إعلامنا الإرهابي ومكانة المرأة مع التحيات للمناضلة د. نوال السعداوي



بلقيس حميد حسن
2007 / 3 / 8

عندما امتلات سطوح المنازل والابنية في العالم العربي بالأطباق اللاقطة للمحطات الفضائية , وخاصة في الدول التي كانت محرومة منها بفعل الحكومات الديكتاتورية كالعراق وغيره , استبشرنا خيرا بانتشار الثقافة والافكار الحضارية التي صار انتشارها اسهل على كل الناس حيث تدخل اليهم بكبسة زر دون عناء ولا سفر ولا بحث ولا شراء كتب , خاصة ان نسبة الاميين كبيرة ببلداننا ومخاطبتهم على شاشات التلفزيون يـُسهّل عملية توعيتهم وافادتهم بكل مفيد من علم وتقدم .. لكن الطامة الكبرى ان تتحول هذه الفضائيات بوقا ً للخرافات والفتاوى الدينية التي لا تمت الى الحضارة والثقافة والوعي البشري في زماننا الحالي بصلة , حتى غدت هذه الفضائيات تفتعل الاخبار والبرامج المضحكة ارضاءا للتيارات الدينية وخوفا منها . فقبل ايام طلعت علينا احدى القنوات العراقية التي تبث من مصر بتقرير مضحك محشور بين تقارير الاخبار بعنوان مكانة المرأة العربية , قابلوا به نساء مسكينات لا يستطعن ان يركبن جملة مفيدة يتلعثمن بكلام غير مفهوم مما كتب لهن , بعد ان ابتدأت احدى المحجبات من النساء المصريات اللواتي يزددن في الفضائيات العربية هذه الايام لتقول:
لابد للمرأة العربية ان تؤثر هي على نساء الغرب لا ان تتأثر بهن , زاعمة ان مكانة المرأة العربية هي الفضلى وهي التي لا بد وان تكون نموذجا تتعلم منه النساء في كل العالم , منتقدة النساء العربيات الداعيات الى المساواة واللواتي يطالبن بحياة حضارية مثلما تتمتع بها نساء الغرب.
لقد كانت فكرة التقرير هو الهجوم على الناشطات العربيات المطالبات بحقوق المرأة في العالم العربي , ويزعم التقرير ان المرأة العربية لها مكانة لم تستطع المرأة الغربية الحصول عليها اذ ان الجنة تحت اقدامها وهذه هي اكبر مكرمة لها ...
انه لامر مضحك حقا , ان تعيش المراة العربية طوال حياتها ذليلة, سجينة, خائفة لاحقوق لها في الميراث الا النصف, ولاخيار لها في اختيار شريكها, ولاخيار لها في السفر والعيش, ولا خيار لها في اختيار عدد ما تنجب من الابناء , ولا خيار لها في المتاجرة بمالها , ولا حرية لها في التصرف ببيتها , لان للرجل القوامة عليها والبيت له في كل شيء وهي كمستعمـَرة- بفتح الميم- خاضعة له متى شاء طلقها او تزوج غيرها وقتلها قهرا, وان اشتكت فالتقاليد والدين يفرضان عليها الصبر وعدم التفريط بزوجها الذي لا بد من البقاء معه وان كرهت حتى يمن عليها هو بورقة الطلاق ان شاء وان لم يشأ فلابد من ان تنهي حياتها بتعاسة بين الجدران وتختصر العمر بالحسرات على ذهاب الشباب , انها حياة اشبه بالموت , حياة لا تحسد عليها المرأة العربية او المسلمة ابدا , كل هذا لانها بعد الموت قد تكون الجنة تحت اقدامها , وقد لا تكون فالمرأة خطاءة وناقصة عقل ودين وهي فوق ذلك ذات كيد عظيم ستعاقب عليه حتما لتدخل النار ...
اية عقليات تقبل هذا ؟
واي انسان يحترم حقه في الحياة يستجيب لما يريدون؟ هل هناك من يرضى هذا سوى من تعرض للترهيب والترغيب وغسيل الدماغ؟ ..
مسكينة المرأة العربية التي اراها تخرج في الفضائيات وهي ترد بين كلمة واخرى حجابها عن عينيها او ترفعه للأعلى او تنزله او ترسله الى جانب اخر , ومسكينة هذه المرأة التي تنقبت ولم يخرج منها سوى سواد عينين تريد اختراق النور لترى . ومسكينة الة التصوير حينما تكون بيد اناس يصورون العباءات التي لا يبين من ورائها شيء , اين ذكرياتهم ؟ واين وجوههم التي لابد وان يرونها من خلال الصور؟
امر محزن ومضحك في حين , والأغرب منه ان الفضائيات العربية لا تخجل من مشاركة تلك النسوة في برامج المسابقات وسواها , حيث تجلس المنقبة مثل ضفادع النينجا المخيفة , والسؤال المطروح هنا , لو كانت المنقبات من شعوب فقيرة هل احترمت وقبلت في الفضائيات كما يحصل اليوم لمنقبات الخليج ؟
هنا استعيد شطر من بيت شعر للسياب العظيم حين يقول:
المال شيطان المدينة ..
الفضائيات مملوكة لأ صحاب الاموال يفرضون عليها ما يريدون , والتقاليد مملوكة لأصحاب الأموال ينشرونها فتقلد من قبل الاكثرية اللاهثة وراء الاموال تلك .حتى الفن هو الاخر صار للمراقص والبارات اولا , وصار فنانوا العرب يقلدون لهجات البلدان الغنية التي تفتح لهم المسارح والمراقص الليلية وتغدق عليهم المال .. لقد تقولبت الافكار حسب الطلب , وصارت عارضات الازياء يعرضن الحجابات المزركشة بفصوص الياقوت و الالماس والاحجار الكريمة , وتتثنى عارضة الازياء بحجابها جاعلة الحجاب آخر مودة. اية مهزلة تحصل في الاعلام العربي؟ .
وما اكثر البرامج التي تعج بالملتحين الحاقدين على المرأة والباحثين ليل نهار عن اسرار المرأة والرجل والحلال والحرام في السرير, وكأنه السبب الرئيس في خراب العالم وضياع فلسطين والعراق ولبنان والسودان وخراب مصر وليبيا والجزائر وتخلف الشعوب العربية وارتفاع نسبة الامية بها, الحلال والحرام وطول اللحية كم سنتمتر, وغطاء المرأة كيف يجب ان يكون , هذه اكثر البرامج في اغلب الفضائيات ولا ادري لماذا لا زالت تبث قناة اقرأ بكل حرية فكرها الارهابي وتبعد الشباب عن العلم والابتكارات ؟ ولماذا فضائيات العرب وحدها لا تحسب للعلوم حسابا ؟ ولا للمشاكل الحقيقية التي تتفشى بالمجتمع كالفقر والأمية ؟ لماذا لاتتوقف هذه القنوات عند الارهاب وكيفية انزلاق الشباب به ؟ ولماذا لم يفكروا ويتوقفوا عند اسباب الهجرة التي تزداد يوما بعد اخر الى بلدان يسمونها بلدان الكفر والتي تغيث الملهوف الهارب من نيران وقهر البلدان العربية ؟
ان التقرير المفتعل الذي بث في تلك القناة يتزامن مع مغادرة المناضلة والاديبة الدكتورة نوال السعداوي من مصر, هذه المرأة التي علمت ملايين العربيات صرخة المطالبة بحقهن في الحياة والحرية والكرامة , المرأة التي تحملت الكثير حين شخصت اخطاء المجتمع وشرحتها تشريحا امام الأنظار كي نلغي الخرافات واساطير القرون الوسطى ونمجد العقل.
لقد اصبحت بلاد العرب تربة خطرة على كل ذي فكر حر , فكما حورب قبلها افضل مفكري مصر , تهاجر اليوم هذه المناضلة لتبقى الفضائيات العربية تزعق باصوات المحجبات الداعيات الى العودة الى الوراء ,وان كان الإرهاب بقيادة القاعدة قد فقد مكانته العسكرية وانهزم بالسلاح فها هو ينتصر على العرب في الاعلام ويوظفه لمصالحه , فالردة الكبرى حصلت وهي تتسارع نحو الوراء يوما بعد آخر وآسفين نقول :
لقد غرقنا بعصور الظلام من جديد .. كانوا يقولون ان مصر تؤلف ولبنان تطبع وبغداد تقرأ , اما اليوم فها هي مصر التي كانت تؤلف تهزم اليوم هدى شعراوي, وقاسم امين, ومحمد عبدة, وطه حسين لصالح مشايخ التطرف وتقتل يوميا سيد درويش, وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب, وام كلثوم, لصالح فن الغرز والباطنية .
وها بغداد التي تقرأ , نراها لا تستطيع حتى القراءة وما يخرج علينا من مذيعين ومذيعات ومقدمي برامج لا يجيدون قراءة الاخبار بالعربية الفصحى كما يجب, وها هو اقدم شارع بغدادي باسم اشهر شعراء العرب المتنبي, يـُفجر لتتطاير الكتب والمعرفة كفراشات محترقة شاهدة على جريمة من اكبر جرائم التأريخ بحق الثقافة.
وها لبنان التي كانت تطبع تتعارك وتتصارع ويتحجب جنوبها وتغرق في حروب طائفية لا تقل عن صراعات القرون الغابرة .
وهنا لابد لنا كعقلاء الربط بين ما يحصل في مصر ومايعكس على هذه القناة من رغبة في ان تكون هذه تابعة للفكر السلفي, السائد اليوم في مصر كما في سواها من بلدان العرب, فهل ننتظر اليوم الذي تتحجب به كل المذيعات في القنوات العربية , تحقيقا لارادة بن لادن وامواله ومن يؤيده في السلفية والارهاب؟
7-3-2007