الوعي كألمٍ ناعم



عماد الطيب
2025 / 12 / 21

لها ميزاتٌ لا تُرى بالعين فقط، بل تُحَسّ كما يُحَسّ الضوء حين يمرّ في الروح دون أن يترك ظلاً. صفاء قلبها ليس ادعاءً، ولا قناعًا اجتماعيًا، بل حالة داخلية مستقرة، كأنها وُلدت وهي تعرف أن الطمأنينة موقف، وأن الصدق مع النفس أعلى مراتب الشجاعة. تحب نفسها بهدوء، وتفهمها دون قسوة، لذلك تمنح الآخرين فرصة أن يكونوا حقيقيين أمامها.
نيتها الجميلة لا تبحث عن مقابل، والتسامح عندها ليس ضعفًا ولا استسلامًا، بل اختيار واعٍ. هي تسامح لأنها أقوى من الأذى، ولأنها تعرف أن الحقد عبء ثقيل لا يصلح لحياة تريد أن تمضي خفيفة. تترك الباب مواربًا للقلوب التي تعثرت، وتمنح الأعذار بكرم من لا يخشى الخسارة، لكنها في العمق لا تنسى الدروس، ولا تخلط بين الصفح والسذاجة.
هي لا تتغافل، وهذه أجمل مفارقاتها. ترى التفاصيل الصغيرة، تلتقط النبرة الخاطئة، وتشعر بالالتواء قبل أن يُنطق. تدرك متى ينحرف الحديث، ومتى يتحول الصدق إلى مراوغة. لا تواجه بعنف، ولا تفضح بسخرية، لكنها تضع حدودها بصمت، كمن يرسم خطًا رفيعًا لا يُرى، لكنه لا يُتجاوز.
إن سرتَ معها بصورة طبيعية، فعليك أن تعبر مطبات الحديث بحذر الواعين لا بخفة المستهينين. الحديث معها ليس ساحة استعراض، بل مساحة اختبار للنيات. الكلمات عندها تُوزن، والمواقف تُقرأ بين السطور، والصدق يُكتشف في أبسط الجمل. لا تحب المبالغات، ولا تطمئن للخطابات اللامعة، بل تنصت لما خلف الكلام، لما لم يُقل.
وجودها يعلّمك أن الصفاء لا يعني الغفلة، وأن القلب النقي قد يكون أكثر القلوب يقظة. هي امرأة لا ترفع صوتها لتثبت قوتها، ولا تُشهِر قسوتها لتدافع عن نفسها. قوتها في وعيها، وفي قدرتها على أن تكون طيبة دون أن تُستباح، ومتسامحة دون أن تُخدع، وصادقة دون أن تجرح نفسها.
هي ببساطة: قلبٌ أبيض يعرف الطريق، وعقلٌ حاضر لا ينام. ومن يحسن السير معها، سيكتشف أن الجمال الحقيقي ليس فيما تمنحه لك، بل فيما تُجبِرك أن تكونه وأنت بقربها.
من صفاتها المبالغة في الحذر، لا لأنه خوف، بل لأنه وعيٌ مكتمل.هي لا تبتلع الكلام كما يُقدَّم، تمضغه ببطء، تتذوق معانيه، وتفصل بين نبرته ومقصده. لا تهضم الكلمات بسهولة، لكنّها حين تقتنع، تفعل ذلك بسرعة مدهشة، كأن القناعة لديها قرار سيادي لا يحتمل التأجيل.
حين تصغي لحديثك، تشعر أنك في حضرة ملكة. ليس لأن العرش حاضر، بل لأن الهيبة تسكن الإصغاء ذاته. عيناها لا تقاطعان، وصمتها ليس فراغًا، بل امتلاءً بالانتباه. تصغي كما لو أن الكلمات وثائق رسمية، وكل جملة تحتاج ختمًا داخليًا قبل أن تُعتمد. في حضورها، تتعلم أن الكلام مسؤولية، وأن كل حرف يحمل وزنه من الصدق أو الخفة.
وحين تتحدث، تتبدل الكلمات كما تتبدل الفصول.
تارة تهمس بالكلمات، فتقترب المعاني منك دون أن تشعرك بالهجوم، وتارة تقذف بالكلمات كمن يلقي خطابًا، لا لتفرض رأيًا، بل لتعلن موقفًا. تعرف متى تكون ناعمة كظل فكرة، ومتى تكون حادة كحدّ الحقيقة.
هي لا تجادل كثيرًا، لكنها تفهم بعمق.
ولا تمنح الثقة بسهولة، لكنها حين تمنحها، تفعل ذلك بكامل حضورها. حذرها ليس جدارًا، بل بوابة، من عرف كيف يطرقها دخل، ومن استعجل الولوج بقي في الخارج يسيء الفهم.
في ملامحها هدوء لا يعني الاستسلام، وفي كلماتها صرامة لا تعني القسوة. هي توازن نادر بين القلب والعقل، بين الإصغاء والحكم، بين الهمس والخطاب.
هي امرأة إذا حضرت علّمتك أن الحذر فضيلة، وأن الكلام لا يكون جميلًا إلا حين يُقال في وقته وبقدره. ومعها تدرك أن بعض الناس لا يحتاجون أن يرفعوا صوتهم… يكفي أن يصغوا، ليصبحوا ملوك اللحظة.