|
|
غلق | | مركز مساواة المرأة | |
|
خيارات وادوات |

أحمد رباص
!--a>
2025 / 12 / 22
عند انطلاق فعاليات هذه المائدة المستديرة المقامة من أجل مناقشة ظاهرة العنف ضد المرأة مساء يوم السبت 20 دجنبر الحالي بمقر الحزب الكائن بشارع القاهرة/تمارة، أشارت الأستاذة بديعة الجمالي، مسيرة الندوة، إلى أن هذا النشاط تشرف عليه لجنة قضايا المرأة والمجتمع المنبثقة عن مجلس فرع الحزب الاشتراكي الموحد بتمارة، وأنه يجسد احتفال اللجنة باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يصادف تنامي هذه الظاهرة ما يطرح تساؤلات حقيقية حول فعالية آليات الوقاية والحماية المعتمدة.
فحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن النيابة العامة تم خلال سنة 2023 تسجيل اكثر من 31 الف جنحة وجناية وجريمة ضد النساء، وهذا رقم صادم يعكس حجم هذه الظاهرة وتجذرها في المجتمع.
إلى ذلك، تضيف الأستاذة بديعة أن هذا العنف الموجه ضد النساء لا يقتصر فقط على الاعتداء الجسدي، بل يتمظهر أيضا في أشكال متعددة مثل الشكل الاقتصادي النفسي الجنسي والرقمي، وتبدو مظاهره من خلال الزواج القسري والتحرش والتميز والوصم الاجتماعي والابتزاز والتسليع المختزل للمرأة والذي يجردها من كل اعتبار لإنسيانيتها الكاملة في الحقوق والكرامة؛ وهذا شكل من أشكال العنف الرمزي.
وتختم الأستاذة بديعة جمالي يقولها إن كل ذلك يستدعي مقاربة شمولية تتجاوز الزجر إلى الوقاية والحماية والتمكين. وأكدت أنه انطلاقا من مسؤوليتنا السياسية والمجتمعية، تأتي هذه المائدة المستديرة كفضاء للنقاش وتبادل الآراء قصد تحليل وتشخيص واقع العنف ضد النساء من أجل تعزيز الحماية القانونية والاجتماعية والمؤسساتية لهن وترسيخ قيم المساواة والكرامة والعدالة.
ثم ما لبثت الأستاذة المسيرة أن سمحت للدكتور عبد الواحد حمزة، الكاتب العام للفرع المحلي للحزب، بأن يتلو على الحاضرين كلمة أعدها لهذه المناسبة ينوب فيها عن سائر الرفيقات والرفاق في المكتب المحلي.
في بداية كلمته، نبه عبد الواحد حمزة إلى أن هذه المائدة المستديرة التي يبادر فرع الحزب إلى تنظيمها جاءت بعد احتفالنا، قبل أيام قلائل، باليوم العالمي لحقوق الإنسان وتتزامن حاليا مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة؛ وذلك انطلاقا من أن "السياسة شأن عام، وليست حكرا على الفاعلين النظامبين وحدهم.
وللعلم فقد سبق للجنة قضايا المرأة والمجتمع المنبثقة عن الفرع أن أعدت وأصدرت أرضية في الموضوع، تم توزيعها والإعلان عنها في إبانها، لدى العموم، يوضح الكاتب العام للفرع.
وبعد أن استعرض المتحدث سياق انهمام المنتظم الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، بالعنف منذ شكله (السياق) الجنيني، رأى أنه يجب على ”أحرار العالم" توظيفه لمناهضة "عنف الفساد والاستبداد" “الحكامة بالقتل البطيء واللامبالاة والعجز”، أو “الإستحكام” بلغة فوكو، دعا إلى "تفعيل المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على الحق في الأمن الاجتماعي، و كذا الحق في الإنصاف والعدالة الذي تصونه المحكمة الجنائية الدولية".
وبحكم موعدنا مع الإنتخابات في غضون السنة المقبلة، أراد المنظمون لهذه المائدة المستديرة أن يؤكدوا على "أهمية مشاركة النساء في الحياة السياسية وحيوية القطع الضروري مع العزوف والتهميش والإبعاد والإقصاء في بلادنا، بما في ذلك ضرورة إنتخابهن وتعيينهن اللازم في المواقع والمراتب القيادية، الرسمية منها وغير الرسمية، بجميع مستوياتها، ضدا على استغلال “يافطة الجندر المبتذل” لتعزيز هياكل السلطوية الذكورية والطبقية، على حد تعبير الأستاذ عبد الواحد حمزة. ويبقى من المهم الإشارة هنا إلى الكلمة التي ألقاها الدكتور عبد الواحد حمزة يمكن الرجوع إليها وهي منشورة على صفحات تنوير-Tanwer1.
أول مداخلة في هذه المائدة المستديرة ألقتها الأستاذة أمال غنام وقد اختارت لها عنوانا جاء كالتالي: "مدخل إلى فهم العنف وأشكاله وعلاقته بالسلطة".
استهلت الأستاذة غنام مداخلتها بالإشارة إلى أنها لن تتناول بشكل خاص العنف ضد المرأة بل سوف تهتم بالعنف بشكل عام من خلال مجموعة من الأسئلة، مثل: هل العنف ظاهرة اعتيادية أم سلوك ثقافي واجتماعي؟ ما هي حقيقته وما هي أشكاله؟ هل يمكن اعتبار كل أشكال العنف مرفوضة؟ هل يمكن لنا أن نتحدث عن مشروعية العنف إذا كان الهدف منه تطويع المعنف وإخضاعه لسلطة الدولة؟ وهل ينبغي القبول بهذا العنف؟ ما السبيل لمقاومة عنف الدولة سواء كان هذا العنف ماديا أو جسديا أو رمزيا؟
للإجابة عن كل تلك الأسئلة، انطلقت من تعريف مفهوم العنف وهو إلحاق الأذى بالغير قصد إخضاعه، ويمكن أن يكون هذا الإلحاق غير قصدي، لكن حين تتحقق قصديته يتحول هذا الفعل إلى عنف. ثم انتقلت إلى رهان الدولة مستحضرة فلاسفة العقد الاجتماعي وإجماعهم على أن وجود الدولة مبرر بتوفير الحماية، ولا يمكن لنا بالتالي إلا أن نتصور أن الدولة ضد العنف أو أنها تتأسس لمقاومة العنف. وإذا كان هذا هو رهان الدولة فهو لا يستقيم إلا بوجود الديمقراطية.
من ذلك تخلص المتحدثة إلى أن هذا الرهان الأساسي لممارسة السياسية والسعي إلى السلطة لإقامة دولة الحق والقانون أو تدبير المجتمع بشكل عقلاني وديمقراطي من خلال إرساء نظام تعاقدي بطبيعة الحال إرادي نتنازل فيه جميعا، كما يقول فلاسفة العقد الاجتماعي، عن جزء من حريتنا لصالح المجموعة من أجل العيش في أمن. إلا أن هذا الطموح يصطدم بما يعرقله وهو وجود العنف.
عند هذه النقطة حددت الأستاذة أمال غنام موقفها المبدئي حين أفصحت عن اهتمامها في المقام الأول بالعنف الذي تمارسه الدولة والذي اعتبرته ظاهرة موجودة في صلب سلطة الدولة تظهر من خلال الإبادة وجرائم القتل والإرهاب والحروب.
وعن أشكال العنف، قالت المتحدثة إنها تطرح سؤالا كبيرا نابعا من كون الشكل الوحيد والسائد في المجتمع هو العنف المادي والجسدي، مستحضرة ما اعتاد عليه المغاربة من سماع ذلك السؤال الذي يطرحه رجال الأمن على كل من بلغ عن جريمة عنف: هل سال الدم؟
بخلاف ذلك، نبهت الأستاذة غنام إلى أن هناك أشكالا أخرى للعنف، وأخطرها هو الذي تحدث عنه بيير بورديوه تحت اسم العنف الرمزي الموجود في كل مستويات الحياة. مع وعد بالعودة لاحقا إلى هذا الشكل من العنف، أثارت المتدخلة مسألة ما إذا كان العنف يعود إلى التنشئة أم أنه غريزي. وأعلنت أن الكثير من الناس يسندون له الصفة الأخيرة وكأن شأن الإنسان كشأن الحيوان.
وعن العنف الرمزي، استحضرت ما قاله عنه بيير بورديوه من كونه يتخلل جميع تفاصيل الحياة، ويبدأ في التشكل منذ التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة أو خارجها. يوجد في سلطة المربي والسياسي وحتى في خطبة الخطيب. بل يوجد العنف الرمزي أو المعنوي كذالك في المقررات الدراسية.
في هذا السياق، رأت الأستاذة أمال غنام أن الصحفي في المغرب أصبح اليوم يتعرض للعنف المعنوي المؤدي إلى القتل الرمزي. واستدلت على ذلك بتلفيق التهم له لا لشيء سوى لانه كتب مقالا ومحاكمته بالتالي بالقانون الجنائي.
كما تطرقت الأستاذة غنام لحضور العنف الرمزي واللفظي بكثافة في الخطاب السياسي، خاصة خلال السنوات الخمسة الأخيرة، منبهة إلى خطورة هذا الحضور في الممارسة السياسية ببلادنا.
وفي ما يتعلق بمشروعية العنف، لم تجد الأستاذة غنام أحسن من ماكس فيبر لأنه هو من توسع في هذا الجانب كثيرا وحاول البحث في المبررات التي تحاول إضفاء المشروعية على العنف. ومن هذه المبررات السلطة التقليدية التي توصي بتحاشي الاصطدام بالمخزن، مثلا، وفق خصوصيتنا. ويرى ماكس فيبر في السلطة التقليدية مبررا لإعطاء الشرعية لعنف الدولة.
وثاني المبررات التي تشرعن العنف حسب فيبر يتمثل في والعادات والتقاليد الاجتماعية، وفي هذا الباب يمكن أن نتحدث عن الكاريزمية التي يتمتع بها رجال السلطة و زعماء الأحزاب والحكام ورجال السياسة عموما.
وتبعا لما تقدم، امتلكت المتحدثة قدرا من الجرأة أهلها لطرح هذا السؤال الأساسي: كيف نقاوم العنف؟ وكان جوابها بكل بكل بساطة: لا مقاومة للعنف بدون ديمقراطية حقيقية، مؤكدة أن الفكرة الضامنة للقضاء على العنف، سواء تعلق الأمر بالعنف في أشكاله المختلفة أو بالعنف ضد المرأة، هي فكرة الديمقراطية التي هي السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف.
مباشرة بعد آخر كلمة نطقت بها أمال غنام، أذنت بديعة الجمالي للفاعلة الجمعوية نجية تزروت بالشروع في إلقاء مداخلتها.
انطلقت الاستاذة تزروت من كون العنف ضد النساء شكلا واضحا من أشكال التمييز ضدهن وانتهاكا صارخا لحقوقهن الإنسانية المكرسة في مختلف الاتفاقيات والقوانين والصكوك الدولية لحقوق الإنسان، ثم أشارت إلى أن التقرير السنوي حول العنف القائم على النوع الاجتماعي برسم 2025/2024 صدر عن الفيدرالية وشبكتي إنجاد ونساء مناضلات في سياق وطني ودولي يتسم بتصاعد الوعي بخطورة الظاهرة باعتبارها أحد أوسع انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا. فعلى الصعيد العالمي، تتعرض امرأة من كل 3 نساء للعنف الجنسي أو البدني، وهي نسبة ظلت شبه ثابتة خلال العشرية الأخيرة. أما وطنيا، فتكشف معطيات البحث 7,6 مليون امرأة من أصل 13,4 مليون امرأة تتراوح أعمارهن بين 14 و70 سنة تعرضن لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف، أي ما يعادل 57٪ من النساء المغربيات.
عن الإطار المعياري للتقرير، قالت الأستاذة تزروت إن الأخير يستند إلى مختلف المرجعيات الأممية، وفي مقدمتها تعريف العنف ضد النساء بأنه "فعل عنيف قائم على عصبية الجنس، يترتب عنه أو يحتمل أنه يترتب عنه أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء في الحياة العامة أو الخاصة". وترى المتحدثة أن هذا التعريف يؤكد شمول الظاهرة وتعدد تجلياتها الجسدية والجنسية والنفسية والاقتصادية والرقمية والقانونية، كما أنه يبرز أن مكافحتها التزام قانوني وأخلاقي يستند إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تكرس المساواة وتحظر التمييز بسبب الجنس.
تلزم هذه المعايير، تواصل الأستاذة تزروت، الدول باعتماد تدابير فعالة للحماية والوقاية والتتبع القضائي وضمان سبل إنصاف الضحايا، بما يعزز الاتساق بين الإطار الحقوقي الدولي والسياسات الوطنية المستدامة والعدالة المجالية. ويعتبر القضاء على العنف ركنا مركزيا في هذا التوجه الاستراتيجي باعتباره أساسيا لصون كرامة المواطنات والمواطنين.
وعن السياق الوطني الذي صدر ضمنه التقرير، قالت المتحدثة أنه يأتي في إطار تتبع وفاء المغرب بالتزاماته المرتبطة بأجندة التنمية المستدامة 2030، ولا سيما الهدف الخامس المتعلق بالمساواة والقضاء على العنف ضد النساء والفتيات، وكذا التزاماته ضمن اتفاقية سيداو ومنهاج عمل بيجين بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على اعتماده. وتزداد أهمية هذه الالتزامات في ظل المكانة المتعززة للمغرب عبر صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797 الصادر يوم 31 أكتوبر الأخير، والذي يضع على عاتق الدولة مسؤولية تعزيز منظومة حقوق الإنسان وتجويد السياسات العمومية وترسيخ نموذج تنموي يقوم على سيادة القانون والعدالة والإنصاف والمساواة والمنااصفة.
كما تنسجم مخرجات التقرير مع التوجهات الملكية الداعية إلى اعتماد جيل جديد من برامج التنمية التربية يكون الإنسان محورها الأساسي، إذ يشكل تمكين النساء وضمان سلامتهن شرطا جوهريا لتحقيق التنمية. ويؤكد التقرير على المرجعية الدستورية، وأساسا ما يتعلق منها بمناهضة التمييز والعنف ضد النساء وضرورة ملاءمة مختلف التشريعات معها بما يضمن المساواة الفعلية والمناصفة. كما يؤكد على أهمية انسجام السياسات العمومية المعتمدة مع هذه التشريعات ومع واقع العنف والتمييز ضد النساء، بما يضمن تنفيذا حقيقيا وفعالا للحقوق والمبادئ الدستورية المتعلقة بحماية النساء والنهوض باوضاعهن.
وتلاحظ الأستاذة نجية أن التقرير يهدف إلى تقديم صورة دقيقة وشاملة عن حالات العنف الواردة على الفيدرالية وشبكة نساء متضامنات، وإلى تحليل الاتجاهات المستجدة للعنف على ضور الواقع والتحولات الرقمية والاجتماعية والقانونية، وإلى مقارنة المعطيات الرصدية بالمعطيات الوطنية الرسمية لتقييم أثر السياسات العمومية، ويهدف التقرير أخيرا إلى رصد الأشكال الجديدة للعنف وتقديم توصيات عملية لتعزيز العناية الواجبة للدولة في منظومة الحماية والوقاية والتكفل والعدالة.
وفي باب الرصد والإحصاء لأعداد النساء المعنفات الواردة على المراكز، قالت الأستاذة تزروت إن مراكز الاستماع التابعة لشبكتي تلرابطة إنجاد ضد عنف النوع ونساء مناضلات استقبلت 4279 ناجية من العنف خلال الفترة الممتدة بين فاتح يوليوز 2024 و30 يونيو 2025. ويكشف تحليل مجمل حالات العنف المصرح به لدى الشبكتين معا عن كون أفعال العنف بلغت 28980 فعلا، ويبقى العنف النفسي هو الأكثر انتشارا بين صفوف الضحايا اللائي يلجأن إلى التبليغ عنه، حيث حددت نسبته في 47٪؛ أي ما مجموعه 13740 فعل عنف. كما حددت نسبة العنف السوسيوقتصادي في نسبة 23٪ بما مجموعه 6584 حالة عنف، ونسبة العنف القانوني في 10٪ بما مجموعه 2944 فعل عنف، ونسبة العنف الجسدي في 8٪ بما مجموعه 2402 فعل عنف، ونسبة العنف المعلوماتي في 7٪ بما مجموعه 1960 حالة، وحددت أخيرا نسبة العنف الجنسي في 5٪ بما مجموعه 1350 فعل عنف.
افتتح عبد الله عنتار، الباحث في علم الاجتماع مداخلته التي عنوانها "المرأة اليابانية والمرأة المغربية بين النفي والاعتراف" بتحديد معنى النفي استنادا إلى كتاب فينومينولوجيا الروح" حيث يتحدث مؤلفه هيجل عن تطور الوعي من مرحلة النفي أو الانغماس في الطبيعة إلى مرحلة الحرية والاعتراف. ثم تساءل المتدخل: كيف يحصل هذا التطور؟ على هذا السؤال يجيب هيجل بأن هناك وعيين ذاتيين يخرجان إلى العالم ويسعيان إلى إثبات نفيهما عبر صراع حتى الموت من أجل الحياة. يخاف أحدهما على حياته ويستسلم، فيصبح عبدا منفيا خانعا، وهذا هو العبد. أما الآخر فقد خاطر بحياته وانتصر فأصبح سيدا، وهذا هو السيد.
وهكذا استنتج الأستاذ عنتار أن معنى النفي هو الخضوع والخنوع والاستسلام بسبب الإبعاد والإقصاء والهزيمة. الآن، ما هو الاعتراف؟ جوابا على هذا السؤال، قال عنتار إن الاعتراف ليس مجرد إقرار بوجود الآخر، بل هو عملية جدلية تشكل الذاتية البشرية نفسها. والذات/الأنا لا تدرك نفسها كذات مستقلة إلا من خلال عيون ذات أخرى. ولا تصبح الذات حرة وحقيقية إلا إذا خاطرت بحياتها بحثا عن الاعتراف باعتباره قبولا من الآخر.
من هذا المنظور الفلسفي، تعهد عنتار بأن ينجز دراسة مقارنة بين المرأة اليابانية المغربية مع الإجابة على السؤال التالي: ما هي وضعية كل من المرأة اليابانية والمرأة المغربية منذ بداية القرن الـ20 إلى اليوم.
إن الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه الاستاذ عبد الله عنتار هو إبراز أوجه الشبه والاختلاف بين وضع المرأة في المغرب ووضع نظيرتها في اليابان من خلال
الاشتغال على عملين: الأولى "رحلة إلى اليابان" لعلي أحمد الجرجاوي، والثاني "شهرزاد ترحل إلى الغرب" لفاطمة المرنيسي.
نحن نعلم، يتابع عنتار، أن اليابان منذ ثورة ميجي منذ أواخر القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، حققت إنجازا مهما وإقلاعا حضاريا وعلميا بفضل إسهامات المرأة اليابانية التي لعبت أدوارا على عدة مستويات. وقبل الدخول في صلب الموضوع قرر المتحدث أولا التعريف بفاطمة المرنيسي وبعلي أحمد الجرجاوي. عن الكاتبة، قال عنتار إنها عالمة اجتماع وباحثة وكاتبة مغربية رائدة، عاشت بين سنتي 1940 و2015 وتعد من أكبر أصوات النسوية الإسلامية في القرن الـ20. اتسم عملها بالجمع بين النقد الاجتماعي الجريء والعمق الأكاديمي مع التركيز على قضايا المرأة والإسلام والسلطة. من مؤلفاتها ذكر صاحب المداخلة "الحريم السياسي"، "النبي والنساء", "ما وراء الحجاب"، شهرازاد "ليست مغربية" و"الإسلام والديمقراطية"، إلخ.
وعن الجرجاوي، قال الأستاذ عنتار إنه عالم دين إسلامي ومفكر إصلاحي مصري ينتمي إلى عصر النهضه العربية في بداية الفرن العشرين، مفكر إصلاحي وصحفي مصري.
كان من رواد حركة النهضة العربية في النصف الأول من القرن العشرين. عاش بين سنتي 1878 و1961، درس بجامعة الأزهر واشتغل بالمحاماة وأسس صحيفة الإرشاد وجمعية بطوكيو من أجل نشر الدعوة الإسلامية. من كتبه "الرحلة اليابانية" (1905).
يؤكد الجرجاوي، كما يقول المتدخل، أن المرأة اليابانية أثبتت ذاتها ووجودها واعترف بها المجتمع الياباني من خلال الدور الذي لعبته على مستوى التربية الصحيحة والآداب الفاضلة والثقافة والوعي.
يقول إن المرأة اليونانية تدخل إلى المدرسة في سن الخامسه سواء كانت الأسرة غنية او ففيرة. ومن لم يدخل إلى المدرسة يعد أحط الناس وأسفههم عقلا ويصمونه بوصمة العار.
ويظهر من كلام الجرجاوي أن المرأة ساهمت، بشكل أو بآخر، في نهضة المجتمع الياباني من خلال الثقافة والوعي. يقول الجرجاوي: لو اختبرنا أحوال المرأة اليابانية في ادوار حياتها من يوم دخولها إلى المدرسة إلى اليوم الذي تصير فيه زوجة لوجدنا أنها عنوان الكمال والفضيلة وحسن الآداب وحب الوطن كأن حب الوطن علم من العلوم التي تتلقاها في المدرسة فهي تطبق العلم على العمل.
وبالنسبة إلى فاطمة المرنيسي، قال عنتار إنها تربط بين الحريم ونظام السلطة/الحكم المطلق. فكما يحكم السلطان رعاياه بحدود صارمة، يحكم الرجل حريمه (نساء الأسرة). وبهذا المعنى تكون النساء "رعايا" الذكر السيد في الفضاء الداخلي، كما أن الرعية هي "حريم" السلطان في الفضاء العام.كما أن الخوف من الفتنة (قوة المرأة الجنسية تستخدم لتبرير عزل المرأة والسيطرة عليها داخل الجدران وبين الأقفال والأعراف.
ويتبنى عنتار ما توصلت إليه فاطمة المرنيسي من نتائج من خلال بحثها في الحريم السياسي؛ كأن يحول النساء من فاعلات إلى مفعولات بهن، وكأن يتم إلغاء الطاقة البشرية لنصف المجتمع وما يستتبع ذلك من حد من إسهام المرأة في تنمية المجتمع، وكأن يخلق عالمين منفصلين (عام/خاص) غير صحيين ويكرس الاستبعاد الاجتماعي، وأخيرا كأن يربط بشكل وثيق استبداد الحكام في المجال العام واستبداد الذكور في المجال الخاص.
يتبين من خلال هذه المداخلة أن المرأة اليابانية لعبت دوراً في النهضة اليابانية، خاصة في فترة ميجي (1868- 1912)، بحيث تبدو المرأة كأداة للتحول الوطني، إذ اشتغلت في مصانع النسيج والحرير. ومن جهة اخرى، شجعت الدولة النساء على تعلم أساسيات الصحة والتغذية لتربية جيل قوي من الجنود والعمال لخدمة الدولة، كما أصبحت الأم مواطنة داخل المنزل مسؤولة عن بناء أجساد وعقول مواطنات ومواطني المستقبل.
وفي المقابل، شكل الحريم أداة للفصل والنفي، وكان بذلك نظاما اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا وقانونيا ساهم في تأخير تنمية المجتمع المغربي؛ إذ الغى مساهمة نصف المجتمع في الإنتاجية والابتكار.
وقبل إسدال الستار عن هذه المائدة المستديرة، أعطت الأستاذة بديعة الجمالي الكلمة للعلمي الحروني، عضو المجلس الوطني للحزب المنظم، ليتلو على الجميع بيانا تضمن توصيات ختامية دعت إلى اعتماد مقاربة مجتمعية شمولية لمناهضة العنف، تقوم على العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
وأكد البيان أن العنف ضد النساء لا يمكن اختزاله في مقاربة أخلاقية أو زجرية محضة، ولا في ثنائية الرجل/المرأة، بل هو نتاج علاقات اجتماعية غير متكافئة واختلالات بنيوية تتقاطع فيها العوامل الاقتصادية والطبقية والثقافية والمؤسساتية.
وسجل المشاركون والمشاركات تضامنهم المبدئي مع النساء ضحايا القمع الاجتماعي والسياسي، ومع النساء المتضررات من الحروب والنزاعات، وأمهات وزوجات وأخوات المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والحراكات الاجتماعية السلمية، إضافة إلى النساء المتضررات من الفواجع الاجتماعية والفيضانات، والنساء في المناطق المهمشة والبوادي.
وحذر البيان من خطورة استيراد مقاربات اختزالية أو صدامية لمناهضة العنف، لا تراعي الخصوصيات التاريخية والثقافية للمجتمع المغربي، مؤكدا أن الدين في جوهره القيمي والإنساني لا يشكل عائقا أمام مناهضة العنف، وأن الإشكال يكمن في القراءات الذكورية المحافظة والتوظيف الإيديولوجي للنصوص.
كما اعتبر البيان أن العنف الرقمي يشكل امتدادا حديثا للعنف البنيوي، داعيا إلى سياسات عمومية جديدة ترتكز على الوقاية والحماية والتربية الرقمية السليمة، بدل الاقتصار على المقاربة الزجرية.
وعلى المستوى القانوني والمؤسساتي، دعت التوصيات إلى تقييم شامل ومستقل لتجربة تفعيل القانون 103.13، ومراجعة مقتضياته، خاصة ما يتعلق بالحماية الاستباقية للضحايا، مع إقرار آليات واضحة وملزمة للتنسيق بين مختلف المتدخلين، وتعميم مراكز الإيواء والمواكبة النفسية والقانونية بتمويل عمومي قار.
دعوة للانضمام الى موقعنا في الفسبوك
|
نظام تعليقات الموقع متوقف حاليا لاسباب تقنية نرجو استخدام تعليقات
الفيسبوك
|