الثورة وتحرر المرأة مسيرة واحدة ج 2- لا تحرر بدون تحرر المرأة-



سمير أبو رحال
2007 / 3 / 12

لا تحرر بدون تحرر المرأة

قد يثير الحديث عن فكرة تخليد اليوم العالمي للمرأة التساؤل لدى العديد من المناضلين والمناضلات حتى المخلصين والمخلصات منهن لفكر الطبقة العاملة، فالعديد منهم ومنهن يرى أنها مجرد دفاع عن فكرة برجوازية كتخليــد اليوم العالمي لحقوق الانسان وما شابه ذلك.

في حين يرى جزء آخر منهم ومنهن ان مسألة الاهتمام باليوم العالمي للمرأة شيء سابق لأوانه وليـــس ذي شأن حاليا. إن كلتا الفكرتين لهما أضرار بالغة على الحركة مما يجعل من مهام كل الثوريين والثوريات النضال ضد كلتا الاتجاهين، وذلك بنفض الغبار عن هذا اليوم، وإيضاح المغزى الحقيقـــي من تخليده.

كما أنها محطة لكشف كل من يتعاطى بشكل انتهازي مع هاته المحطة سواء وعى ذلك أم لم يعيه.

السيــــاق التاريخي لبروز اليوم العالمي للمرأة.

لم تكن فكرة تخليد للمرأة وليد قرار رسمي اتخد في دهاليز البرجوازية للاحتفال به كالعديد من الأيام. لقد كان هذا اليوم المصادف ل8 مارس وليد نضال العاملات ضد بطش الرأسمال وجور علاقاته. ففــي مارس سنة 1908 احتشدت العاملات المهاجرات خصوصا عاملات معامل الخياطة بنيويورك للتظاهر. فقد كانت النساء )ولازالت في حدود كبيرة إلى اليوم( مضطرة إلى العمل أكثر من 15 ساعة في اليوم في ظروف جد قاسية، إذ كن محرومات من كل حقوقهن. وحتى حينما كانت البرجوازية تضطر الى التنازل للطبقة عن بعض الامتيازات والمكتسبات كانت هاته الامتيازات تبقى حكرا على الرجال فقط ولا تعمم على النساء مطلقا. هذا ما دفع العاملات الى إعلان الإضراب والاعتصام فتعرضن للاعتقال والتعذيب والاعتداءات الوحشية من طرف البوليس والعناصر المأجورة لرجال الدين. وعلى الرغم من كل ذلك فقد كان صمود العاملات بطوليا. لم ينحنين أمام سياط الجلادين، ولم ينهزمن أمام الآلام البرد القارس والجوع والعراء، صمدن بكل قتالية الشيء الذي أكسبهن ثقة واحترام باقي النساء اللواتي هرعن الى دعم العاملات، فقد حركت فيهن نزعة التمرد ضد البطرياركية، لقد رسمت النساء اكبر صورة للتلاحم والتضامن جعلت كل الصحف تهتم بنشر أخبار المضربات والظروف القاسية التي تمر منها العاملات هناك كافية لضخ دماء التضامن لدى باقي العمال. إذ خرجت المسيرات الحاشدة بعمالها وعاملاتها متحدين البطش الهمجي للرأسمالية. لقد أدركن أنهن لن يخسرن سوى الأغلال

لقد استمر إضراب العاملات عدة شهور وحقق الكثير من الانتصارات كما العديد من الهزائم لكنه خلق درساَ بليغا من دروس التاريخ، خلق لنا يوم 8 مارس، إذ أنه وفي سنة 1910 أعلن المؤتمر العالمي للشيوعيين تخليـــد يوم 8 مارس من كل سنة كيوم عالمي للمراة إحياء لأرواح العاملات وبطولتهن.

هكذا جاء 8 مارس كما الفاتح من ماي، هكذا كانت الشيوعيات والشوعيون يرسمن ويرسمون الذكريات بدمائهم وتضحياتهن.

8 مارس وواجبات كل الثوريين والثوريات.

إن تخليد ذكرى 8 مارس كيوم عالمي للمرأة ليست محطة كرنفالية نقف خلالها دقائق لنستحضر أن نصف المجتمع مشكل من النساء، وان المرأة تعاني الاضطهاد المزدوج.

إن ذكـــ{ى 8 مارس ليست محطة للبهرجة والدعاية الانتخابية فيها يتم الحديث عن حقوق المرأة في الندوات وقمعهن في البيت.

إن 8 مارس ليست محطة فقط للمطالبة بتعديل قانون الأحوال الشخصية ومنح المرأة بعض الحقوق المسلوبة من طرف الرجل وإن كانت هاته المطالب عادلة والنضال عليها عامل أساسي لتحديــــد مدى ثورية المناضلة أو المناضل.

إن 8 مارس هي محطة بالنسبة للشيوعيين والشيوعيات كذلك لاستحضار دور المرأة في تحرير المجتمع ككل فـــلا ثورة بدون امرأة ولا تحرر للمرأة بدون ثورة.

لكن أيكفي بان نردد هاته الشعارات حتى نقول بأن الماركسيين هم من يدافعون عن المرأة وماذا قدم الماركسيون المغاربة لقضية المرأة.

لقد شكلت بداية السبعينات محطة أساسية في تاريخ الشعب المغربي. ففي هاته الحقبة بالذات سوف تتبلور الطلائع الأولى للفكر الماركسي بالمغرب مشخصة في التنظيمات الماركسية كمحاولة لتقديم الاجابة على واقع الازمة التي تعرفها حركة التحرر الوطني. وبالفعل فقد استطاعت الحملم ان تنغرس في صفوف العديد من الفئات خصوصا المثقفين بأفكارها ومبادئها وأهدافها مما فسح المجال لظهور العديد من المناضلات داخل صفوف الحركة. وكانت سعيدة المنبهـــي واحدة من أولئك المناضلات اللواتي كسرن قاعدة الهيمنة الذكورية على الحياة السياسية، أدركت سعيدة الشهيدة جيدا أن تحرر المرأة لا يمكن ان يتم إلا عبر وحدة الطبقة العاملة وباقي الجماهير الشعبية وبالتالي فقد كان انخراطها في الصراع العام بوصفها مناضلة ماركسية. لكنها لم تنسى لوهلة أن المرأة أكثر معاناة من غيرها فحتى في اقسى الظروف، ظروف الاعتقال الذي تعرضت له لم تنسى سعيدة واقع المرأة المغربية بحيث بدأت بإعداد بحث حول الدعارة: بحث لم يكتمل فقد لفظت سعيدة أنفاسها مستشهدة إبان إضرابها البطولي عن الطعام لكنها تركت درسا بليغا ن وهي أن المرأة قادرة على النضال والعطاء في كافة الميادين، مما جعل منها بحق رمز المرأة المغربية بشكل عام والمرأة الثورية بشكل خاص.

لكن مع بداية الثمانينات تلك الفترة التي شهدت انتصار الخط الانتهازي داخل صفوف الحملم تعرضت الماركسية حينها لكل أنواع الارتدادات فكرا وممارسة على كافة المستويات، فقد شكل شعارها العام بناء أدوات " المجتمع المدني" و" النضال الديمقراطي الجماهيري " بفهمه البرجوازي...الخ مما أدى الى ولادة إطارات لنضال المرأة ذات مضمون ليبرالي فكرا وممارسة.

ورغم ما سجلته نضالات المرأة خلال مرحلة الثمانينات من حضور في حقل الصراع الطبقي عكسته نضالات العاملات وبطولات أمهات الشهداء اللواتي اثبتن أن المرأة المغربية قادرة على النضال ضد أعتى الرجعيات فقد تركت لنا امي رقية أم الشهيد عبد الحق شباظة الى اليوم كما هي ام الشهيدة سعيدة المنبهي وأم الدريدي وكافة أمهات المعتقلين والشهداء لقد سجلن بطولاتهن خلال الانعطافات التي عرفها الشعب المغربي فقد كانت التضحية وكانت روح الشهيدة زوبيدة خليفة شامخة مرة أخرى وشاهدة على الإصرار على العطاء والتضحية.

رغم كل ذلك كله فقد بقي الماركسيون حبيسي تصورات خاطئة في العديد من النقاط تجاه قضية المرأة، فبرزت نزعات متطرفة يسراوية بل وحتى صبيانية. فكلنا يتذكر كيف كان رد فعل المناضلين على الهجومات التي تعرضت لها الشيوعية في بداية التسعينات من طرف القوى الظلامية، إذ أن البعض كان بدعوى أن القوى الظلامية تهاجم الماركسيين ب" المشاعة الجنسية * يصل الى ضرورة استبعاد العمل داخل صفوف المرأة غير مدركين بهذا أنهم يقدمون اكبر خدمة لأعداء تحرر المرأة.

كما ان الوضع المتفسخ الذي شهدته الحركة آنذاك كان قد ساهم عند العديد من المناضلين لتوجيه مسارات دعايتهم خصوصا داخل الحركة الطلابية* بناءا على معايير فزيولوجية مرتبطة أساسا بالقدرة البدنية على المواجهة مع القوى الظلامية. وكان لهاته الفكرة بالغ الأثر، إذ تم استبعاد البحث عن تأطير الطالبات حتى يقمن بدورهن في تقدم الحركة، بل إنهم في العديد من المحطات كانوا يهاجمون أية محاولات في هذا الاتجاه.

إن ذاك التعاطي غير السليم حرم الماركسيين من إمكانية التواجد والتأثير الفعال في صفوف النساء مما فسح المجال أمام القوى الظلامية والأطروحات الانتهازية اليمينية للتغلغل وسطهن.

وبالعودة إلى الأدبيات والمواقف المتخذة من طرف التحريفية سوف يتضح حجم ارتماءها التام في أحضان النظرة الليبرالية اتجاه قضية المرأة تلك النظرة التي تحضر نضال المرأة فقط في الاختيار بين قوانين رجعية ظلامية وقوانين رجعية ليبرالية متناسين ان الموقف الذي تتخذه الليبرالية من قضية المرأة وإن اختلف على مستوى الشكل مع موقف الظلاميين إلا انه وعلى مستوى الجوهر لا يختلف ، إذ كلاهما ينظران إليها من ذات الزاوية ولعل كل متتبع لمهزلة إخراج مدونة الأسرة أصبح يفهم ذلك جيدا.

إن دفاع التحريفية عن ذات المفاهيم الليبرالية تجاه قضية المرأة جعلها مساهما أساسيا – أي التحريفية- في تنفيذ مشاريع النظام والامبريالية بالمغرب من خلال الجمعيات التنموية، والمنتديات الاجتماعية التشاركية في جعل فئة من هؤلاء أكثر ارتباطا وثقة في حلول الامبريالية للمعضلات الاجتماعية بالمغرب.

وفي مقابل هذا الميل أثبتت المرأة العاملة ونساء الأحياء الشعبية بالمدن والارياف المنتفضة أي اتجاه يجب على الثوريين والثوريات ان يوجهوا عملهم فيه فيما يخص قضية المرأة. أي بجعل المرأة في قلب الثورة المغربية وجعل الثورة المغربية في قلب اهتمامات المرأة المغربية.

إن ذلك لن يتاتى إلا بالنضال الصارم ضد كل االنزعات البطريرياركية لدى الذكور وضد اللامبالات السياسية لدى النساء في صفوفنا. إن ذلك لن يتأتى إلا بالنضال ضد الرجعية ليبرالية كانت أم ظلامية . إن ذلك لن يتأتى إلا بالنضال ضد الانتهازية خط الثورة المضادة.

والأهم هنا أن نسير هذا الدرب رجالا ونساءاَ.


سمير أبو رحال مارس 2006