صورة المرأة في الثقافة الشعبية المغربية وعلاقتها بسفر التكوين التوراتي.



لطيفة الحياة
2007 / 3 / 24

لقد شد انتباهنا ملامح بعض قضايا سفر التكوين التوراتي في ثقافتنا الشعبية المغربية، والتي تتمظهر في مظاهر مختلفة: أمثال، أساطير، حكايات، معتقدات، خرافات، حلي، لباس، فلكلور. وسنحاول توضيح هذا، عبر تتبع هذه القضايا حسب التراتبية التي جاءت عليها في سفر التكوين، محافظين على نفس عناوينه الكبرى.

الـخـلـيـقـة:

أول ما تطرحه الثقافة الشعبية المغربية من خلال الأمثال وتلتقي فيه مع سفر التكوين هو أصل خلق المرأة، التي جاءت إلى هذا الكون تحت ضغط وحدة وغربة العنصر الرئيسي الذكر الذي نشأت من ضلعه، وبالتالي فخلقها ثانوي يحكم عليها إلى الأبد بالتبعية لهذا الأصل فتكون تحت مسؤوليته ورهن إشارته.
"المرا ضلعا عوجا"

« فأوقع الرب الإله آدم في نوم عميق، وفيما هو نائم أخذ إحدى أضلاعه وسد مكانها بلحم. وبنى الرب الإله امرأة من الضلع التي أخذها من آدم، فجاء بها إلى آدم. فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي هذه تسمى امرأة "
وقد دعمت هذه الأسطورة بحديث نسب للرسول صلى الله عليه وسلم « خلقت المرأة من ضلع أعوج فإن تقومها تكسرها وإن تتركها تستمتع بها على عوجها »

السـقــوط:
« وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي خلقها الرب الإله، فقالت للمرأة: "أحقا قال الله: لا تأكلا من جميع شجر الجنة؟" فقالت المرأة للحية: "من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا". فقالت الحية للمرأة: "لن تموتا، ولكن الله يعرف أنكما يوم تأكلان من ثمر تلك الشجرة تنفتح أعينكما وتصيران مثل الله تعرفان الخير والشر". و رأت المرأة أن الشجرة طيـبة للمأكل وشهية للعين، وأنها باعثة للفهم، فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت زوجها أيضا، وكان معها فأكل. فانفتحت أعينهما فعرفا أنهما عريانان، فخاطا من ورق التين وصنعا لهما مآزر.
وسمع آدم وامرأته صوت الرب الإله وهو يتمشى في الجنة عند المساء، فاختبأ من وجه الرب الإله بين شجر الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال له: "أين أنت؟" فأجاب: "سمعت صوتك في الجنة، فخفت ولأني عريان اختبأت" فقال الرب الإله: "من عرفك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟". فقال آدم: "المرأة التي أعطيتني لتكون معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت". فقال الرب الإله للمرأة: "لماذا فعلت هذا؟" فأجابت المرأة: "الحية أغوتني فأكلت". فقال الرب الإله للحية: "لأنك فعلت هذا فأنت ملعونة من بين جميع البهائم وجميع وحوش البر. على بطنك تزحفين وترابا تأكلين طول أيام حياتك. بينك وبين المرأة أقيم عداوة وبين نسلك ونسلها فهو يترقب منك الرأس وأنت تترقبين منه العقب". وقال للمرأة: "أزيد تعبك حين تحبلين، وبالأوجاع تلدين البنين. إلى زوجك يكون اشتياقك، وهو عليك يسود". وقال لآدم: "لأنك سمعت كلام امرأتك، فأكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها تكون الأرض ملعونة بسببك، وبكدك تأكل طعامك منها طول أيام حياتك »

ثنائية: المرأة / الشيطان


لقد حمل سفر التكوين الحية جزءا من المسؤولية في سقوط آدم وحواء من الجنة، كما هو الأمر بالنسبة لمروياتنا الشعبية التي ترى أن الحية فتحت فاها للشيطان، فدخل فيه فأدخلته الجنة التي طرده الله عز وجل منها، فأغوى حواء بالأكل من الشجرة.
فسواء كان الشيطان أم الحية التي أغوت حواء فالأمر سيان، والأهم من ذلك أن المرأة أصبحت رمزا للشر تتحمل مسؤولية كل بلاء وشر في هذا العالم.
سباب كل بلية ولية
إن المرأة إذن تتحمل مسؤولية إنزال البشرية من الجنة إلى الأرض بعد إغوائها لآدم، خصوصا وأن هناك من يعتقد أن آدم وحواء خلقا للجنة وليس للأرض كما هو الحال في العقيدة اليهودية، وفي هذا تقول فاطمة المرنيسي على أنه إذا أخذنا هذا الكلام – أن حواء أغوت آدم فأكلا من شجرة المعرفة – على محمل الجد، فعلى الأقل يحصل للمرأة الشرف كونها أول من نال المعرفة وناولتها للبشرية.
ورغم أن قصة السقوط في مروياتنا تماثل ما في التوراة، إلا أنها تخالفها في جعل شجرة التفاح هي الشجرة المنهي عنها، إذ أخذت حواء تفاحة فأكلت نصفها وأعطت آدم النصف الآخر الذي بقي ملتصقا في حنجرته كعقاب إلهي، في حين صار النصف الذي أكلته حواء عبارة عن أوجاع وآلام تصاحب الولادة والحيض، فأصبح هذا العقاب تفسيرا للطبيعة الفيزيولوجية لدى الجنسين. أما عقاب الحية أن تولدت بينها وبين بني آدم العداوة، كما مسخت هيئتها وصارت تزحف على بطنها.
وقصص المسخ هذه، جزء لا يتجزء من ثقافات العالم، فالقرد أصله إنسان توضأ ذات يوم بالحليب فمسخه الله، وهاهنا تصطدم ثقافتنا الشعبية مع النظرية الداروينية التي تقول بالعكس. أما "عيشة قنديشة" فهي امرأة توفي زوجها ولم تحترم الحداد في العدة فمسخها الله "غولة". فعادة ما يمسخ الإنسان حيوانا أو جمادا والعكس صحيح.
هكذا إذن، تكون قصة السقوط بداية لإدانة المرأة واحتقارها في كل من الثقافة الشعبية والتوراة، التي أصلت لامتهان المرأة واستغلالها فتكون أداة لتنفيذ مخططات القتل والتدمير (دينة – ياعيل)، أو عاهرة مؤيدة من طرف الرب (سارة – ليئة – راحيل)، كما أن التاريخ اليهودي يزكي هذا، إذ اتخذت المرأة اليهودية جاسوسة فكانت وسيلة دنيئة لغاية أدنى. حتى أن الأستاذ حسن ظاظا فسر هذه الدونية بكون اليهود عبر تاريخهم تعرضوا للغزو وكثرة الحروب فكانت نساؤهم تغتصب وتسبى مما جعلها بمثابة الحمل الثقيل الذي يجلب لهم العار.
هذا إذن سر إدانة المرأة اليهودية، فما هو السر وراء إدانة المرأة في ثقافتنا الشعبية؟

رباعيات عبد الرحمن المجذوب

الغدر:

بـهت النسـاء بـهتيـن
مـن بـهتهم جيت هارب

يـتـحـزمـوا باللـفـاع
ويتخللـوا بالعـقـارب


التحايل:

حديـث النسـاء يونـس ويعـلـم الفـهـامـة
يديـروا شركة مـن الريـح ويحسنـوا ليـك بلا مـا


الحقد

النسـا كيتهـم مـا تنسـى ومرقتهـم مـا تتحسـى
وإذا حلـفـوا فـيـك غير اهـرب بـلا كسـا
الكيد:

كيـد النسـا كيـدايـن ومـن كيدهم يا حزوني
راكبة على ظهـر السبـع وتقـول الجديان ياكلوني

الإغواء:

سـوق النسـا سـوق مطيار يـا داخلـه رد بالـك
يوريوا لك مـن الربـح قنطار ويخسـروك في راسمالك


فلقد اشتهر هذا الرجل – عبد الرحمن المجذوب – في القرن السادس عشر الميلادي بفضل أشعاره، وحكمته التي تنـتقد المجتمع، إلا أن هذه الشهرة ازدادت بسبب موقفه العدائي والسلبي اتجاه المرأة، فحتى أنه لا يكاد يذكر اسمه إلا وذكرنا بالبيتين المشهورين من رباعيته:

سوق النسـا سـوق مطيـار يا داخلـه رد بالـك
يوريوا لك مـن الربح قنطار ويخسروك فـي راسمالك


إن أهم صفات المرأة في نظر المجذوب هي صفات سلبية ممقوتة تختزل في طبيعتها الشريرة.

الأمثال بالدارجة

صوت حية ولا صوت بنيةعلى هذا الوجوم تفتح الفتاة عينيها في مجتمع يتشاءم من ولادتها، حتى أن هناك معتقد شعبي يقول: إن الفتاة إذا ولدت تحزن عتبة البيت أربعين يوما، وهناك معتقد آخر سائد: إذا أنجبت المرأة بنات عدة سمى الرجل آخرهن (كفى) والأمازيغي يسميها (تودة) وأما الصحراوي فيسميها (توفة أو إزانة) حتى يوقف سلسلة إنجاب البنات. في حين يبارك كثرة إنجاب الذكور.

1- المرا لفعة ومتحزمة بابليس.
2- ألف جنية وجنية ولا فاسية.
3- "النسوان معسكر الشيطان.

فالمرأة رمز الشر ومن أتباع الشيطان، بل أحيانا كثيرة يكون فيها الشيطان تلميذا لها، بعدما تفوقت عليه مكرا ودهاء.

الأمثال الأمازيغية

تفقرين نواسا
تغدارين نواسا
تسحارين نواسا


الحكاية الشعبية:

يحكى أن عجوزا كانت سائرة في الطريق، التقت الشيطان متوكئا على عكازه مهموما، فسألته عن سبب همه وغمه، فحكى لها عجزه عن الكيد لزوجين في بيت قريب من مجلسه، فتحدته العجوز بأن تفعل ما عجز عنه مقابل أن يكافئها بهدية معينة، فوافق الشيطان على طلبها، ثم طلبت منه أت يأتيها بلباس رجالي متكامل، ففعل وودعته متجهة صوب دار الزوجين وهي تعلم غياب الزوج، وطرقت الباب، ففتحت لها الزوجة، وطلبت منها العجوز أن تسلمها قليلا من الماء من أجل غسل ردائها من الوحل الذي تطاير عليه أثناء مسيرها، وساعدتها الزوجة، فلما انتهت العجوز همت بالخروج وتوديع الزوجة ألحت عليها هذه الأخيرة مشاركتها الغداء، فوافقت شريطة أن تقبل بعادتها القبيحة المتمثلة في كونها تأكل بملعقتين، مما أدى إلى استغراب الزوجة من هذه العادة، وأثناء إعداد الزوجة للطعام تسللت العجوز إلى غرفة النوم ووضعت بها ذلك اللباس الذي طلبته من الشيطان، وبينما هما يتناولان الغذاء، إذا بالباب يطرق ويدخل زوج المرأة فيرحب بالعجوز وتخبرها الزوجة بأن هذا هو زوجها، فتبدي العجوز علامات الاستغراب والاستنكار موجهة السؤال إلى الزوجة ومن الذي كان يجلس إلى جانبك قبل هنيهة، وكان يأكل معنا وقد دخل غرفة نومك؟ فنظر الرجل إلى زوجته بعدما لمح الملعقة الثالثة – التي استعملتها العجوز- ووجد لباس الرجل في غرفة نومه انقض عليها ليخنقها، في حين تسللت العجوز هاربة قاصدة الشيطان، الذي أبدى تخوفه منها ومن مكرها، فدفع لها الهدية التي اشترطتها عليه بعكازه طالبا منها أن لا تقرب منه لأنه لم يعد يأمن مكرها بعدما تفوقت عليه.

ويوازي هذه الحكاية مثل شعبي بالأمازيغية يردد في التأكيد على حيل المرأة:

ءينَّا طَّالب ءيتفقيرت ءاويد ءينـزاضن
ن – ءيقيس تاويد ءاك ءيفيس

يذكرنا المثل بحكاية عن امرأة مسنة ذهبت عند فقيه القرية ليكتب لها حجابا لمرض ألم بها، وبعد فتح كتابه طلب منها أن تأتيه بشعرة ضبع قصد استخدامها في العلاج، وكان هدفه إبعادها فقط لعلمه بعجزها عن تحقيق ذلك، وافقت العجوز، وبعد يومين عادت ودقت الباب، وما أن فتح الفقيه حتى سقط مغميا عليه لشدة الهلع، فقد عادت العجوز وليس معها شعرة ضبع فقط بل ضبع بعينه.