معك ياأم الكون في يومك العالمي



بدر الدين شنن
2007 / 3 / 8

إن ا ستمرار التمييز بين الرجل والمرأة ، باعتبارها كائناً ناقص الأهلية ، مقارنة بالرجل ، هو أكثر مظاهر التخلف الحضاري سوءاً ، وهو إنكار جحود لفضلها الكبير في بقاء الجنس البشري ، والارتقاء به إلى مستويات متنامية من القدرة والاكتشاف وإلانتصار على الكثير من تحديات صراع الإنسان مع الطبيعة ، ومع شروط الحياة البالغة القسوة والتعقيد

ولاغلو إذا قلنا أن المرأة كانت الرحم ، الذي احتضن الحياة الإنسانية في فجر التاريخ ، بقيامها بالدور الأساس في تشكيل الأسرة ورعاية الطفولة ، وفي ا ستنباط وسائل معيشية في الزراعة والتدجين ، وفي إبداع أحلام البقاء في عالم كل ما فيه ملتبس . إلى أن حدث الانقسام الاجتماعي الأول ، وانتقلت المجتمعات البسيطة من التعاونية والتضامن الفطري تحت رعاية الأمومة ، إلى سيطرة الأقوى .. وسيطرة التمييز لصالح الأقوى تحت سيطرة الذكورة . ومنذئذ .. وحتى الآن ، على مستويات وأشكال مختلفة ، تكابد المرأة التمييز ضدها ، لاستدامة ا ستغلالها واخضاعها لمصالح ومفاهيم المجتمع الذكوري

ويمكننا القول ، أن المرأة في معظم بلدان العالم العربي تكاد تصنف في آخر السلم الحضاري ، مقارنة مع المرأة في في البلدان المتقدمة ، التي ا ستطا عت ، بنضالها الدؤوب وبمساندة قوى التقدم والتحررالإنساني ، أن تصل إلى انتزاع حقوقها وتحقيق مساواتها بالرجل . . فالمرأة العربية مازالت تخضع لشروط إنسانية تجاوزها الزمن والتطور الحضاري ، مثل تعدد الزوجات ، والنقص في الاعتبار عند الشهادة الشرعية ، وسلبها نصف حقها في الميراث ، وحصارها بعادات وتقاليد تحد من حريتها وخياراتها في الحياة ، في وقت برهنت فيه ، حيث أتيحت لها الفرص ، أنها ليست أقل قدرة من الرجل على التعلم والإبداع ، بل والتفوق عليه في كثير من الأحيان . ولعل أقسى ما تلاحق به المرأة العربية المسلمة الآن ،هو فرض الحجاب عليها ، أي تغليفها بقشرة .. برداء عزل نفسي ووجداني معوق لحضورها الاجتماعي والإنساني ، لتبقى أسيرة نزعات الذكورة المتخلفة ، تحت غطاء متخلف من العادات والتقاليد ، وغطاء مجحف مشكوك في صحته من الاجتهادات والفتاوى المتناقضة

وتتميز قسوة ملاحقة المرأة بالحجاب داخل العالم العربي وخارجه ، با ستخدام الحجاب أدة سياسية ليس للإمعان في احتواء المرأة ضمن وعاء الماضي المتخلف فحسب، وإنما ا ستخدامه والمرأة " أداة شرعية " في الصراعات السياسية ، التي تخوضها القوى السياسية الدينية لتحقيق أوسع تعبئة شعبية لاستلام السلطة في الداخل ، أو لتجنيد أكبر عدد ممكن من المهاجرين لبناء مؤسسات تكسب مالي وسياسي في الخارج . والاستجابة الواسعة لهذا النشاط الديني شكلاً والسياسي مضموناً في الداخل ، سواء من قبل النساء أو من ذويهم من الذكور ، مردها ، إلى أن معركة الحجاب ، إذا صح التعبير ، مقبولة نفسياً في ظروف الكبت القمعي العام ، والحراك متاح تحت عنوان الحجاب بسلاسة سياسية غير مكلفة ، تتقاطع كلها في الرغبة بإظهار التمرد على النظام السياسي القمعي . أما في الخارج ، فإن الاستجابة لهذا النشاط حمالة أوجه متعددة، السياسي منها هو التمسك بالهوية أمام الاغتراب وانسلاخ الجلد المؤلم أمام إغراءات وقسوة الاغتراب

وبعيدًا عن التقاليد الموروثة والخلفيات " الفقهية " ، فإن الحجاب قد أضاف مضموناً آخر لنضال المرأة ، ليس تجسيده بالاستجابة الانفعالية والقبول بتعميم الحجاب ، وإنما برفض فرض هذا النشاط " الحجابي " على المرأة ، واعتبار ممارسة حق هذا الرفض جزءاً لايتجزأ من حقوق وحرية المرأة ، وهذا لايتناقض مع حقها باختيارها ألبستها كافة ، بما فيها غطاء الرأس إن شارت ، بالشكل الذي تختاره وتحبه بقناعتها وحريتها ، ضمن جملة خياراتها الأخرى ، في نضالها لانتزاع كامل حقوقها ، أي رفض أن تختزل حرية المرأة وحقوقها ، بحرية الموقف من الحجاب . بمعنى أن لايكون الموقف من الحجاب بديلاً ، أو يسقط ، الحقوق الأخرى المتعلقة بالمساواة مع الرجل في الشهادة والإرث ومكونات الأسرة ، وفي كافة المسائل القانونية الأخرى التي يتمتع بها الرجل ، وخاصة في مجال الحقوق السياسية وفي مقدمتها حق الترشيح والانتخاب لأي مستوى أو منصب في الدولة والمجتمع

وفي الثامن من آذار يوم المرأة العالمي .. عيد الكائن العظيم في العالم الإنساني .. منذ أن وجد الإنسان .. كم هو مؤلم ومحرج .. أن نكون في القرن الواحد والعشرين .. مازلنا في العالم العربي متخلفين إلى درجة نجد أنفسنا فيها نناقش ، تحت ضغط القمع والتخلف .. موضوع الحجاب .. أن تلزم المرأة بتغطية شعر رأسها بخرقة .. أم من حقها أن تكشف شعرها للشمس والهواء والحرية .. في وقت كل العالم العربي فيه مكشوف أمام نهب وهيمنة الجلادين ..ومستباح .. وعار .. كله من الرأس إلى أخمص القدمين أمام الأميركان والصهاينة والتجارة الحرة والعولمة المتوحشة

أيتها المرأة .. الأم والأخت والإبنة والحبيبة .. ياأم الكون .. لكسر كل القيود .. التي تحد من حريتك واعتبارك .. نحن معك