الذكورية ارث لم ينته بعد



مشتاق الربيعي
2025 / 12 / 24

بالحقيقة، لا يمكن إنكار أن المجتمع ما زال ذكوريًا بامتياز، وهي حالة ممتدة منذ عصور ما قبل الإسلام وحتى يومنا هذا. التغيير الجوهري الوحيد الذي حدث بعد بزوغ الإسلام تمثّل في إنصاف المرأة ومنع دفنها حيّة، حيث كفل لها القانون السماوي حقوقها بوضوح كما ورد في القرآن الكريم، وأعاد لها كرامتها الإنسانية والاجتماعية.

لكن وعلى الرغم من ذلك، ما زالت المرأة تعاني أشكالًا مختلفة من التمييز في واقعنا المعاصر. ففي وقتنا الحاضر، عندما تبحث المرأة عن فرصة عمل، أو تكون بحاجة إلى إنجاز معاملة أو طلب مشروع، نجد – مع شديد الأسف – أن بعض ضعاف النفوس يربطون ذلك بطلب تنازلات تمسّ كرامتها وإنسانيتها، في سلوك مرفوض أخلاقيًا ودينيًا وقانونيًا.

وبعد كل ذلك، جاءت الطامة الكبرى مع تعديل قانون الأحوال الشخصية من قبل مجلس النواب الموقر، وهو تعديل سيّئ الصيت والنتائج، إذ سمح بزواج القاصرات، واغتال البراءة، وعبث بمستقبل الطفولة، فضلًا عن التلاعب بأحكام الميراث، في مخالفة صريحة للقوانين الوضعية والسماوية على حد سواء.

إن هذا التعديل المجحف لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة، ولو كانت هناك نية حقيقية للإصلاح أو التعديل، لكان الأجدر إشراك قضاة مختصين، وباحثين اجتماعيين، وخبراء قانون، لما لهذا الملف من حساسية وتأثير مباشر على بنية المجتمع واستقراره.

ورغم الرفض الواسع لهذا التعديل من قبل قوى سياسية وطنية، ونشطاء مجتمع مدني، وشخصيات بارزة من فنانين وإعلاميين، إضافة إلى شريحة كبيرة من أبناء الشعب العراقي، أصرت بعض القوى السياسية على تشريعه، في تجاهل واضح لإرادة المجتمع ومخاوفه.

ومع كل الأسف، ستبقى الأمومة والطفولة مظلومتين ما دامت القوانين تُشرَّع بعقلية ذكورية، وتُدار المصالح على حساب الإنسان، فالمرأة ليست هامشًا في المجتمع، بل هي أساسه، وحين تُهان المرأة يُهان المجتمع بأسره.