القتل غسلا للعار...!!؟



باقر الفضلي
2007 / 5 / 3

أي عار هذا الذي أرادوا غسله..؟ وأي شنار هذا الذي أرادوا مسحه..؟
إنه بئس العار الذي قلدوا به أعناقهم ، ونكسوا به هاماتهم، بما إقترفته إياديهم من مخز الفعل؛ بما سولت لهم أنفسهم للإقدام عليه والتلذذ بهمجيته؛ في نشوة الفرح الأهوج، وعنجهية الظالم العنود، الجاهل المستبد..!؟

أن تقدم ثلة من المتعصبين على إزهاق نفس بشرية، بدم بارد ، بمهرجان دموي، تؤرخه كاميرات الجهلة وتوثقه أدوات التسجيل، ليعلنوا إنتصارهم، وليظهروا غلوائهم وغطرستهم وجبروتهم أمام الملأ ، إبتغاء نيل صكوك الشجاعة والبأس والشرف والعفاف، متناسين أن ما أقدموا عليه لا يعدوا أن يكون إلا مجرد فعل إجرامي، تدينه الشرائع السماوية، وتجرمه الشرائع الوضعية، وتأباه النفوس الطاهرة، وتستنكره قيم الشعوب الحرة، ولا تشفع لمرتكبيه كل دعواتهم بالتمسك بالدين، ولا تعلقهم بالعادات والتقاليد؛ فكل من شارك بالرجم، شارك بالقتل، وكل من دفع أو حرض على ذلك شارك بالقتل..! ذلك هو البعد الإنساني لإزهاق روح الضحية دعاء..!

فليس في الدين ما يمنع الإختلاط بين البشر أو يمنع المحبة، في عصر يسرت فيه سنن التطور تقاليد وعادات البداوة، وقربت بين الناس. فالتباين بين الأديان لن يقف حائلاّ في طريق التلاقي بين البشر، وليس في الشرائع السماوية والوضعية من تحرم التزاوج بين الجنسين بسبب التباين في المعتقد. أما القتل على الشبهة حتى وإن صحت، فلا يعبر إلا عن التمسك ببقايا تقاليد المجتمعات الإقطاعية والعصبية القبلية السالفة، والتي لا زالت عالقة ، بل راسخة بثبات في أدمغة مجتمعاتنا الحاضرة، وخاصة تلك المجتمعات الصغيرة، التي تعاني العزلة والإضطهاد وضياع الحقوق وسط أغلبيات كبيرة وذات أديان مختلفة أو من معتقدات أخرى، فلن تجد نفسها في ظل ذلك إلا مجبرة على التمسك بكل ما لديها من تقاليد وعادات تشكل تراثها الذي تحاول الحفاظ عليه، حتى لو دفعت من أجل ذلك ثمناّ، فلذات أكبادها..! وحتى لو كانت تلك التقاليد في بعضها تتعارض مع سنن الحياة ومظاهر التقدم والحضارة، إلا أنها في عرف أصحابها، وهم أقلية وسط مجتمع لم يعد يبدي شيئاّ من الود والإحترام للأقليات الأصغر، إنما تمثل تأريخهم ووجودهم وتراثهم الذي عليهم أن يحافظوا عليه ويحتظنونه بكل ماتيسر لهم من وسيلة..! وهذا هو البعد الإجتماعي لأزهاق روح الضحية دعاء..!
وليس قليلا ما تبذله منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والمنظمات النسوية بالذات، من جهد كبير وعمل ثقافي ميداني متواصل للإرتفاع بمستويات الوعي في تلك المجتمعات، وما تسنه الدول الحديثة من قوانين وشرائع تجرم عملية القتل غسلا للعار، وتوقع عليها أقسى العقوبات، وهذا ما نحض عليه حكومات الدول العربية كافة، لتشرعه في قوانينها وتضمنه في دساتيرها، فليس في الحياة ما هو أثمن من حياة الإنسان..! وهذا يدخل ضمن البعد القانوني لإزهاق روح الضحية دعاء..!

ولا يسعني وأنا اكتب هذه الكلمات إلا أن أضم صوتي الى أصوات جميع من إستنكر هذه الفعلة النكراء، التي أودت بحياة فتاة هي بعمر الزهور، رغم أن الإستنكار مهما بلغت شدته وتأثيره، فلا يمكنه أن يطفيء سعير النار الملتهبة في القلوب. كما وأدين بنفس الوقت جريمة أغتيال الأبرياء من العمال الأيزيديين، تلك الجريمة الشنعاء التي لاتقل في بربريتها وهمجيتها عن جريمة إزهاق روح الضحية البريئة دعاء، والتي أستغلت أبشع إستغلال من قبل القتلة لتنفيذ جريمتهم بحق العمال الأبرياء..!!؟

لقد أصاب الأخ الكاتب ناظم ختاري في مقالته( مقتل دعاء الهزة الأعنف...) المنشورة في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 2/5/ 2007 وفي مواقع أخرى، عين الصواب، حينما ذكر :

" إن مقتل دعاء بهذه الطريقة البشعة أرعب كل أيزيدي لسببين ، الأول – ليس هناك في تعاليم الديانة الأيزيدية المسالمة ما يشير إلى قتل من يخالف تعاليم الدين الأيزيدي رجما بالحجارة ، أما وإن حصل هذا في بعشيقة وفي قضية دعاء ، فإنه يعني أن الديانة الأيزيدية بدأت تتأثر بما يجري من حولها من تطرف ديني وما إلى ذلك ، وإن مثل هذا الأمر لا يقل خطورة على مستقبل المجتمع الأيزيدي عن التطرف الديني الإسلامي مثلا على المجتمعات الإسلامية . فالتعطش للدماء والقتل الهمجي والتدمير تعد من أبرز سمات ذلك التطرف ، وهذا ما لا يتحمله المجتمع الأيزيدي . والثاني – عن ما جرى الـتأسيس له منذ سنوات طويلة من قبل العديد من الناشطين في مجال الأيزيدياتي ، من تعريف هذه الديانة بالعالم الخارجي وكسب المزيد من الأصدقاء لأبناءها وتقديم الوجه المشرق والمسالم لها ، إنما وجد إن كل ذلك سينعكس بالضد منه وسيعود إليه بالشر ."

وهذا مايدفعنا وكل شخص تهمه مسألة التعايش السلمي بين الأديان والطوائف المختلفة، ويهمه الحفاظ على سلامة النسيج الإجتماعي العراقي، بكل تلاوينه المختلفة العرقية الإثنية والدينية ومهما بلغت نسبتها السكانية في الوطن، أن يهيب بالأخوة المسؤولين في أعلى مستويات السلطة في العراق، أن يولوا إهتماماّ إستثنائياّ لأحداث شيخان والموصل، التي أنصبت على إزهاق روح الفتاة الأيزيدية البريئة (دعاء)، وجريمة قتل 24 أيزيدياّ من العمال الأبرياء في الموصل، وإنزال أشد العقوبات بمرتكبيها، ناهيكم ما تتعرض له الأقلية الأيزيدية من عدوان سافر على أيدي قوى الظلام..!