همجية جريمة قتل دعاء وسيلة لتشويه سمعة الشعب العراقي وتبرير احتلاله



سعاد خيري
2007 / 5 / 14

عشت الاربعينات من القرن الماضي ، وانا شابة في مدينة العمارة ، وصديقتي لميعة عباس عمارة وشهيدة التقاليد الاجتماعية المنتحرة سلمى داوود الحميد . كنا نتمتع بشبابنا على ضفاف دجلة ونحن سافرات، باشعار لميعة وبآمال المستقبل وطموحات الحاضر ، واتفقنا على استكمال الدراسة في بغداد، لخلو العمارة من ثانوية للبنات. واستطعنا لميعة وانا بمساعدة بعض افراد عوائلنا تحدي معارضة اخرين لاستكمال دراستنا اوالباسنا العباءة، ولم نكن الوحيدات. والتقينا بطرق مختلفة في بغداد. وكانت بغداد ست البلاد آنذاك تعج شوارعها بالنساء السافرات واخر موديلات العصر وتعج كلياتها بصخب الشباب من الجنسين دون أي حدود او قيود في النقاشات السياسية غالبا والقضايا العلمية احيانا وكنا نتمتع باشعار لميعة وبدر شاكر السياب عند عودتنا من الدوام الى القسم الداخلي . ورغم قسوة احكام النظام ضد معارضيه من النساء والرجال فانه لم يجرأ على اغتصاب او اعدام امرأة كما يجري الان.
فاين عراق اليوم من عراق الاربعينات والخمسينات بل وحتى الستينات والسبعينات؟ وكيف جرى تشويه صورته ومشاعر ابنائه؟ وهل سينجح اعداء البشرية في تحقيق حلمهم في تقديم الشعب العراقي مثالا لمصير البشرية وارجاعها قرون الى الوراء، من اجل احكام هيمنتهم؟
لم يكن الشعب العراقي في الاربعينات متحررا من التبعية الامبريالية ، ولا من التخلف الاجتماعي ولاسيما في الريف. ولكن الامبريالية في تلك الفترة، بعد الحرب العالمية الثانية ، كانت تعاني من اختلال في توازن القوى بين الامبريالية البريطانية التي كانت قبل الحرب لاتغيب الشمس عن مستعمراتها، وبين الامبريالية الامريكية التي خرجت من الحرب منتصرة، دون ان تتحمل خسائرها. وشهد العالم تصاعد نضالات الشعوب التي قدمت اعظم التضحيات في القضاء على الفاشية للمطالبة بحريتها، ومنها شعبنا.
فقد نهض الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه واديانه وقواه السياسية، وهو يعج بالحيوية والنضال رغم كل وسائل الامبريالية البريطانية وادواتها لتفرقة صفوفه عن طريق تأجيج التفرقة القومية والطائفية ولتشويه الحركات السياسية ولا سيما الحزب الشيوعي، الذي كان يجسد وحدة الشعب العراقي بكل قومياته واطيافه واستطاع بسياسته، الطبقية والوطنية، وبتصدره للنضالات الجماهيرية وتقديمه المثل في التضحية ، واستطاع ان يكسب ثقة الشعب العراقي ويمد جذوره عميقا في قلوب الجماهير ويوحد صفوفها. فلم تستطع الامبريالية وادواتها استخدام ، التدين ولا الاختلاف السياسي عائقا امام وحدة شعبنا ضد العدو المشترك الامبريالية وادواتها ، النظام الملكي الاقطاعي الرجعي . وجاء انتصار ثورة14/تموز تموز نتيجة حتمية لكل ذلك.
واليوم ورغم تمكن الامبريالية الامريكية من تبوئها مركز القطب الاكبر للامبريالية العالمية وانهيار التجارب الاشتراكية الاولى وعدم نضج المراكز الراسمالية الجديدة في اسيا كالصين والهند وايران، فانها لم تستطع احكام هيمنتها على العالم. فلجأت الى الحروب لاخضاع الشعوب. وتصاعدت مقاومة الشعوب لهذه الحروب ولاسيما لحربها على العراق وبدلا من ان تعزز الحرب مواقعها، واقتصادها بالهيمنة على نفط العراق، اخذ انشغالها بالحرب وخسائرها الهائلة تزيد من ضعف مواقعها كقطب اكبر بل والى انفلات متزايد لشعوب من هيمنتها ، كما يجري في امريكا اللاتينية، فضلا عن تدهور سمعتها الاخلاقية وتصاعد الادانات العالمية بما فيها ادانة الشعب الامريكي لكل جرائمها . فاصبحت معركتها في العراق معركة موت اوحياة بالنسبة للادارة الامريكية الحالية. ففي قتل مقاومة شعبه ونهب ثرواته استرجاع لهيبتها، وتوطيد لهيمنتها على العالم. ومن خلال اشهار الفضائع التي تنفذها ادواته او ضحايا جرائمه المشوهة تشويه لسمعة الشعب العراقي وتبرير لاستمرار احتلالها بهدف ترويض ودمقرطة شعب متوحش . فلم تدخر وسعا ولا تجربة ولا جريمة دون ان تقترفها في العراق .. مستغلة كل ما مهدت له من بؤس وارهاب وقتل وحروب وافقار وتجويع على يد النظام الدكتاتوري وهي تعلم ان كل ذلك لم يترك امام الشعوب الا اللجوء الى التدين المفرط والتشبث بالعلاقات العشائرية والتقاليد البالية، لاسيما بعد تمكنها من حرمان شعبنا من قيادته السياسية بمختلف الوسائل والاساليب. صحيح ان جريمة قتل دعاء كانت الافضع باسلوبها الوحشي والمرعب، واسلوب عرضها امام الجماهير وقوات حكومة كردستان، دون ان تحرك ساكنا، وتسويقها عالميا ولكنها ليست الاولى ولن تكون الاخيرة، طالما بقي الاحتلال . نعم لقد استفزت جريمة قتل دعاء الضمير العالمي ، وتصاعدت الادانات عالميا وداخليا وقامت تظاهرات في الكثير من عواصم العالم وقد تصل في اوجها الى هيئة الامم ، وستطالب بمعاقبة المسؤولين عنها واصدار قوانين تحرم قتل المرأة غسلا للعار والغاء قوانين الافراج عن مرتكبي جرائم القتل بسبب الشرف.. وهذا جيد، لانه يحرك الجماهير ويدفعهم لتصعيد النضال. ولكن قوات الاحتلال وادواتها ستجد وسيلة لاشغال الجماهير بجريمة اخرى تنسيهم جريمة قتل دعاء رغم كل القوانين التي ستسن ورغم معاقبة مرتكبي الجريمة الذين انتهى دورهم بالنسبة لمخططيها . ثم من الذي سيسن هذه القوانين ويشرعها ومن الذي سينفذها؟ اليس نفس الحكومتين والبرلمانين التي نصبتها قوات الاحتلال لتنفيذ كل مخططاتها وفي ظلها تنفذ كل هذه الجرائم . فحكومة كردستان بقطبيها تظاهرت بادانة الجريمة ولكنها سكتت عن تصاعد قتل النساء في كردستان منذ بدء الاحتلال لحد يوم استشهاد دعاء، بنسبة 20% سنويا وبلغت اعدادهن 30 الف خلال اربع سنوات وفقا لتقرير وزارة حقوق الانسان في كردستان، بل ولم تعاقب حكومة كردستان أي من القتلة، في حين يحتل بعضهم مناصب حكومية متقدمة. دع عنك الجرائم الفضيعة ضد المرأة في جميع انحاء العراق في ظل الحكومة المركزية وبرلمانها الذي يضم عددا من النسوة، سواء جرائم الشرف او جرائم الاغتصاب والتمثيل باجساد الضحايا وجثثهم في الشوارع والسجونوالبيةت، وحرمان المرأة حتى من الحقوق التي تمتعت بها في القرن الماضي بنضالاتها واسناد قوى الشعب، بما فيها حقها بالسفر اوتحصيل جواز سفر دون موافقة ذكر من عائلتها.
ان ما تقترفه الادارة الامريكية في جميع مناطق العراق سواء بحق النساء والاطفال بل وعموم الشعب من جرائم لاتكفي محاكمة نورنبرغ واحدة التي حاكمت اقطاب الهتلرية، لمحاكمتها على جرائمها . فهل ستنتظر شعوب العالم ان تشملهم حرية وديموقراطية الادارة الامريكية التي شملت بها العراق؟ .