القتل -الشريف-!!!



هوشنك بروكا
2007 / 4 / 19

قبل أيام نشرت إحدى جهات الإعلام الكردية خبراً مفاده "قامت مجموعة من شباب بعشيقة وبحزاني يوم أمس السبت بقتل فتاةٍ اسمها دعاء، بحجة غسل العار, بعد ان قام شخص بخطفها...كذا"( PUKmedia /أكرم درويش، 08.04.07). هذا وبعد استماعي في حلقة نقاشٍ ودية مع مجموعةٍ من المثقفين ذات الشأن والعلاقة بالخبر، وبوجود مسؤولٍ رفيع المستوى(كان قد شغل في حكومة رئيس وزراء العراق الأسبق د. إياد علاوي، منصب "الوزير"، في إحدى وزاراته) إلى تفاصيل عملية "القتل الشريف" لتلك الفتاة الإيزيدية، بدافع "غسل العار" عن "شرف" العائلة، حينها تساءلت كيف لإعلامٍ كرديٍّ (وإيزيديٍّ ضمناً) يصف نفسه ب"العادل" وب"صاحب" قضيةٍ عادلة، أن يمرّ هكذا مروراً "شريفاً" على هكذا "قتلٍ شريف"؟

عملية القتل البشعة تلك، والخارجة عن كلّ ما يمت إلى ثقافة الإنسان بمتونها وهوامشها بصلة، جاءت كردّة فعل بشعة على حادثةٍ اعتدنا على سماع أخبار الكثير من أخواتها، في أوساط المجتمعات ذات التعددية الإثنية والدينية والعشائرية.

خيوط الحادثة ابتدأت بهروب فتاة كردية إيزيدية مع شاب كردي مسلم، في مكانٍ وزمانٍ كرديين.
بعد مداولاتٍ عشائرية بين ذوي الفتاة العشائريين وقوى الأمن والشرطة "العشائرية"، تم تسليم الفتاة إلى أولياء "شرفها"، الذين قاموا بدورهم بتسليم المغضوبة عليها، لبضع مئاتٍ من الرجال "الشرفاء" القتلة الساديين، لينهشوا جسدها كالوحوش الكاسرة، انتقاماً ل"شرف" الدين والعشيرة والعائلة!!!

كل هذا العنف والإرهاب الوحشي و"الرجولي" بإمتياز، قد تمّ على مرأى ومسمع(وربما بمباركة معتادة) من قوى الأسايش والشرطة الكردية "الشريفة"، ومنظمات المجتمع المدني الكردي الشريف، والقانون الكردي "الشريف"، ووزارة حقوق الإنسان الكردي "الشريفة"، فقط بدافع "الشرف" لا غير، حيث هو القانون الأعلى الذي لا يعلوه قانون.

الإرهاب هو واحد، والقتل هو واحد، والعنف هو واحد.
فإذا كنا نسمي ما يجري في عراق المفخخات والأحزمة الناسفة، يومياً، من قتلٍ وذبحٍ وتدميرٍ للحياة بالمجان، إرهاباً(وهو كذلك)، فإنّ ما جرى من ممارسة العنف العمد، والقتل العمد، والسلخ العمد، والإرهاب العمد، بحق تلك الفتاة المغلوبة على أمرها، إرهاباً مزدوجاً، لا بل إرهاباً متعدداً وكثيراً.

أن ما وقع من إرهابٍ بحق هذه الفتاة(هنا مثالاً لا حصراً، حيث هي جزء من حالة "شرفية إعتيادية" سائدة في المجتمع الكردي الرجولي، وسائر المجتمعات الشرقية المتخلفة)، حيث سبقنها في عبور هكذا قتلٍ وإرهابٍ "شريفين" أخواتٌ لها، كثيرات، تحت ذريعة "الشرف"، لهو وصمة عارٍ في جبين الدين والدنيا(كل الدين وكل الدنيا)، طالما هناك سكوت ديني ودنيوي على هكذا تدميرٍ، بهكذا ساديةٍ مدمرة، للحياة ولسننها.

لست هنا بصدد الدفاع عن أي دينٍ/ كل الدين أو الهجوم عليه. قطعاً لا. ولكني ضد الجزء من الدين، الذي لا يرى حق حياةٍ خارج حياته، كما لا يرى حق حريةٍ خارج حدود "حريته".

فأيّ وحشٍ هو هذا "الشرف" الذي يفتي لحاملي راياته اللامشرِّفة، بنهش حياةٍ دونّها الله في دفاتره، وتمزيقها تالياً، شرّ تمزيقٍ؟
أيّ عرفٍ هو هذا "الشرف"، الذي يصادر حق حياةٍ كتبها الله، وأراد لها أن تكون؟
أيّ جزءٍ من الدين، هو هذا "الشرف"، الذي يسمح لوحوشٍ آدميةٍ، كي تنوب عن الله، في إطفاء حياةٍ، كان لها من الله ما لها، وعليها منه ماعليها؟
وأي قانونٍ(داخل الله أو خارجه) هو هذا "الشرف"، الذي يسلّم انسانٍ أعزل، لا حول له ولا قوة، إلى مئاتٍ مدججة بالأحجار والسكاكين والنصل "الشريفة"، ليحكموا عليها بكل ذاك الإرهاب "الشريف"؟

في الشرق/ شرقنا "الشريف"، الكل يتكلم عن كل شيء، ليكون كل شيءٍ له: الكل يتحدث عن الوطن الحق، والدين الحق، والله الحق، والحزب الحق، والحكومة الحقة، والبرلمان الحق، والحق الحق، والحياة الحقة، والشرف الحق...، ليكون في المنتهى، كل الوطن، وكل الدين، وكل الله، وكل الحزب، وكل الحكومة، وكل البرلمان، وكل الحق، وكل الحياة، وكل الشرف له وحده دون الآخرين.

من هنا يعيش الشرق في وب ولأكثر من وجه: وجه لليل وآخر للنهار، وجه تحت الأرض وآخر فوق الأرض، وجه أسود وآخر أبيض، وجه للحرام وآخر للحلال، وجه للحرب وآخر للسلام، وجه للشيطان وأخر لله...الخ.

والحال، كيف يكون للإرهاب مسمّيَين، وحصاد رجمه للحياة أو حربه عليها، هو واحد.
كيف يكون إرهاب الآخر إرهاباً حراماً، بلا محلٍ من الإعراب، في الجمل كلها(سياسية، دينية، حقوقية، أنسانية...الخ) عل امتداد الزمكان، في حين يكون إرهاب الذات، إرهاباً "حلالاً" معرّباً(مرفوعاً، أو منصوباً، أو مجروراً) ل"ضرورة الشرف": "شرف" الله الملك، والدين الملك، والمرأة الملك، والذرية الملك، والمال الملك، والعرف الملك، والقانون الملك، حيث للرجل وحده دون سواه، الحق السماوي المطلق و"المُنزّل"، في إدارة شئون كلّ هذا "الشرف الملك"، متى وأين وأنى وكيفما شاء؟!!!

كيف لكل هذا الإرهاب أن يحدث، ولم نقرأ حرفاً واحداً، ولا بياناً واحداً، رسمياً ولا رسمياً، من جهةٍ كرديةٍ واحدة تندد به، علماً نقرأ ونسمع يومياً بياناً تلو الآخر، من هذه الجهة أو تلك، يندد فيها دعاتها، بإرهاب زيد وعبيد، في هذا المكان الفلاني وذاك الزمان العلاني؟

أين هو صوت المؤسسات، والمنظمات، والجمعيات، والمنتديات، والمواقع الإلكترونية المهتمة بالشأن الكردي(والإيزيدي ضمناً)، والتي تطالب هذا وذاك بإحقاق حقوق الإنسان، فيما إنسانه يُسحق، كردياً كردياً، وعلى الملئ، بالمفرق وبالجملة؟

بقي لي أن أردد أخيرا، مع الكاتب والأستاذ الجامعي العَلماني د. أحمد البغدادي، ما كتبه من "حريةٍ كثيرةٍ في عيشٍ كثير"(بمعنى حرية الذات في أن يعيش الآخر وحرية الأخر في أن تعيش الذات) في آخر ما نُشٍر له بجريدة السياسة الكويتية(إذا ماتوا بالسكتة...أنت السبب/11.04.07):
"عش ودع الآخرين يعيشون"