من مروة التركية إلى نورية الكويتية



سعيد الحمد
2007 / 4 / 9

هل تذكرونها مروة قاوقجي‮ ‬النائبة التركية التي‮ ‬منعتها قوانين برلمان بلادها من ان تؤدي‮ ‬القسم بحجابها باعتباره‮ »‬الحجاب‮« ‬رمزا دينيا والبرلمان‮ ‬يمنع استخدام الرموز الدينية داخله‮.‬ وهل تذكرون حملة الاحتجاج والتنديد بانتهاك الحريات الشخصية والمدنية التي‮ ‬قادتها حركات الاسلام السياسي‮ ‬في‮ ‬بلادنا العربية معتبرة ان ما حدث اعتداءً‮ ‬سافرً‮ ‬على الحرية الشخصية المكفولة قانونيا ودستوريا‮.
‬هل تذكرون ذلك ام اننا نحتاج الى تقديم شواهد من كتاباتهم ومقالاتهم وخطاباتهم التي‮ ‬شجبت التدخل الفظ في‮ ‬حرية اختيار الفرد لما‮ ‬يلبس ولما‮ ‬يظهر به‮.‬ وهل تذكرون اننا احترمنا معهم مبدأ الحرية الشخصية والمدنية باعتبارها مبدأ حضاريا وديمقراطيا لا‮ ‬يمكن التفريط فيه؟؟ ‮ ‬الجماعات هذه نفسها فاجأتنا اصواتها نهاية الاسبوع الماضي‮ ‬وهي‮ ‬تعلو داخل البرلمان الكويتي‮ ‬لتحتج بقوة على الوزيرة نورية الصبيح وهي‮ ‬تؤدي‮ ‬القسم بلا حجاب ولتطالبها بارتدائه فورا متناسية كل الكلام الذي‮ ‬رفعته عن مبدأ الحرية الشخصية في‮ ‬قضية مروة التركية ولتلحس تلك الجماعات شعارات حرية الانسان فيما‮ ‬يلبس وفيما‮ ‬يختار لنكتشف كيف تكيل هذه الجماعات ليس بمكيالين فقط وانما بعشرات المكاييل وفقا لمصلحة اجندتها التي‮ ‬تعتبر فوق اي‮ ‬مصلحة حتى لو كان في‮ ‬ذلك انتهاك وتناقض بين موقفها السابق وموقفها اللاحق‮. ‬
فالمهم بالنسبة لتلك الجماعات هو نشر افكارهم وتعميم مظاهرهم تأكيدا لسيطرتهم وفرض سطوتهم وعلى المبادئ المدنية والديمقراطية السلام‮.‬ ولعلنا نلاحظ الان في‮ ‬بعض كتاباتهم ومحاضراتهم وندواتهم وخطاباتهم تحذيرات واضحة من الديمقراطية ومن النهج الديمقراطي‮ ‬الذي‮ ‬ركبوا موجته وسيطروا من خلاله على معظم البرلمانات العربية‮.‬ وهي‮ ‬تحذيرات بدأت تعلن عن نفسها في‮ ‬خطاب الاسلام السياسي‮ ‬بعد ان بدأوا‮ ‬يضيقون ذرعا بالمساحات الديمقراطية التي‮ ‬تتيح لقوى المجتمع المدني‮ ‬الأخرى التعبير عن نفسها في‮ ‬معارضة نهجهم وفي‮ ‬فضح مشروعهم اللاديمقراطي‮ ‬بل بفضح مشروعهم الذي‮ ‬اختطف الديمقراطية ويسعى لاحتكار فوائدها لنفسه ولجماعته في‮ ‬مقابل التضييق على الاخر المختلف وحصاره سعيا الى الغائه ومصادرة حقه في‮ ‬الوجود وفي‮ ‬العمل وفي‮ ‬النشاط من خلال المساحة التي‮ ‬وفرتها وكفلتها الديمقراطية‮.‬
والانتصار لمروة التركية والاحتجاج على نورية الكويتية ربما‮ ‬يختصر موقفهم من الديمقراطية كاحزاب شمولية لا تؤمن ولا تعتقد بالتعددية والتنوع‮. ‬فخيار نورية الصبيح كمواطنة اولا واخيرا وليس كوزيرة‮ ‬ينبغي‮ ‬ان‮ ‬يحترم وتحُترم فيها حريتها الشخصية والمدنية كما ويُفترض ان‮ ‬يدافع عنه كل عضو برلماني‮ ‬وصل بالاساس الى البرلمان عن طريق حرية الاختيار التي‮ ‬لا‮ ‬ينبغي‮ ‬ان‮ ‬يصادر حق الاخرين فيها سواء اتفق مع اختيارهم او اختلف‮. ‬ فالقضية قضية مبدأ احترام خيارات وحريات الاخرين وبهكذا مبدأ نصونه ونحافظ عليه نؤسس لديمقراطية صحيحة لا تعتمد الانتقاء اسلوبا كما هو حاصل عند جماعات الاسلام السياسي‮ ‬التي‮ ‬تعمل بقوة وفظاظة على تفصيل‮ »‬ديمقراطية‮« ‬بحسب مقاسات ثيابها وضمن توجهات مشروعها باعتباره عند هذه الجماعات‮ »‬المشروع الافضل والمشروع الاحسن والمشروع الاوحد‮« ‬والاخير هو المشكلة بل هو المعضلة التي‮ ‬تنسف الديمقراطية وتفرغها من جوهرها وتعود بها في‮ ‬نهاية المطاف الى مربع الشمولية وهو المربع الذي‮ ‬لم تغادره احزاب الاسلام السياسي‮ ‬وهو ما تثبته لنا كل‮ ‬يوم العديد من مواقفها والعديد من مسلكياتها تجاه الكثير من قضايانا الحياتية وهي‮ ‬قضايا اساسية وليست هامشية‮..!!‬