اية منظمة نسائية نريد ؟ رد على مقال السيد حسقيل قوجمان المعنون : المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي



وقار هاشم
2007 / 4 / 9

اية منظمة نسائية نريد ؟
رد على مقال السيد حسقيل قوجمان المعنون : المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي ، الحلقة الثالثة. المنشور في صفحة الحوار المتمدن في 2007/4/6

يكتسب البحث في اوضاع النساء ومنظماتهن اهمية كبيرة خاصة في وقت صارت فيه الدعوات والممارسات الى العودة بنا الى عصر الحريم ... كثيرة ومختلفة . وقد قيل وكتب الكثير في هذا الشأن ، الا ان اهمية الموضوع وجوهريته في مسار تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية تتيح المجال للاستمرار في الكتابة وطرح وجهات النظر المتنوعة .
بداية اسجل احترامي لآراء وطروحات السيد قوجمان التي اختلف معه في عدد منها ، والشاطره الرأي في عدد آخر . وما يدفعني للحوار معه هو نفس حرصه على وحدة الحركة النسائية ، في بلدي العراق .
مع الاسف لايمكنني التعليق على النشاط النسوي الذي اقيم في لندن بمناسبة يوم المرأة العالمي لعدم مشاركتي ووجودي هناك. لكن الذي اعرفه انه اقيم تحت شعار ( متحدات لا منقسمات ) وهذا بحد ذاته دليل على وعي المنظمات القائمة على النشاط باهمية وحدتها . نعم ان التشرذم وكثرة المنظمات لا يخدم الحركة النسائية ونضالها من اجل الحرية والمساواة ، بل ان من اهم اسباب ضعف نضال اي طبقة او فئة اجتماعية هو كثرة الممثلين ( او من يدعي التمثيل ) لها . وقد اثبتت التجارب التاريخية ان النجاحات انما تتحقق عندما توجد احزاب ومنظمات تمثل المصالح الاساسية لهذه الطبقة او الفئة الاجتماعية ، والتي بدورها تضم في صفوفها اكثر شرائح هذه الطبقة والفئة طليعية والتي تتبنى مهمة قيادة وخوض النضال من اجل المصالح المشتركة لها .
ان الفروقات بين الحزب السياسي والمنظمة الجماهيرية معروفة . لكن علينا ان نميز ايضا بين المنظمة الجماهيرية والجمعية الخيرية . فالمنظمة الجماهيرية ، ومنها المنظمات النسوية ، هي منظمات ذات اهداف معينة تجسد مصالح الفئة التي تمثلها ، وتمارس عملها ونشاطها اعتمادا على نهج سياسي ـ اجتماعي يتماشى مع طبيعة ونوعية مصالح هذه الفئة .اي ان اختلاف وتنوع هذه المنظمات يعتمد ايضا على فكرها السياسي ـ الاجتماعي الذي تعتمده كأساس في رسم برامجها واهدافها . وعليه فان تكوين "منظمة شاملة لكافة نساء المجتمع ..." كما يدعو السيد قوجمان يبدو امرا مستحيلا. نعم اننا نطمح الى تكوين منظمة نسائية تستوعب الغالبية العظمى من النساء ، الا ان مثل هذه الطموحات تصطدم دائما بوقائع اجتماعية موجودة على ارض الواقع ، ولعل من اهمها التمايز الطبقي في مجتمعاتنا الذي يقود وبكل تأكيد الى التمايز في اهداف هذه المنظمات ونوعية الجماهير التي ترتكز عليها . لان المنظمة الجماهيرية هي ليست جمعية خيرية تجتمع فيها النساء لاهداف خيرية محددة ، وحتى هذه لا يمكنها استيعاب
" كافة نساء المجتمع " .
ان الدعوة لوحدة الحركة النسائية دعوة شريفة وسامية ، لكننا وفي وقت دعوتنا هذه علينا ان لا ننسى ان المنظمات النسائية كغيرها من منظمات المجتمع المدني ، تعكس طبيعة اللوحة الاجتماعية ـ السياسية لذلك البلد وهي لذلك لا يمكنها تخطي الممكن والواقع المعاش ، وان حصل ذلك فان من شأنه ارباك السير الطبيعي لحركة المجتمع . غير انها تستطيع التعاون والقيام بالاعمال والنشاطات المشتركة فيما بينها حسب الظروف والاهداف المبتغاة من هذا العمل المشترك . وهذا ما يحصل لدى الكثير من المنظمات النسائية العراقية في الداخل والخارج في الوقت الراهن .
وكما يؤكد السيد حسقيل قوجمان فان " المرأة في المنظمة لا تناضل بصفتها عضوا في حزب معين او منتمية الى فئة معينة بل تناضل باعتبارها عضوا في المنظمة النسائية ومن اجل المنظمة النسائية وتحقيقا لاهداف المنظمة النسائية ." ان هذا هو ما يحدد الخط السياسي للمنظمة والذي يميزها عن غيرها ، والذي يقربها من هذا الحزب او ذاك ، مع الاحتفاظ بهويتها واستقلاليتها التنظيمية . وبهذا تكون هذه المنظمة رافدا للحزب وليس تابعا له ، ويكون الحزب سندا فعالا لها في نضالاتها . وهذا واقع موجود حتى في اكثر دول العالم ديمقراطية .
اما اذا عرجنا على لوحة المنظمات النسائية الحالية في العراق فسنرى ان واقعا آخر قد استجد بعد سقوط النظام الدكتاتوري على ايدي المحتل ، وعلى خلفية احتكار ذلك النظام للعمل الجماهيري عموما ، حيث كانت المنظمة النسائية التابعة للنظام هي الوحيدة التي لها حق العمل والنشاط ، وكان سقوطه فرصة مؤاتية ليس فقط لتكون عدد هائل من المنظمات النسائية ( بمعدل عشر منظمات في كل محافظة )، بل من عموم منظمات المجتمع المدني والاحزاب وغيرها ... وهذه ظاهرة صحية بحد ذاتها باعتبارها افرازات لحاجات وطموحات مكبوتة . لكن النقاش والحوار والصراع السلمي في سوح النضال الحقيقية بينها ، سيقود حتما الى زوال كل التنظيمات التي لا تمتلك الاهلية في تمثيل وقيادة جماهيرها ، بينما تختار جموع النساء ممثلاتهن الفعليات لقيادة نضالهن على طريق المساواة والتحرر .
اذن فان ( التشرذم ) وكثرة المنظمات النسائية اليوم انما هو واقع مؤقت يعتمد تجاوزه وتخطيه على فعالية ومثابرة المنظمات النسائية العريقة والجادة والتي تمثل مصالح الغالبية العظمى من النساء .
ان مقالة السيد قوجمان تتحدث للنساء وكأن لديهن منظمة واحدة ( وهذا هو طموحه حسبما هو واضح ) وهو الشيء الذي لا يمكن تحقيقه على ارض الواقع كما رأينا ... ويطلب من هذه " المنظمة الام " والنساء العراقيات بعض المطالب ، اهمها : " ان تفضح المجازر التي تقوم بها جيوش الاحتلال وتسكت عنها الحكومات العميلة المتعاقبة ."".... مساندة المقاومة وايواء المقاومين وتقديم المعونة اليهم وتوفير الطعام لهم وتقديم المساعدات التي تحتاجها المقاومة ...." ، بدوري اتفق مع ضرورة واهمية فضح الجرائم البشعة التي ترتكب بحق الشعب العراقي والوطن بأكمله ، ولكني لا اعرف اية مقاومة يريد منا نحن النساء السيد قوجمان ان نساندها وندعمها ، اذا كانت اعمالها هي ذات " المجازر والاوضاع المزرية " التي يريدنا ان نفضحها ونتصدى لها .
ان النساء العراقيات لا يلمسن هذه المقاومة التي يتحدث عنها السيد قوجمان ولا رموزها وبرامجها ، وبالتالي فهن لسن على استعداد لدعمها ، بل ان ما يتعرضن له يوميا هو استهداف حياتهن وحياة عوائلهن بالمفخخات والاحزمة الناسفة ، والتهجير القسري واجبارهن على العودة الى حياة القرون الوسطى ... فكيف تريد لهن ان يكن " بوقا " لمثل هذه المقاومة ؟
ان " طرد جيوش الاحتلال وكافة عملائه ووكلائه ومرتزقته ..." لا يأتي عن طريق خلط الاوراق ولي عنق الحقائق وتجميل صورة الارهاب ومرتكبيه من فلول الصداميين والسلفيين وغيرهم ، وانما يأتي بوحدة القوى الوطنية والتفاف الجماهير العريضة حول برامجها الواقعية المعلنة والتي تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الذاتية والموضوعية ، والوضع العام الذي تعيشه المنطقة والعالم.
وفي الوقت الذي تناضل فيه طلائع النساء العراقيات من اجل توحيد عملها ونشاطاتها لتحقيق وحدة حقيقية للحركة النسائية ، يخضن مع الجماهير النسوية وكل ابناء شعبنا الخيرين النضال الشاق من اجل تحرير الوطن واعادة بنائه .



وقار هاشم / عضوة رابطة المرأة العراقية