المرأة بين الواقع والصورة: الكأس فاضي أم مليان



سوزان خواتمي
2007 / 3 / 14

أمي تكنس.. أبي يقرأ الجريدة.. والصغار يلعبون..
من ذاكرة بعيدة تقفز صورة راقدة داخل أحد كتب صفوف المرحلة الابتدائية لأسرة سعيدة. لم أعد أذكر الدرس، لكني أتذكر الصورة التي تبرق بهنائها..
لكن، ما أن نتزحلق من علياء الصورة إلى الواقع، الذي لا يطابق الصورة الملونة.. حتى تتعدد الاحتمالات: إذ أن الأم متعبة والأب يرمي قشور اللب التي يفصفصها على الأرض لتستمر الأم في مهمة الكنس، والأولاد بحكم الاعتياد يعرفون أن الأم هي التي ستنظف وراءهم.

نحن أمام صورة توزع المهام والمسؤوليات ونصيب أمي أن تكنس، تنظف، تطبخ، كلها مهمات رعوية ( من الرعاية)، التي تكرس المرأة في قوالب مطلوبة.
صورة أخرى ربما ستناسب من هم أكبر سناً لتفسيرها: امرأة في طريقها لعقد قرانها وواقعة في حيص- بيص لأنها بحاجة وصي.. وهو لمن أرادت الزواج بعد طلاقها أو ترملها.. ابنها البالغ أو حفيدها..!
أما إن كانت بكراً فأولياؤها بالترتيب يكون الأب ثم الجد ثم العم ف... هم أنسباؤها القوامون من جهة الظهر أي من طرف الأب" حصراً، أما أقرباءها من طرف أمها فلا فائدة منهم، لأن أمها -ذات نفسها- لا وصاية لها عليها..
حتى إن كانت على حافة قبرها، فالمرأة قاصر، وتحتاج إذناً لسفرها، وإذناً آخر لسفر أطفالها معها، وإذناً من طليقها بالعمل وإلا تسقط عنها النفقة.
و بحسب ذلك ربما ستحتاج إذناً لأجل الاحتفال بيوم المرأة العالمي، والذي يعتبر فرصة لتقييم خطوات التقدم، نحو الأمام بالطبع، إذ هناك نوع آخر من التقدم هو التقدم نحو الخلف يخص بلادنا..
بعيداً عن صور الكتب واحتمالاتها، فمن المفترض للمرأة العربية في عام 2007 أنها صارت جزءاً فاعلاً في تغيير منظومة الواقع الذي تعيشه، أو في رفضه وذلك أضعف الإيمان..
فما منجز المرأة أمام مشاكل يعاد تعدادها في كل مناسبة: كالأمية أو الأمية المبطنة في الدول التي تدعي قضاءها على مشكلة الأمية، أو كجرائم الشرف، أو باضطهادها في قوانين الأحوال الشخصية، أو في قوانين منح أولادها جنسيتها، أو في حالات حرمانها من الميراث، أو عند تعرضها للاغتصاب والعنف والمتاجرة بحقوقها تحت وطأة الضعف والحاجة الدائمة للرعاية والعناية والوصاية ؟..
وهل استطاعت المرأة العراقية مثلاً، أو المرأة الفلسطينية رفض ارتباطهما الوثيق مع الموت اليومي المجاني، وكوارث الحرب التي لا تنتهي..؟
هناك ثالوث عبقري يعيق الطموح يتكون من: القانون- المجتمع – المرأة حين تكون ضد نفسها..

عذراً أيها القانون، فالمتضرر لا يستطيع اللجوء إلى القضاء، ميزان العدالة مائل، وإلا ماذا نسمي وجود عقوبتين مختلفتين بحسب جنس الفاعل وليس الفعل نفسه، الأمر الذي يتيح قانوناً مخفضاً لمن يقتل عفاف و زهرة وحسناء و..وكل من سولت لها نفسها أن تعتبر نفسها حرة في مصير جسدها، أو حرة في اختياراتها لزوج من غير طائفتها.
هذا إضافة لمشاكل منح الجنسية، وقوانين الحضانة، وقوانين الطلاق بكل ماتعانيه المرأة في المحاكم الشرعية من معارك ضروس خــاســرة.
ويحدث هذا وغيره تحت ظل قانون الأحوال الشخصية ( السورية على سبيل المثال )، والشرعية أيضاً، التي لم تتغير منذ أن سنت أيام الحكم العثماني، ليصبح تشريع حمورابي : العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم ، أكثر إنصافاً..
إن القانون المنحاز + الثغرات القانونية يشكلان معاً شبكة صيد تالفة يستطيع حوت بكامله الانسلال منها..

العائق الثاني هو الأعراف والتقاليد التي تتصف بطاقتها على الثبات أمام المتحول الزمني، فأحد أهم غاياتها تهميش المرأة وحصرها في خانات ضيقة لا تراعي قدراتها كطاقة بشرية خلاقة، فالعنف والكبت وطرق التربية التعسفية، إضافة إلى مايكرسه الموروث الشعب من حكم وأمثال ومقولات ترسخ صورة سلبية عن المرأة ويتم تناقلها.
العائق الثالث هو المرأة بعد إصابتها بداء التخلي، وهو ماأطلقه على التراجع الملحوظ للمرأة نفسها عن المواقع التي هي حصيلة نضال رعيل الجيل الأول، فهناك حالات متكررة لكثيرات تنازلن عن حقهن في متابعة تحصيلهن في التعليم العالي، بل والثانوي أحياناً، ليقصرن الهم ويحققن- ببلاش- أمنية د. صالحة سنقر وزيرة التعليم العالي في وقتها التي صرحت في مقابلة لها " أن يصبح التحصيل الجامعي حلماً للطلبة"..
رغم أن العائق الاقتصادي يشكل حجرة عثرة أساسية أمام شروط تحقيق المرأة لطموحاتها كونها تصبح بحاجة إلى معيل ينفق عليها وبالتالي يتحكم بمجمل أمورها،فقد اتجهت الكثيرات ذاتياً لخيار – القعدة في البيت – بعد نيل الشهادة إما تهاوناً واستسلاماً، أو بحجة شرعية دينية تحرم الاختلاط، أو رضوخاً لثقافة عامة لا تقدس العمل، بل لا تحترمه فيما يخص المرأة، وهذه النظرة شائعة لدى النساء أنفسهن..
هذا الثالوث(المجتمع – القانون –المرأة) تواجهه لجان وجمعيات أهلية وحكومية في سعي دؤوب للمطالبة المرة تلو المرة بتعديل القوانين ، إضافة إلى محاولة تشكيل رأي عام واع بحقوق وواجبات المرأة، و العمل على تغيير صورتها التي تكرسها وسائل الإعلام والثقافة أحياناً، فتحولها إلى مخلوق ساذج يحتاج إلى عون دائم، أو يقدمها بصورة تقليدية سلبية وراضية ، أو يسّوقها في مظهر استهلاكي كأنثى غايتها الغواية وجذب الرجل، أما المتمردات فلابد لهن من دفع الثمن.!
وهي مهمات تبدو صعبة، خاصة إذا عرفنا أن تاريخ المحاولة بالنهوض بالمرأة في سوريا بالغ القدم، ويرجع إلى عام 1915 حين تأسست " جمعية يقظة الفتاة العربية".
وبالتالي، سيكون من المؤسف حقاً، أمام هذا التاريخ أن تتخذ الوزيرة د. ديالا حاج عارف قراراً بحل " رابطة النساء السوريات، المنظمة الوطنية لحقوق الانسان" ..
أو أن تصرح د. بثينة شعبان وزيرة المغتربين بأنها" لا تؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة" مرجعة الأمر إلى أنه دعوة من الغرب لاختراق مجتمعاتنا.
إنها الخيبة، ليس فقط على مستوى الحدث/ القول، بل أيضاً لأنهما صادرين عن نساء.
أخيراً : بالرغم من عدم وجود قانون مباشر يمنع مشاركة المرأة في ميادين التعليم والسياسة والعمل، وبالرغم من وجود شخصيات نسائية يتبوأن مناصب ومواقع عمل بمختلف تراتبيته، إلا أن الكأس مازال بشكله الأعم فارغاً.