النساء ليسوا هم الاناث / الحلقة الثانية من تاملاتي في سورة النساء.



لطيفة الحياة
2007 / 3 / 19

جاء في سورة النساء "واتو اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تاكلوا آموالهم إلى اموالكم انه كان حوبا كبيرا وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت آيمانكم ذلك آدنى ألا تعولوا " الآيات: 2-3
قبل أن نخوض في تفكيك وتحليل هذه الآيات من البلاغ المبين ينبغي أن نعي أمرا هاما وأساسيا بل، نركز عليه جيدا في تأملاتنا داخل سورة النساء منذ بدايتها حتى نهايتها، ألا وهو أن الخطاب في السورة موجه للناس عامة. الناس الدين عرفتهم بداية السورة بأنهم رجالا كثيرا ونساء بثهم الله من زوج خلقه من النفس الواحدة " يأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء"الآية:1 ولكوننا نضع اللاترادف قاعدة في فهم ألفاظ القرءان الكريم ومن ثمة عدم الاشتراك اللفظي بين مفرداته فإنه يحق لنا طرح هذه الأسئلة على سورة النساء خاصة والقران عامة: هل الرجال هم الذكور؟ وهل النساء هم الإناث؟
نذكر بأن موضوع سورة النساء-كما مر معنا في الحلقة الأولى- هو تحديد تقوى الناس لله في علاقتهم بالأرحام. هؤلاء الأرحام الذين استفتحت السورة الحديث عنهم باليتامى كفئة مستضعفة في المجتمع. فعن أي يتامى تتحدث الآيات ؟وكيف يتقى الناس الله في اليتامى؟ وما علاقة اليتامى برجالا كثيرا؟ وما علاقتهم بالنساء؟
سنحاول أن نقارب الإجابة على هذه الأسئلة من خلال الآيات نفسها، وذلك بالتتبع البسيط لمضامينها التي تحدد تقوى الناس لله في اليتامى في ثلاث حالات:

1- الحالة الأولى.

" واتو اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تاكلوا آموالهم إلى اموالكم انه كان حوبا كبيرا"

أن يؤتي الناس اليتامى أموالهم.
- ولا يتبدل الناس الخبيث بالطيب.
- ولا يأكل الناس أموال اليتامى إلى أموالهم لأنه كان حوبا كبيرا.


2- الحالة الثانية: خوف الناس ألا يقسطوا في اليتامى.

" وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"

- فلينكح الناس ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث و رباع.


3- الحالة الثالثة: إن خاف الناس ألا يعدلوا في اليتامى.

" فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت آيمانكم ذلك آدنى ألا تعولوا"

- انكاح الناس واحدة من النساء.
- أو انكاح الناس من ما ملكت أيمانهم.
- ذلك (انكاح واحدة من النساء أو ما ملكت الإيمان) أدنى ألا يعول الناس.
هنا يحق لنا طرح الأسئلة الآتية، والتي على أساسها سيتم حل كثير من الغموض الذي يلف الآيات في أذهاننا، وربما كان سببا في منزلقات القراءات السلفية السابقة إذ، ذهبت تتحدث عن تعدد الزوجات وتشرع له مستندة إلى هذه الآيات من سورة النساء.
- لماذا لم يرتبط الحديث عن اليتامى الذين ورثوا أموالا بالانكاح والإعالة؟
- ما علاقة القسط في اليتامى بانكاح ما طاب للناس من النساء مثنى وثلاث ورباع؟
- ما هو القسط المطلوب هنا؟
- لماذا أمر النص الناس بمفردة " فانكحوا " ولم يقل فتزوجوا؟
- هل انكحوا تعني تزوجوا هؤلاء اليتامى أم اعملوا على تزويجهم؟
- ما معنى ما طاب لكم؟
- لماذا قال النساء ولم يقل الإناث؟
- لماذا قال مثنى وثلاث ورباع ولم يقل اثنتين أو ثلاثة أو أربعة؟
- ما علاقة القسط في اليتامى بالنساء وبالانكاح وبالإعالة؟
- ما علاقة العدل في اليتامى بالنساء و بالا نكاح وبملك اليمين وبالا عالة؟
- لماذا ارتبط القسط في اليتامى بمثنى وثلاث ورباع بينما ارتبط العدل بواحدة أو ما ملكت إيمان الناس؟
- ما معنى ملك اليمين؟
- هل ملك اليمين هم إناثا أم ذكورا أم هما معا؟
- ما علاقة النساء باليتامى؟
- هل اليتامى في النص هم من فقد آباءهم؟
- ما هو الفرق بين الناس وبين اليتامى؟
- من هم الناس؟ هل الناس هم الذكور كما حددتهم القراءات السلفية ؟
- هل كل الناس سيهتمون لليتامى أم هناك تمثيليات لهم في المجتمعات حسب تطورات أنساقها المعرفية؟
- هل دوما بيت مال المسلمين هو الشكل الوحيد لكفالة اليتامى؟
إذن، هذه مجموعة من الأسئلة البسيطة، التي اطرحها هنا كدعوة للتأمل والتفكير الجماعي الذي يجعلنا نتفاعل تفاعلا ايجابيا مع هذه الآيات ونقاربها لتحديد تقوى الله المطلوب في اليتامى ذكورا كانوا أو إناثا، يتامى الأب أو الأم أو هما معا، إذ لم يرد أي شيء يجعلنا نتحدث بالتخصيص ها هنا. لكن من يكون هؤلاء اليتامى حسب الحالات الثلاث؟ هل اليتامى في الحالة الأولى هم أنفسهم يتامى الحالة الثانية وهل هم أنفسهم يتامى الحالة الثالثة؟
يتبين أن اليتامى في الحالة الأولى هم الذين ورثوا أموالا، حيث ارتبط الحديث عنهم بالمال بينما في الحالة الثانية ربطوا بالقسط و الانكاح، وفي الحالة الثالثة بالعدل والانكاح. هذا القسط والعدل الذي جاء لتحقيق الإعالة المادية التي حرموا منها لعدم توفرهم عن المال الموروث كما في الحالة الأولى.
فبالنسبة لتقوى الله في علاقة الناس باليتامى في الحالة الأولى تحدد في إيتاءهم أموالهم وعدم تبدل الخبيث بالطيب وعدم أكل أموالهم. فالغرض هو الحفاظ على أموال اليتامى حتى تسلم لهم كما هي، إذ نلاحظ هنا أن النص لم يتحدث عن الإعالة لكنه حذر من أكل أموالهم قائلا: (انه كان حوبا كبيرا). أما في الحالة الثانية فيتحدد التقوى(القسط) في انكاح ما طاب من النساء مثنى وثلاث ورباع بينما عدل الناس المرتبط باليتامى في الحالة الثالثة يتحقق بانكاح واحدة من النساء أو من ملك اليمين. ونلاحظ هنا:

1- أن النص ختم الحديث عن الحالتين الثانية والثالثة ب(ذلك أدنى ألا تعولوا) على عكس الحالة الأولى مما يبين أن تقوى الناس الله في اليتامى في هذه الآيات له علاقة بالمال والإنفاق، وأن العدل والقسط المطلوبان لهما علاقة بالمال، يحصلان بوجوده ويغيبان بغيابه.

2- أن النص في الحالة الثالثة (العدل) ربط النكاح بالنساء أو بملك اليمين (فواحدة أو ما ملكت آيمانكم). مما يعني أن هناك خيار في الانكاح بين النساء وبين ملك اليمين. فلو كانت النساء هنا تعني الإناث من اليتامى أو أمهاتهم لما وقع الخيار فيها مع ملك اليمين، إذ ما علاقة ملك اليمين باليتامى؟ وما وجه القرابة التي تجعل انكاح ملك اليمين يحقق التقوى في اليتامى؟

3- وجود ملك اليمين هنا في الآيات يدل على أن الانكاح المقصود ليس هو الزواج من اليتامى أو من أمهاتهم وإنما تزويجهم هم مثنى وثلاث ورباع باعتبارهم جزء من النساء.
إذا اعتبرنا هنا بما تقول به هذه القراءات السلفية من أن النساء هم الإناث فإننا نفهم من النص ما يلي:
-أن المقصود باليتامى هم الذين فقدوا آباءهم الذكور في حين مازالت أمهاتهم على قيد الحياة( النساء).
-أن النص همش يتامى الأمهات وتناول يتامى الآباء فقط.
-أن الإناث (النساء) خارج دائرة الناس الذين وجه لهم الخطاب في السورة وبالتالي فخطاب الله ذكوري، أي انه موجه للذكور.
- أن الرجال تعني الذكور.
-أن النساء(الإناث) غير معنيات بالقسط و العدل في اليتامى وبالتالي غير معنيات بتقوى الله.
- أن الأسلاف جعلوا النكاح مرادف للتزويج.
-إن خطاب القران ضد سعادة الأزواج وذلك لان هناك الكثير ممن يبغي القسط في اليتامى لكنه لا يريد التزوج من النساء.
- أن الإسلام يحقق سعادة أفراد على حساب تعاسة أفراد آخرين، فما ذنب الزوجة التي يتزوج عليها زوجها ثانية وثالثة ورابعة فقط ليعدل ويقسط في اليتامى ؟
استنتاج:

إذا كان الخطاب هنا موجه للناس فمن الطبيعي أن تكون الإناث جزء من الناس وضمن الناس وليس خارج دائرتهم، ولهذا فلا يجوز القبول بكون النساء هم الإناث من جهة العقل والمنطق أولا ومن جهة اللاترادف في القرآن الكريم ثانية.
وعليه فالخطاب هنا موجه للناس ذكورا و إناثا بتحمل مسؤولية اليتامى، وتحقيق القسط والعدل فيهم المرتبطان بالإعالة المادية. وعلى هذا الأساس يتوجب علينا إعادة فهم مفردة (النساء) بعيدا عن الاشتراك اللفظي بينها وبين (الإناث) -كما فعلت القراءات السلفية- كما يجب إعادة قراءة القران عامة وسورة النساء خاصة وفق هذا الطرح. حينذاك قد تنجلي أمامنا الكثير من الحقائق التي غابت عنا في النص بسبب هذا الاشتراك اللفظي بين النساء والإناث.
هذا يجعلنا نفهم أن النص يلفت انتباه المؤمنين (الرجال بمعنى الإناث والذكور) في المجتمع الإسلامي إلى إعالة اليتامى (جزء من النساء) كفئة مستضعفة، وذلك بإيتائها أموالها في حالة ارثها لأموال و العمل على انكاحها أي تزويجها في حالة عدم ارثها لأموال. فتحقيق القسط والعدل بمفهوم الإعالة المادية يمكن أن يأتي بطرق عديدة حسب تطور المجتمعات وتقدمها وليس بالضرورة أن نفهم النص بفهومات القراءات السلفية، التي ربطت تحقيق العدل والقسط في اليتامى بالزواج من هؤلاء اليتامى أو الزواج بأمهاتهم(النساء) مثنى وثلاث ورباع بل، اتخذت هذا النص سندا لها في القول بتعدد الزوجات. مما أدى بها إلى تحوير موضوع الآيات من القسط والعدل في اليتامى إلى القسط والعدل في الزوجات الأربع، ومن إعالة اليتامى إلى تعدد الزوجات. فلو كان النص يقصد بالنساء الإناث لقال اثنتين وثلاثة وأربعة بدل من مثنى وثلاث ورباع التي أدخلت بعض القراءات في مضاعفة العدد.
فإذا كانت رعاية اليتامى في مجتمع اليوم صارت من اختصاص جمعيات وهيئات ومؤسسات ولم تعد بالشكل التقليدي لمجتمعات الأمس فكيف إذن، ستتمكن هذه المؤسسات من تحقيق تقوى الله في اليتامى بحالاتهم الثلاث عن طريق انكاح النساء ( الإناث) أي الزواج منهم؟
بالنسبة للحالة الأولى التي يرتبط فيها التقوى بإيتائهم أموالهم فلا إشكال فيها، لكن المشكلة تظهر حينما نقبل بالترادف في القران فنفهم مفردة النساء على أنها الإناث، وعليه فكل من يريد تحقيق القسط في اليتامى يتوجب عليه انكاح الإناث مثنى وثلاث ورباع، أما إذا أراد تحقيق العدل فعليه انكاح أنثى واحدة أو ما ملكت إيمانه.
هنا ستظهر مشاكلنا مع النص إذا نحن ارتهنا في فهمه للقراءات السلفية السابقة، فالجمعيات والهيئات المكلفة باليتامى تضم إناثا وذكورا فكيف للإناث بانكاح الإناث مثنى وثلاث ورباع؟ وهل كل من يريد تحقيق القسط والعدل ذكرا كان أو أنثى ملزم بانكاح الإناث بمعنى الزواج منهم؟ كيف يتصرف ذكر يحب زوجته وتحبه زوجته ويريدان تحقيق العدل والقسط في اليتامى؟ هل هو مجبر على انكاح مثنى وثلاث ورباع من الإناث؟ أين القران من سعادة الزوجة الأولى التي تنقلب تعاسة بمجرد زواج زوجها من أنثى أخرى؟ أليس التعدد في الزوجات سببا لإنتاج يتامى جدد بما يخلقه من مشاكل عائلية؟
اعتقد انه إذا نحن قبلنا بان النساء ترادف الإناث فان هذه الآيات من سورة النساء تدعوا لشيء مخالف لتعاليم وقيم القرآن، التي تقف ضد العلاقات الجنسية المثلية من سحاق ولواط. إذ لا مفر هنا من القبول بانكاح الإناث -كجزء من الناس الذين وجه لهم الخطاب- للإناث(النساء) مثنى وثلاث ورباع من اجل تحقيق القسط والعدل في اليتامى. كما يجرنا هذا، إلى طرح السؤال على مفهوم ملك اليمين، إذ ربط الحديث عنها باليتامى والانكاح والنساء. فهل هن دوما إناثا كما أفهمتنا ذلك القراءات السلفية؟ فتوجيه الخطاب للناس ذكورا وإناثا إضافة إلى ارتباط مفردة النكاح بالنساء وبملك اليمين في هذه الآيات لكاف أن يجعلنا نقتنع بما يلي:
1-النساء ليسوا هم الإناث.
2-ملك اليمين فئة مستضعفة مثلها مثل اليتامى.
3-إذا لم يستطع المؤمنين تزويج مثنى وثلاث ورباع من النساء فعليهم بتزويج واحدة من النساء أومن ملك اليمين.
4-ملك اليمين إذا تتبعناها في القران وجدناها واسعة الدلالة فعمال المصنع ملك يمين صاحب المصنع.
5- يدخل في مفهوم ملك اليمين الذكور والإناث مثلها مثل اليتامى، وبالتالي فملك اليمين ليسوا دوما إناثا، وليسوا هم الجواري والإماء.


وختاما نرى انه دون هذا الفهم( النساء ليسوا إناثا) يبقى السؤال مطروحا، هل يدعوا القران للارتباط المثلي وبالتالي للعلاقات الجنسية المثلية كالسحاق؟

حرر بالدار البيضاء
يومه: 16-03-07
الثانية صباحا