المرأة بين الحقيقة والخيال



توفيق أبو شومر
2007 / 3 / 20

قالت إحدى النساء:
أعمل في بيتي ـ خادمة مطيعة ، أغسل ، وأطبخ ، وأنظف الصحون .. وهذه هي مهمتي الأولى في الحياة . أما مهمتي الثانية .. فهي الأمومة ، يجب علي أن أربي أبنائي تربية صالحة ، وكل خلل في التربية ، أتحمل أنا ـ في مجتمع الذكور ـ مسؤوليته . بالأمس غضب زوجي من تصرف ابني فشتمه بعبارة : يلعن أمك .. أما مهمتي الثالثة فهي إمتاع زوجي ، والتسرية عنه ، وهذه المهمة ،هي أصعب المهمات ، وإن بدت سهلة .. لأن أي تقصير فيها ،يُفقد المرأة منصبها كزوجة ، إذ أن الزوج في مجمعنا الذكوري ،قد حصّن نفسه ضد حقوق المرأة ، ونجح في إضافة قوانين عديدة ، لتخدم ذكورته ، التي ورثها .عن عشيرته الأولى.
وانفعلتْ وهي تضيف : ليت الأمر يقتصر على البيت ، فالمرأة ،إذا منحها المجتمع عملا ، فلا يمنحها من الأعمال إلا الوظائف ،التي صكها لها فقط ، وهي الوظائف التي تخدم ذكوريته أيضا .. فالمرأة في الغالب هي السكرتيرة ، أو مسؤولة الملفات والأوراق وهذه الوظيفة هي المهنة الشعبية للفتيات والنساء ، وهذه المسؤوليات صورة أخرى معدلة عن الخدمة المنزلية ، فحفظ الملفات قريب الشبه بحفظ الأولاد والبنات ، والسكرتاريا هي نسخة مستنسخة من الخادمة ، وهي وإن كانت أرقى في الظاهر إلا أنها متقاربة !
والمرأة المسكينة إن قررت أن تأخذ حقها عنوة بقوة شخصيتها .. سرعان ما يتهمها زوجها أو أصدقاؤها بأنها صارت رجلا وغادرت أنوثتها ، فينصرف عنها كل المحيطين بها فتخسر الشق الحلو في حياتها .وقالت بحرقة : ما تزال النساء عند العرب هن العرض ، ليس للأسرة الصغيرة فقط ، ولكنها تظل طوال حياتها ، تحمل جسدها أمانة مستردة ،لا تملك منه شيئا ، فالمالكون هم الأهل ، والعشيرة، والقبيلة .. فجسدها رهينة مقدسة ، لا يُباح إلا بسلسلة طويلة من المراسم والتعاويذ ، وواصلت بألم :ألم تقدس كل الأديان الأنثى ؟ ألم تقف كل الأديان ضد محاولات الذكور تحويل الأنثي إلى آلات لجلي الصحون والغسيل ، وأفران للطعام ؟ ألم تقسم الأديان الحياة نصفين ، نصفا للذكور ، ونصفا للنساء ، وخصّت نصف النساء بتوصيات ومزايا زائدة عن الرجال ؟؟
فمن المسؤول عن سلب حقوقنا ، وتحويل مزايانا إلى مساويء ؟ ومن فرض التعتيم على حقوقنا المشروعة ، وحظر التجول على مطالبنا العادلة ،المتمثلة في حقنا في حياة متكافئة بادعاء أن حقوقنا في الحياة تمسّ بالذكور ، وتنتقص من رجولتهم !!
واستعادت هدوءها وهي تقول : أعرف صديقة فاضلة .. أما زوجها فغير فاضل ، وهي تعرف ذلك ، وهي متأكدة بأن خليلاته كثيرات ، وهي تقول : أأهدم صرح الزوجية ؟.. عليّ أن أحتمل .. من أجل أبنائي !!
فهل كتب علينا أن نمثل دور المعذّب الأبدي داياناس ، وتنتالوس ، وأطلس ،الذي عاقبه زيوس بأن يقف في أقصى الغرب ، ويرفع السماء على كتفيه ؟
تصوّر لو حدث العكس ، بأن كان للزوجة عشاق كثيرون ،فكيف سيكون الحال ، وهل سيكتفي بالصمت والصبر من أجل أبنائه … أم سينتقم منها شر انتقام ؟
فهي أفروديت آلهة الحب والجمال والعفة والبكورة والامومة ، عند الإغريق ، وهي
فينوس عند الرومان ، أما عند البابليين فهي عشتاروت أو عشتار آلهة الحب والجمال والجنس والحرب أيضا ، وهي عندهم نجمة الصباح والمساء ، وهي شابة نضرة .. وقد اتخذوا من المرأة عشتار رمزا للخصب ، واستمرار الحياة أي (التعشير )
كما أنها الرمز لمعظم الأشياء الجميلة ، والباعثة على الإبداع ، فقد جعل الذكور المسميات الحلوة أنثوية للتدليل على تقديسهم للأنثى ، فالزهرة والقصيدة ،والنغمة والبسمة كلها أنثوية ….ورغم ذلك بقيت المرأة في مجتمعنا ....شتيمة (امرأة) تقال للجبان وكل من يركن إلى غحساساته وعواطفه !
أن مسلسل القهر ما يزال مستمرا حتى كتابة هذه السطور .
هل ستتمكن النساء بإصرارهن ، أن يزلن لقطات كثيرة من الظلم والقهر ، وأن يصلن إلى حدّ هزيمة الذكورة ، وتقليم أظافرها ؟ أنا متأكد بأن كثيرات من النساء نجحن في أكثر من تقليم أظافر الذكورة … فانتزعنها بالكلاليب أيضا!
لقطة باسمة
يقول طاغور عن المرأة :الرجل مسودة المرأة .. فقبل أن يخلق الله المرأة ،وضع مسودتها الرجل .. وحين اكتمل خلقه وفنه خلق المرأة على هيئتها !فكأن الرجل هو التجربة الأولى !
أما أسطورة تواشتري الهندية فثقول في خلق المرأة : " عندما أراد الله خلق المرأة وجد أن مواد الخلق قد نفدت كلها في خلق الرجل ، فشرع في خلقها من بقية مواد الخلق :
فاختار استدارة القمر ...وتثني الزواحف ...وارتعاش الكلأ ....ورقة قصب الغاب ، وخفة أوراق الشجر ..وانخراط خرطوم الفيل ...ونظرات الغزال ...وتجمع النحل في خلاياه ...وبكاء السحاب ...وتقلب الريح ...وجبن الأرنب ...وزهو الطاووس ...وصلابة الصخر ...وحلاوة العسل ...وقسوة النمر ...ووهج النار ...وبرودة الثلج ...وهديل الحمام ... ونفاق الكركي ... فمزج كل تلك العناصر ، ووهبها للرجل .
سأطلأُّ أذكر قول سيمون دي بفوار صديقة الفيلسوف سارتر التي قالت في كتابها (الجنس الثاني)
" لم تولد المرأة مرأة ... ولكنها تصبح مرأة بعد ذلك "