المرأة في زمن العولمة



عمار ديوب
2007 / 3 / 10

لا يقاس التطور بمرور الزمن ، بل بما أنجزه الإنسان عبر ذلك المرور. وعندها إما أن تكون الحياة رديئة وظالمة وإما أن تكون جميلة ورائعة .
واقع المرأة العربية ليس إلا استثناء لتثبيت قاعدة الاستغلال والظلم التي تقع على الطبقات الفقيرة . حيث تتمركز في واقعها كل أشكال الاستعباد ، ففي دراسة واقعها يمكن فهم الواقع العربي ، وإذا ما درسنا مشكلات الواقع العربي ستكون تلك المشكلات العميقة مركزة في حياة المرأة العربية ..
هذا الإنسان التي هي أم الكون تعاني من أشكال متعددة من الظلم :
الظلم المنزلي ،حيث سيدة المنزل أو ربة البيت لا تعوض بأجر ، ولا يعتبر عملها ذو قيمة ، وهي متهمة بأنها عالة على الأسرة ، وجميع أفراد الأسرة الصغير والكبير ينكلون بها كجارية. والرجل المظلوم يفرغ كل القهر الذي يقع عليه في عالم الاستغلال على زوجته التي تطيع أو تبكي أو تحتضنه وتغويه وقد تكره نفسها وتزني أو، أو ...
ظلم أصحاب العمل : في واقع العمل ، عادة أجور المرأة لا تساوي أجور الرجل ولو كان العمل نفسه ، وتستثنى من المواقع القيادية ، حيث السياسية محتكرة على الرجال ، ويزيد قهرها كونها بعرف المجتمع المتخلف ، المستند إلى الآلهة وقوانينها المقدسة ، لا تزال وستبقى قاصرة ، ومحدودة الإمكانيات ، ولا يوثق بقدراتها ، ولهذا هو يرفض ترقيتها لمناصب سياسية وإن لم يعلن ذلك بوضوح فأن ذلك لا يغير من هذه الحقيقة . وأكثر البرلمان العربية – مجرد ديكورات – تفضح هذه الحقيقة المرة ، حيث الذكور ، هم وحدهم ممثلي التخلف ...
ففي لبنان ، بلد الحريات الأولى في الوطن العربي ، وسويسرا الشرق ، هذا البلد العظيم ، لا تشكل نسبة النساء البرلمانيات فيه أقل من عدد أصابع اليد الواحدة لأصغر طفل..
المفارقة المقيتة أن الأنظمة العربية وكي تزين صورتها المشوهة ، وتهيمن على نصف المجتمع المقهور بطريقة المكرُمات اللئيمة صارت تحدد كوتا (حصة) للنساء في برلماناتها..
ظلم الاستغلال الجنسي : هذا واحد من المواضيع المغيبة والخطرة التي تعانيه المرأة بصمت الحجارة ، ففي القطاع الخاص ، تغيب الحقوق بالمطلق وينخفض الأجر بشكل مذل لكرامة المرأة والإنسان ، فيصبح صاحب رأس المال ، الآمر الناهي في شروط العمل واستمرار أو عدم استمرار عملها ؟؟!!
وباعتبار أصحاب رأس المال يسيطرون على أكثر من نصف الاقتصاد فإن ممارساتهم الاستغلالية الجنسية للمرأة حقيقة قائمة ، وباعتبار كذلك أجور القطاع العام لا تتوازن أبداً مع الأسعار في عالم الانتقال الليبرالي المتوحش فإن مشكلات الانحراف والاستغلال الجنسي من قضايا الساعة..
هذا الاستغلال وعدم المساواة أخطر ما يظهر في قوانين الأحوال الشخصية التي تتحول فيها المرأة إلى شخص شبه عاجز أو بدون عقل ، فالمرأة لا تستطيع إعطاء الجنسية لأولادها ولا لزوجها وشهادتها ناقصة ، ويمكن للمجرمين من قتلة النساء بحجة الشرف دون سند أو تحقق من الواقعة ، أو حتى في حالة التحقق من الواقعة ،أن يستفيدوا من انحطاط القوانين المشمولة في مادة العذر المُحل ، فيتم تبرئتهم كمنقذين للمجتمع من الانحطاط متناسين أن المجتمع حين ينحط تنحط المرأة أو تضيع ولكن الكارثة أنها وحدها من تُحمّل المسؤولية التافهة..
ظلم التعليم : التعليم الذي هو بوابة الإنسان نحو التقدم ، مع إدخال مادة الديانة فيه . والتي تحتوي تمييزاً ضد المرأة ككائن عاقل ومساوي للرجل ، يتم فيه تشويه مساواة حقوق المرأة بحقوق الرجل على قاعدة المواطنة و تشويه التعليم نفسه، فيصبح التعليم اختصاصاًً ومهنة لتامين الرزق .
وأما الرؤية للمجتمع فهي الرؤية الدينية السياسية الماهوية . وبذلك ينفصل العلم عن العالم أو العلمانية ويصبح الرجل سيد العالم ومفسده بآن واحد. أما المرأة فخادمته المطيعة ومرتع وموطن تلبية غرائزه الجنسية والحيوانية.
تجارة الدعارة : في عالم العولمة المنفلت تزدهر بشكل لا عقلاني ، وتمتد في كل أصقاع الأرض تروج لها القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية بشكل يوضح مقدار التوظيف المالي للحط من كرامة المرأة والإنسان ومسخ صورته الطبيعية ، وهو ما يكرس مصالح الشركات المسيطرة على الإعلام ويؤدي إلى زيادة انحطاط واقع المرأة...
المحصلة ، أن واقع المرأة في زمن العولمة الامبريالية هو عالم بدون أفق ، بدون ضفاف ، لا يسير إلا في الزمن الرديء ..
تغيير الواقع ، وإزالة استغلال المرأة ، لا تستطيع منظمات المرأة على أهمية ما تقوم به إنجازه ، كما أن منظمات المجتمع المدني لا تستطيع مواجهة مشكلات الواقع وحلها ، وبالتالي تغيير الواقع مرتبط بتشكل الأحزاب السياسية الفاعلة ذات البعد اليساري العلماني ، المحملة ببرامج كلية أو جزئية ، تغطي الواقع بكليته والظواهر الاجتماعية بجزئيتها .
هذا يعني أن أهمية المنظمات النسائية تكمن في تسليطها الضوء على المشكلات الواقعة على النساء، ولكنها لا تتعدى ذلك . وأما حل هذه المشكلات فهو مرتبط بحل مشكلات الظلم والاستغلال والفقر والأمية والاستبداد ومحاربة الاستعمار وتمدين الدستور وكافة القوانين بما فيها قوانين الأحوال الشخصية..
أخيراً ، واقع المرأة قابل للتغيير ؛ إذا ما تغير الواقع العربي نحو فضاء العلمانية اليسارية والمدنية والمواطنة وتشكلت دولة الكل الاجتماعي ، وبغياب الدور المركزي للرأسمال الاحتكاري الخاص . وضد قيم الرأسمالية التي تحيل كل شيء إلى سلعة والمرأة إلى سلعة ودعارة بآن واحد ...