاحتواء، فتقدمون لهم "العصا" كتعويض شرعي عن نقص النخوة.
إن دماء "عروس المنوفية" وغيرها هي صرخة في وجه كل من قال "واضربوهن" دون أن يفقه من الإنسانية شيئاً. إن السؤال "هل المرأة إنسان أم بهيمة؟" لم يعد سؤالاً فلسفياً، بل هو واقع مرير تعيشه كل امرأة تُهدد في جسدها تحت مبرر "القوامة". وإذا كانت الإجابة هي "الإنسان"، فكفوا عن نقاشاتكم حول "مواصفات السواك"، لأن الإنسان لا يُقوَّم بالضرب، بل يُحترم بالندية.
كفوا عن تلويث جينات المستقبل بساديتكم، فالتاريخ والمختبرات لن يرحموا من حول "السكن والمودة" إلى "مسلخ" للكرامة.